الوقت- بعد طول انتظار لنتيجة المفاوضات الطويلة بين بغداد وواشنطن تم تحديد التكليف النهائي لوجود قوات الاحتلال الأمريكي في العراق، وفق ما أعلنت أمس بعض المصادر المطلعة من الجانبين.
وذكرت وسائل إعلام أنه تم التوصل إلى اتفاق بين الجانبين حول توقيت انسحاب قوات التحالف، وحسب هذه المصادر، التي تضم خمسة مسؤولين أمريكيين ومسؤولين اثنين من الدول الأعضاء في التحالف وثلاثة مسؤولين عراقيين، فمن المفترض أن يغادر جزء من القوات العراق بحلول أيلول/سبتمبر 2025، وأن تغادر بقية القوات هذا البلد بحلول نهاية عام 2026.
وحسب هذه الخطة، بحلول سبتمبر/أيلول 2025، ستغادر جميع قوات التحالف قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار، وستخفض بشكل كبير وجودها في بغداد، ويجب أن تبقى القوات العسكرية الأجنبية الأخرى في المنطقة الشمالية من العراق حتى نهاية عام 2026، لكن هذا الاتفاق ليس نهائيا ويقال إن الخطة الشاملة لا تزال بحاجة إلى موافقة نهائية من العاصمتين وما زال موعد الإعلان مفتوحا.
ويأتي الإعلان عن هذه الأخبار الجديدة حول المفاوضات الأمريكية العراقية في وقت سابق من شهر كانون الثاني (د 1402)، حيث كانت حكومة محمد شياع السوداني قد أعلنت عن التوصل إلى اتفاق نهائي بعد 6 أشهر من المفاوضات مع البيت الأبيض.
والآن علينا أن ننتظر ردود الفعل الداخلية في العراق، حيث من المحتمل أن تجادل وسائل الإعلام والرأي العام، وخاصة البرلمان، لتصبح قضية ساخنة ومثيرة للجدل، في هذا المجال، القضية الأساسية والمهمّة هي أن الاتفاق وربما تفاصيل أخرى لم تُذكر أو غير واضحة، إلى أي مدى يتوافق مع مستوى تطلعات الشعب والقوى السياسية التي تشكل الحكومة؟
لكن ما الذين يحصل ؟
جاء الإعلان عن اتفاق انسحاب قوات التحالف في إطار مكافحة تنظيم "داعش"، فيما نقلت وكالة رويترز عن نية الحكومة العراقية ما ذكرته بـ "علاقات تشاورية جديدة" يمكن بموجبها للقوات الأمريكية البقاء في البلاد بعد انتهاء الحرب والموعد المعلن للاتفاقية هو عام 2026 للبقاء في العراق.
وفي هذا الصدد، حسب بي بي سي، قال فرهاد علاء الدين، مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الخارجية، إن المفاوضات الفنية مع واشنطن بشأن خفض قوات التحالف قد انتهت ونحن الآن على وشك تحريك العلاقات بين البلدين، وينتقل العراق وأعضاء التحالف الدولي إلى مستوى جديد يركز على العلاقات الثنائية في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية.
وتحدث هذا المسؤول العراقي عن مستوى جديد من العلاقات العسكرية والأمنية بينما ذكرت رويترز أن بغداد وواشنطن تسعيان إلى إقامة علاقة "تشاورية جديدة" قد تؤدي إلى بقاء بعض القوات الأمريكية في العراق بعد تخفيض القوات.
في غضون ذلك، تؤكد مواقف المسؤولين الأمريكيين أيضاً وجود ثغرات كثيرة في اتفاق تجاوز المطلب العام بطرد القوات الأجنبية من العراق لتتمكن واشنطن من الاستمرار في الحفاظ على وجودها العسكري في العراق بمهام جديدة وفي ظل عناوين مختلفة.
وفي هذا الصدد، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ومسؤول دفاعي أيضاً في هذا البلد: إن الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أكدا في بيان مشترك نشر قبل نحو خمسة أشهر أنهما حددا الموعد، وسيبحثون كيفية إنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق و"التحرك نحو شراكات أمنية ثنائية دائمة".
ويبدو أن هذه المسألة تعود إلى الحساسيات القائمة في العراق، وخاصة من القوى السياسية المرتبطة بالمقاومة، والتي يشكل بعضها الركائز الأساسية للحكومة والبرلمان الحاليين على شكل ائتلاف الإطار التنسيقي للشيعة، والعديد من القوى والفئات الاجتماعية المعارضة، وإن وجود القوات الأجنبية في أراضي العراق سيخلق العديد من المشاكل للحكومة السودانية ووزارة الخارجية في الأسابيع والأشهر المقبلة وستصبح قضية صعبة في البرلمان.
