الوقت - لقد أضيئت سماء الأراضي الفلسطينية المحتلة الأسبوع الماضي بوميض الصواريخ الإيرانية، حيث تلقت "إسرائيل" مرةً أخرى طعم الصفعة القوية من الجمهورية الإسلامية ردًا على شرورها.
إيران، التي أظهرت صبرًا استراتيجيًا بعد اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، على أمل أن يثني ذلك الغربيين وقادة تل أبيب عن اختبار صبر المقاومة مجددًا وإيقاف الحرب في غزة، إلا أنها قررت بعد الجريمة النكراء باغتيال السيد حسن نصرالله واللواء نيلفروشان، المستشار العسكري البارز لإيران في لبنان، أن تضرب الصهاينة المجرمين ضربةً قاضيةً.
يُقال إن هذه العملية، التي أُطلق عليها "الوعد الصادق 2"، شهدت إطلاق 200 صاروخ على مرحلتين، مستهدفةً المناطق الحساسة وعمق الأراضي المحتلة، ولأول مرة، تم استخدام صواريخ "فتاح" فائقة السرعة، بالإضافة إلى صواريخ "قدر" و"عماد" بعيدة المدى، ما سيغير قواعد الردع بين إيران والکيان الصهيوني.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الصهاينة، كما جرت العادة، ادعوا أنهم اعترضوا العديد من الصواريخ في محاولة للحفاظ على الروح المعنوية الداخلية وفرض رقابة إعلامية صارمة، إلا أن المسؤولين الأمنيين الإيرانيين أكدوا أن 90% من هذه الصواريخ قد أصابت أهدافها بدقة.
ما هي المناطق المستهدفة؟
بينما تسعى الجمهورية الإسلامية، على عكس الکيان الصهيوني، إلى عدم استهداف المدنيين، فقد استهدفت هذه المرة أيضاً المراكز الحساسة والحيوية في الأراضي المحتلة.
حيث قامت إيران بتوجيه ضرباتها نحو القواعد العسكرية المهمة في الأراضي المحتلة، مستهدفةً بذلك نقاط القوة لدى "إسرائيل"، ووفقاً لما ذكره اللواء علي باقري، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، فقد تم استهداف ثلاث قواعد عسكرية جوية رئيسية تابعة للکيان الصهيوني خلال الهجوم، بما في ذلك مقر الموساد، وقاعدة نفاتيم التي تُعتبر المركز الرئيس لتخزين الطائرات المقاتلة من طراز F-35، وقاعدة "حتسريم" التي كانت نقطة انطلاق لعمليات اغتيال السيد حسن نصرالله، بالإضافة إلى الرادارات الاستراتيجية ومراكز تجمع الدبابات، والمركبات المدرعة، والأفراد التابعين للکيان الصهيوني في المنطقة المحيطة بغزة.
في الوقت الراهن، تتمتع "إسرائيل" بتفوق جوي نسبي على الدول الأخرى في المنطقة، وذلك بفضل الطائرات المقاتلة التي تلقتها من الولايات المتحدة، وخاصةً طائرات "F-35"، لكن إيران أثبتت أنها قادرة على تدمير جميع هذه الطائرات في المرة القادمة من خلال صواريخها القوية، ما يُلحق الهزيمة بالنقطة الوحيدة التي تُعتبر نقطة قوة للصهاينة.
ونظراً لعدم قدرة الجيش الإسرائيلي على مواجهة القوات المقاومة على الأرض، واعتماده على القوة الجوية، فإن هبوط الصواريخ الإيرانية على القواعد الجوية يُعتبر أكبر كابوس لبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي، ووزراء حكومته المتشددين، حيث لن يكون هناك مكان آمن في الأراضي المحتلة من صواريخ إيران فرط الصوتية.
تُعتبر إحدى نقاط القوة الأخرى للکيان الصهيوني في الميدان، هي امتلاكه لعدد كبير من الدبابات والمركبات المدرعة المجهزة، والتي حقّق من خلالها تقدماً نسبياً في الحروب السابقة، والآن في غزة، بفضل الدعم الجوي. ولذلك، فإن استهداف مراكز تخزين الدبابات والمركبات المدرعة يُعتبر تحذيراً جدياً لقادة الکيان، بأن الجمهورية الإسلامية يمكنها، إذا لزم الأمر، شلّ مشاة الجيش الصهيوني من خلال هجمات واسعة في المستقبل.
