الوقت- کتب الدکتور سعد الله زارعي الخبیر في قضايا المنطقة في مقال له: بعد عملية "طوفان الأقصى" المدهشة، أظهر يحيى السنوار قدرته على مواجهة الکيان الإسرائيلي والتغلب عليه، ولهذا أُطلق عليه لقب "كابوس إسرائيل".
لقد كانت عملية انتقال حماس من الشيخ أحمد ياسين إلى عبد العزيز الرنتيسي، ومنه إلى خالد مشعل، ثم إسماعيل هنية ويحيى السنوار، دائمًا "انتقالًا ضروريًا"، وإن المسيرة المستمرة لحماس من الشيخ أحمد ياسين إلى يحيى السنوار، فضلاً عن الأفكار والمبادئ الثابتة لحماس على مدى ما يقرب من أربعة عقود، على الرغم من التغيرات في قيادتها، تُظهر أن خارطة طريق حماس تعتمد على الجبهة وتستند إلى تحقيق أهداف المنظمة، وليس على العلاقات الأسرية أو الأفراد.
في لحظات "الانتقال الضروري"، تعرضت حماس لمجموعة متنوعة من التكهنات، ومن بين أهم هذه التكهنات كان "تغيير المسار" بسبب مواجهة فقدان الأمين العام، في هذه الأوقات، حيث يفضّل الکيان الإسرائيلي رؤية حماس بهذه الطريقة، ويتم تصويرها كذلك.
وهذا هو نفس ما تم القيام به مع جمهورية إيران الإسلامية، وما زال يُمارَس، ففي فترة معينة، كان يُروَّج لفكرة أن حياة الجمهورية الإسلامية تعتمد على حياة الإمام الخميني الراحل(رحمه الله)، وأنه بعد الإمام، ستتجه الأمور بسرعة نحو الانهيار الفكري، وفي النهاية نحو الانهيار المادي، وقد تم طرح نفس الخطأ فيما يتعلق بالحكومات الإيرانية، ولا بد أنكم سمعتم العبارة التي تقول: "فلان هو آخر سهم في جعبة الجمهورية الإسلامية، وإذا لم يُصِب، ستنهار الجمهورية الإسلامية".
ما قامت به "إسرائيل" يوم الأربعاء الماضي في قطاع غزة، كان في جوهره إضافة عنصر "الثأر" إلى عناصر المقاومة في غزة، بمعنى أنه من الآن فصاعداً، ستتولد لدى القوى الجهادية الفلسطينية مطالب جديدة من الکيان، وسيدخلون الساحة من أجل تحقيقها.
هناك حدث مهم وقع في هذه السنوات، وهو ما يعزّز وجود قادة مثل السنوار وهنية والعاروري، وهو "وحدة الساحات"، وبالتالي الربط بين القيادة في الداخل والخارج، ولذلك، فإن أقصى ما يمكن أن تفعله "إسرائيل" هو حذف الأفراد وهدم الجدران، لكنها لا تستطيع أن تفصل الخيط الذي يربط عمان بالبحر الأبيض المتوسط.
إن الکيان الصهيوني، من خلال اغتيال السنوار، قد عمل على إحياء الأحقاد في الضفة الغربية، ما يعني أن استشهاد هنية والعاروري والسنوار قد يكون قد ألحق ضرراً بـ "حماس الإدارية"، لكنه في المقابل قد أشعل نار "حماس الجهادية"، وجعلها أكثر قوةً وهيبةً، هذه مسألة مهمة، ولذلك فقد أشار العديد من المحللين الغربيين إلى أن اغتيال السنوار قد جعل حركة حماس أكثر نشاطاً، وأدى إلى توحيد صفوفها الداخلية.
الکيان الصهيوني، الذي فشل في تحقيق الأهداف التي وضعها في بداية الحرب، يحتاج إلى تحقيق إنجازات، ويظهر من خلال عرض صور جماعية لعناصر وقادة من حماس وحزب الله، وكأنه قد اقترب من تحقيق أهدافه الحربية.
لكن الحقيقة التي أشار إليها بعض المسؤولين في الکيان، هي أن الشهيد نصر الله والشهيد السنوار لم يكونا بداية طريق، بل إن استشهادهما لا يعني نهاية الطريق، فالشهداء العظماء الذين ارتقوا في الآونة الأخيرة، بدءاً من السيد رضى في دمشق وصولاً إلى السنوار في غزة، كانوا جميعاً "مواصلين للدرب" وليسوا "بدايات"، وبالتالي فلا يوجد أي توقف أو سكون بعد استشهادهم.
