الوقت- التقلبات الاقتصادية والأزمات المالية في العقد الماضي عرضت الدول ذات المنتج الواحد، وخاصة الدول الغنية بالنفط، لخطر تقليص الموارد المالية، إلى حد أن بعض الجهات الفاعلة في الخليج الفارسي تخطط لاستثمار احتياطيات النفط في بلدان أخرى وتطوير قطاعات الأعمال والإيرادات غير النفطية، وأطلقت المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، استراتيجية استثمار وطنية واسعة النطاق اعتبارًا من عام 2021 تهدف إلى تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي المحتمل من خلال تنويع الاقتصاد.
وتعتمد استراتيجية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للتحول إلى اقتصاد غير نفطي بشكل كبير على "صندوق الاستثمارات العامة" لتوجيه قطار الاستثمار في الداخل والخارج لتوفير موارد جديدة للبلاد، وتم تصميم هيكل الحوكمة لضمان التوافق الاستراتيجي مع رؤية 2030 والإشراف الفعال على أنشطة الصندوق، وأعلن صندوق الاستثمارات العامة في آخر تقاريره عن إجمالي أصوله البالغة 3.47 تريليونات ريال (925 مليار دولار).
وكتب موقع الخليج أونلاين في تقرير عن الأنشطة التي يقوم بها هذا الصندوق أنه منذ بداية عام 2024 قام الصندوق العام بالعديد من المعاملات لشراء أسهم الشركات المحلية والأجنبية، وزعم موقع "خليج أونلاين" أن الصندوق السعودي العام يعد خامس أكبر صندوق في العالم وثاني أكبر صندوق في الوطن العربي ولا يدخر جهداً لتحقيق طموحات ولي العهد التي تضمنتها رؤية 2030 لتحقيق هدف تقليل الاعتماد على الدولة، لكن في هذه الأثناء، فإن الاعتماد المستمر على هذا الصندوق المالي الضخم لا يخلو من التحديات، ويرى محللون أن استغلال صندوق الاستثمارات العامة السعودي قد يصاحبه مشاكل في السنوات المقبلة.
ومؤخراً تناول موقع "بيزنس إنسايدر" في تقرير له أنشطة صندوق الاستثمارات العامة السعودي وأعماله ليصبح رافعة لتحقيق جزء من أهداف رؤية 2030، وأشار هذا التقرير إلى أن صندوق الاستثمارات العامة جاهز لأن يصبح قوة استثمارية ضخمة على الساحة العالمية، وأكد أن هذا الصندوق كثف خلال السنوات الأخيرة استثماراته في مشاريع اقتصادية بارزة على المستوى العالمي من أجل تقليل الاعتماد على السعودية.
وفي النصف الأول من هذا العام، استثمر الصندوق العام السعودي ما يقرب من 100 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، وارتفعت أصول هذا الصندوق في السوق الأمريكية إلى 20.7 مليار دولار بنهاية الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، وحسب المعلومات المنشورة منتصف أغسطس/آب، فقد استثمر هذا الصندوق في 42 شركة أمريكية.
تطوير الأنشطة الاستثمارية
ولتفادي التقلبات والأزمات المالية الناجمة عن الاستثمار في قطاع واحد، قام هذا الصندوق بتوسيع نطاق أنشطته إلى مستويات اقتصادية أخرى أيضا، ومؤخراً، كشفت شبكة بلومبرج أن الصندوق العام اشترى طائرات بوينج وإيرباص لتأسيس شركة للشحن الجوي كخطوة جديدة للاستثمار في نقل البضائع عبر الناقل الوطني للمملكة العربية السعودية، والذي يهدف إلى جعل البلاد مركزاً عالمياً للخدمات اللوجستية في مجال نقل البضائع والركاب.