وقد أثبت المشاة أنهم إذا لم تتوافر الدبابات، فلن يخطوا خطوةً واحدةً نحو مواجهة مجموعات المقاومة في لبنان وفلسطين، حيث يختبئون دائماً داخل الدبابات والمركبات المدرعة للحفاظ على أنفسهم من الهجمات.
التعريف بالقواعد العسكرية
تُعتبر القواعد العسكرية التي استهدفتها القوات المسلحة الإيرانية ذات أهمية استراتيجية كبيرة، ما سيزيد من قلق قادة تل أبيب.
قاعدة "نِفاتيم" الجوية، المعروفة أيضاً باسم قاعدة 28 الجوية، هي قاعدة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي تقع على بعد 15 كيلومتراً جنوب شرق مدينة بئر السبع في صحراء النقب، تُعد هذه القاعدة واحدةً من أكبر القواعد الجوية في الأراضي المحتلة، حيث تحتوي على ثلاثة مدارج بطول مختلف. وتتميز بمدرج طوله 3400 متر، ما يجعلها المقر الرئيسي لطائرات F-35 الإسرائيلية.
تتواجد في هذه القاعدة طائرات مقاتلة خفية، وطائرات نقل، وطائرات تزويد بالوقود، وطائرات استطلاع/استشعار إلكترونية، بالإضافة إلى الطائرات المعروفة باسم "إير فورس وان الإسرائيلية"، وتعرضت القاعدة لأضرار خلال الهجوم الإيراني على الأراضي المحتلة في أبريل 2024، خلال عملية "الوعد الصادق 1"، حيث أظهرت الصور الفضائية والفيديوهات أن حوالي 7 صواريخ باليستية أصابت هذه القاعدة.
قاعدة "حتسريم" الجوية، التي لم تسلم من الضربة الصاروخية الإيرانية، هي مطار عسكري يقع في منطقة بئر السبع، على ارتفاع 220 متراً عن سطح البحر، تم إنشاء قاعدة حتسريم في أوائل الستينيات من القرن الماضي، وبدأت عملياتها في أكتوبر 1966.
من عام 1968 حتى 2015، كان هناك سرب من المروحيات في هذه القاعدة، والذي تم نقله في السنوات الأخيرة إلى قاعدة بالماخيم الجوية، ومنذ عام 1969 وحتى اليوم، يوجد في حتسريم سرب "النمر الطائر" الذي يستخدم طائرات تدريبية من طراز TA-4H Skyhawk Ayit ذات المقعدين، بالإضافة إلى النسخة المقاتلة ذات المقعد الواحد A-4H/N.
قاعدة "غليلوت"، التابعة لوحدة التجسس 8200 ومقر الموساد، كانت أيضاً من بين المراكز التي لم تسلم من صواريخ إيران، تُعتبر هذه القاعدة المقر المركزي لدائرة المعلومات العسكرية في الجيش الإسرائيلي المعروفة باسم (أمان)، ومقر الوحدات المهمة مثل الوحدة 8200 المسؤولة عن الاستخبارات الإشارة والسايبر، والوحدة 9900 المسؤولة عن الاستخبارات البصرية.
تقع هذه القاعدة في منطقة "رامات شارون" بالقرب من مدينة هرتسليا، شمال شرق تقاطع غليلوت، على بعد 1.5 كيلومتر من تل أبيب وحوالي 110 كيلومترات من الحدود الفلسطينية اللبنانية، كما يقع المقر المركزي للموساد ومقر الكليات العسكرية في معسكر دايان (كليات القيادة والأركان المشتركة للجيش الإسرائيلي، القيادة التكتيكية والأمن القومي الإسرائيلي)، بالإضافة إلى مركز التراث المعلوماتي ومكان تذكاري لـ "قتلي وحدات الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي" بالقرب من هذه القاعدة.
تبلغ مساحة هذه القاعدة حوالي 250 ألف متر مربع. تُعتبر هذه القاعدة أيضاً مركز تدريب المعلومات التابعة لجهاز الأمان، بالإضافة إلى كونها المقر الخاص بفوج الاتصالات في الجهاز نفسه، ما يجعلها واحدةً من أكبر قواعد التنصت في "إسرائيل".