لقد أطلق البعض لعبة الكلمات، وتحدثوا عن أفق يبدو فيه أن المقاومة ستغير مسارها، أو ستفقد قوتها وسرعتها نتيجةً لفقدان بعض القادة وعدد من القيادات، في حين أنه حتى لو كان مثل هذا الاستنتاج جائزًا بشكل مؤقت، وهو ما لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال، فإنه في زمنٍ يواجه فيه جبهة المقاومة وتياراتها زيادةً في مستوى العمليات العدائية من قبل العدو، يصبح الحفاظ على قوة المقاومة وشدة حركتها ضرورةً ملحةً، بل يتعين العمل على تعزيزها.
ولذا، يجب على الکيان ألا يظن أن استشهاد القادة، سيجعل الهيكل التنظيمي للمنظمات الثورية يقع في حيرة أو خطأ في فهم الوضع والموقف.
هل هناك إمكانية لاستبدال السنوار؟ وهل هناك فعلاً بديل له؟ هذا هو السؤال المتكرر في هذه الأيام، يجب أن نلقي نظرةً على كيفية تقدم يحيى السنوار من كونه عضوًا عاديًا، إلى أن أصبح في المرتبة الأولى في حركة حماس، حتى أصبح كما وصفته بعض وسائل الإعلام "كابوس الصهاينة".
وُلِد يحيى السنوار عام 1962 في "مخيم اللاجئين بخان يونس"، كان في السادسة عشرة من عمره عند انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وفي عام 1987 خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي تأثرت بالثورة الإسلامية، كان يبلغ من العمر 25 عاماً، وعندما أُسست حركة حماس، كان السنوار في السادسة والعشرين، وعندما تولى مسؤولية إدارة قطاع غزة بتكليف من رئيس المكتب السياسي، كان قد بلغ الخمسين.
كان السنوار تلميذاً مخلصاً للشيخ أحمد ياسين، قضى 23 عاماً من عمره في سجون الکيان الإسرائيلي القاسية، وقد تولى مسؤولية إدارة قطاع غزة لمدة 12 عاماً، وبعد استشهاد إسماعيل هنية، وصل إلى رئاسة المكتب السياسي، وبالتالي إلى قيادة حركة حماس.
تُظهر دراسة مسيرته أنه على الرغم من أن استشهاده يُعتبر خسارةً كبيرةً لحركة حماس، إلا أنه يوجد على الأقل 10 إلى 12 شخصاً يتمتعون بخصائص مشابهة أو قريبة من خصائصه في "حماس الحالية"، بالإضافة إلى ذلك، تملك حماس الفرصة لتكوين "السنوار المستقبل" من بين عناصر أخرى، لذا، فإن حماس ليست في مأزق.
والنقطة الأخرى هي أن حركة حماس الثورية تمرّ الآن بأصعب وأثقل مراحلها، فالفترة التي تجاوزت السنة بعد عملية "طوفان الأقصى"، تُعتبر أصعب فترة تمرّ بها حماس خلال 36 عاماً، حيث لم تتعرض من قبل لمثل هذا المستوى من الحصار والضغط والقصف وأنواع الحوادث.
إن الوضع الحالي للمقاومة، من حيث القدرة على إدارة شؤون الناس وإدارة المقاومة في "ظروف بالغة الصعوبة" وإدارة الغذاء والصواريخ، أسهل من العام الماضي، عندما يمر قائدٌ بظروف صعبة وخطرة، فإن تلاميذه لن يجدوا أنفسهم في وضع أكثر سهولةً، إن إدارة حماس لمدة عام تحت الأرض، وإدارة الحرب ضد الکيان فوق الأرض، وفي الوقت نفسه، خلق الفرص لتوسيع القدرات الدفاعية، قد تم إنجازه بصعوبة.
وهذه الإنجازات الروحية والإدارية التي تحققت من خلال هذه الصعوبات، قد تحولت اليوم إلى رصيد القيادة الجديدة لحماس، أما السر في ذلك، فهو أنه عندما يستشهد شخص ما في جبهة الحق، فإن الله سبحانه وتعالى يملأ مكانه، والجبهة التي يتواجد فيها الحضور العملياتي لله سبحانه، لا تعاني من الذبول أو التراجع.
إن هيمنة العنصر الروحي على العنصر المادي بعد الاستشهادات، تبطل فعلياً تأثير التفوق التسليحي لجبهة الباطل على جبهة الحق، ما يمهّد الطريق لتحرك أسرع لجبهة الحق.