وزارة الخارجية الأمريكية وصناعة الأزمات لحكومة السوداني
بينما في السنوات الأخيرة، ومع إقرار القرار رقم 18 الخاص بطرد الجنود الأجانب في البرلمان العراقي عام 2020 ورفض الولايات المتحدة قبول هذا القانون والمطلب العام للعراقيين، كان هناك دائما درجة من توتر وصراع بين الميليشيات المناهضة للاحتلال، لكن عندما بدأت عملية طوفان الأقصى في الـ 7 من أكتوبر وما تلاها، تعاونت واشنطن بشكل كامل مع السياسة الصهيونية المتمثلة في الاحتلال العسكري لغزة وقتل وتشريد عشرات الآلاف من الفلسطينيين، واندلعت موجة جديدة وأكثر كثافة من الاشتباكات العسكرية بين الجنود الأمريكيين وجماعات المقاومة في العراق.
خلال هذه الفترة، حاولت أمريكا أولاً منع فتح جبهة عسكرية جديدة ضد الكيان الصهيوني في العراق، ولهذا الغرض أعدت هجمات ضد مقرات ومنشآت مجموعات المقاومة العراقية، ما أدى إلى استشهاد بعض قادة الحشد الشعبي، ومن بينهم استشهاد الحاج أبو تقوي أحد قادة اللواء 12 (حركة النجباء) في يناير 1402، و"أبو باقر السعدي" أحد كبار قادة "كتائب حزب الله" في فبراير، بهجوم بطائرات أمريكية من دون طيار.
لم تمر هذه الهجمات دون رد، وبالإضافة إلى بدء موجة من الهجمات الانتقامية ضد القواعد الأمريكية في العراق، استهدفت مجموعات الحشد الشعبي في الـ 18 من فبراير 1402، في عملية مهمة أيضًا مقر البرج 22 للجيش الأمريكي في الأردن، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن ثلاثة جنود أمريكيين، وحسب التقارير، خلفت الهجمات ما بين 25 إلى 34 جريحاً، كما تواصلت هجمات الطائرات من دون طيار والصواريخ التي تشنها فصائل المقاومة ضد المراكز الاقتصادية والاستراتيجية الحساسة للكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان السوري، كما تعرض ميناء حيفا لهجوم في عدة مناسبات.
ومن المؤكد، في مثل هذا الوضع المتوتر، أن جماعات المقاومة وقطاع كبير من الرأي العام العراقي، الغاضبين من مشاركة الولايات المتحدة العلنية في الجرائم الصهيونية ضد غزة والضفة الغربية، لن يرضوا بأقل من القبول غير المشروط، وانسحاب قوات الاحتلال الأجنبية من أراضي هذا البلد، وأي تخطيط لتجاوز هذا المطلب المشروع باتفاقيات جديدة وتحت عناوين جديدة قد باء بالفشل وسيكون مصدر أزمة لحكومة السوداني.
وتتعرض وزارة الخارجية وفؤاد حسين نفسه بصفته وزير الخارجية العراقي حاليا لنصل حاد من الانتقادات الداخلية، بسبب ما يسميه المنتقدون ضعف أداء الوزارة الواقعة تحت سيطرته في الدفاع عن مصالح العراق والحفاظ على سيادته، بل إن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك وفسر القرارات والسياسات التي اعتمدتها وزارة الخارجية في هذه الفترة على أنها وجود حكومة مستقلة في حكومة السوداني، فهم قريبون جداً من تركيا ويقدمون تنازلات واسعة في الاتفاقية الأمنية مع هذه الدولة، باعتبار أن السياسي الكردي المنتمي للحزب الديمقراطي يتوافق مع مصالح ووجهات نظر انقرة، إذ تعتبر بعض التقارير الإعلامية أن مكان عمل فؤاد حسين في أربيل أكثر منه في الوزارة في بغداد، وتتهمه بالتغيب لفترة طويلة عن مقر وزارة الخارجية.
ووصل الأمر إلى حد أن محمد أبو سعيدة رئيس حركة وجود العراق ذهب إلى القول بأن وزارة الخارجية العراقية تم حلها منذ عهد فؤاد حسين، كما تشمل الانتقادات واحدة من أكثر القضايا الداخلية حساسية للعراق بعد الغزو الأمريكي (2003) وتفيد بدخول "فلول" حزب البعث إلى مواقع صنع القرار في هذه الوزارة، وفي هذا الصدد، وصف حيدر العلامي، أحد قيادات حكومة القانون بزعامة نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، وأحد أبرز الشخصيات الحاضرة في ائتلاف الإطار التنسيقي، وجود أطراف ذات علاقة بحزب البعث في وزارة الخارجية بأنه "موضوع خطير جداً".