ونظراً لأن هذه القاعدة تُعدّ مركز دائرة المعلومات العسكرية في الجيش الإسرائيلي ومقر وحدات 8200 و9900، المسؤولة عن تقديم التحذيرات المبكرة قبل أي عملية هجومية ضد الأراضي المحتلة، فإن استهدافها من قِبل إيران، وكذلك من قِبل حزب الله لبنان في الأيام الأخيرة، يُعكس أن المقاومة قد وجهت ضربةً قويةً وإهانةً كبيرةً للجيش الإسرائيلي، وخاصةً أن هذه القاعدة تقع في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تُعتبر دائرة المعلومات العسكرية واحدةً من أهم الدوائر في الجيش الصهيوني، حيث تتولى مسؤولية تنفيذ عمليات الاغتيال، بينما تقوم وحدة 8200 بجمع المعلومات اللازمة لهذه العمليات، لذا، فإن استهداف هذه المركز الحيوي والحساس، يُمثّل تحذيراً لقادة الاحتلال بأن مقر تصميم عمليات اغتيال القادة أصبح الآن في مرمى صواريخ المقاومة.
قاعدة "تل نوف" هي واحدة من المراكز الأخرى التي استهدفتها الصواريخ الإيرانية. تُعتبر قاعدة تل نوف الجوية مطاراً عسكرياً يضم مدرجاً بطول 2388 متراً. تقع هذه القاعدة في مدينة رخووت، على ارتفاع 59 متراً عن سطح البحر، وتُعد أقدم قاعدة لسلاح الجو الإسرائيلي، حيث أُنشئت خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين.
تحتوي تل نوف على طائرتين مقاتلتين، وطائرتين هليكوبتر، وسرب من الطائرات المسيرة، كما يوجد في هذه القاعدة مركز اختبار الطيران "منات" والعديد من الوحدات الخاصة من قوات الدفاع الإسرائيلية، بما في ذلك الوحدة 669 (وحدة البحث والإنقاذ القتالية المروحية) ومركز تدريب كتيبة المظليين.
بنك أهداف دقيق وقوي لإيران من الأراضي الاستراتيجية للکيان الإسرائيلي
من خلال استهداف قاعدة "حتسريم" الجوية، التي تُعتبر نقطة انطلاق عمليات اغتيال السيد حسن نصرالله، أرسلت إيران إلى قادة تل أبيب رسالةً مفادها بأنها تتمتع بقدرات كبيرة في المجال المعلوماتي، حيث تمتلك معلومات دقيقة عن جميع المراكز التي تُنفذ فيها العمليات العسكرية الصهيونية، وخاصةً خطط اغتيال قادة المقاومة، ومن الآن فصاعدًا، ستظل جميع التحركات التخريبية للکيان الإسرائيلي تحت مجهر القوات المسلحة الإيرانية.
وتجدر الإشارة إلى أن العملية "الوعد الصادق 2" قد شهدت إصابة الصواريخ الإيرانية لمحيط غزة، ما يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذه الخطوة، ففي الوقت الذي تسعى فيه حكومة نتنياهو حاليًا إلى احتلال المناطق الشمالية من غزة، على أمل ضمان أمن المستوطنين، فإن هبوط الصواريخ فرط الصوتية حول غزة، يوجّه رسالةً واضحةً للکيان مفادها بأنه حتى لو تمكن من احتلال نصف غزة، فلن يجلب له هذا الإجراء أي أمان.
تُعتبر عملية "الوعد الصادق 2" بمثابة الرسالة الثانية من إيران إلى قادة تل أبيب، تقول مفرداتها إن تصعيد التوترات في المنطقة والمغامرات الجديدة في لبنان، لن يساعد الصهاينة في تحقيق أهدافهم، بل على العكس، مع هبوط عدد كبير من الصواريخ الإيرانية في قلب الأراضي المحتلة، وتعزيز "وحدة الساحات"، سيجد الصهاينة أنفسهم محاصرين أكثر من أي وقت مضى في حصار أمني، لا يمكن حتى للدول الغربية إنقاذهم منه.