وتم إنشاء هذا الصندوق في البداية للاستثمار في القطاعات التي يمكن أن تعزز النمو الاقتصادي السعودي، في البداية، تركزت أنشطتها بشكل رئيسي على الاستثمارات المحلية، لكن مسار الصندوق اتخذ منحىً كبيراً مع صياغة بن سلمان وثيقة رؤية 2030، واستنادا إلى رؤية 2030، تسعى السلطات السعودية إلى زيادة الاستثمار العام والخاص، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتنويع الاقتصاد.
وفي سلسلة أنشطة صندوق الاستثمارات العامة السعودي، يعتبر الآن من أكثر الأسماء إنتاجا في مجال التجارة العالمية، وحسب موقع Business Insider، فإن الصندوق السعودي راهن على شركات مثل "أوبر" بقيادة دارا خسروشاهي، الرئيس التنفيذي لهذه الشركة، وفي قطاع التكنولوجيا، ضخت 3.5 مليارات دولار في شركة أوبر، وضخت 45 مليار دولار في صندوق Vision التابع لشركة Softbank، واشترت 60% من شركة Lucid المنافسة لشركة Tesla، وهي مالك الأغلبية لشركة Magic Leap الناشئة في مجال الواقع المعزز.
علاوة على ذلك، فقد ضخت المليارات في شركة LIV Golf، واستحوذت على نادي نيوكاسل يونايتد مقابل 415 مليون دولار، ودعمت صندوق البنية التحتية التابع لشركة Blackstone بمبلغ 20 مليار دولار، واستثمرت في شركة Carnival، أكبر مشغل للسفن السياحية في العالم.
مخاطر استثمار الصندوق العام السعودي
ورغم أن بن سلمان يحاول الارتقاء بالسعودية إلى مكانة أعلى في المجال الاقتصادي خلال العقد المقبل وفتح حسابا خاصا في صندوق الاستثمار لتحقيق هذه الطموحات، إلا أن هذه الخطة لا تخلو من التحديات ونسبة نجاح السعودية في تنفيذ أحلامها تحيط بها هالة من عدم اليقين.
وكتب موقع Business Insider عن ذلك: "كان ينبغي على الصندوق العام السعودي أن يتعلم من الواقع الصعب المتمثل في التوسع الكبير في الأنشطة، لأن عددًا من استثماراته البارزة في الخارج كانت تعاني من مشاكل مالية، بحيث اضطر الصندوق في بند واحد فقط إلى تمويل ضخ 1.5 مليار دولار في شركة Lucid لسد الفجوة.
ومن ناحية أخرى، أصبحت المملكة العربية السعودية رائدة في مجال رأس المال الاستثماري، الذي ينطوي على توفير التمويل للشركات الناشئة في المراحل الأولى من النمو، مقابل حقوق الملكية أو الأسهم، وهذا ينطوي في بعض الأحيان على مخاطر.
ويبدو أن استثمارات الرياض في بعض أكبر الشركات العالمية تسببت في خسائر كثيرة للسعوديين، وفي هذا الصدد، أعلنت شبكة "بلومبرغ" مؤخراً، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن الصندوق السعودي اشترى جزءاً من أسهم شركتي "فيستا" و"بلورال سايت" في عام 2021، ومن هذه الصفقة مع المستثمرين المشتركين فيها، بعد تجديد هيكل الديون خسر نحو 4 مليارات دولار.
كما أفادت بلومبرج بأن صندوق الاستثمار السعودي استثمر في القطاع الرياضي من شركة "ستارتب جولف تور" عام 2022، لكنه خسر نحو 11 مليار دولار بسبب هبوط أسهم الشركة، وفي وقت سابق من أغسطس، كشفت بلومبرج أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي ضخ ما يقرب من 750 مليون دولار في شركة الواقع المعزز Magic Leap منذ عام 2023، على الرغم من أن الشركة لا تزال تبحث عن نموذج أعمال مستدام.
وكان من خسائر السعودية الاستثمار في شركة تيسلا لصناعة السيارات الكهربائية، والتي اجتذبت أكثر من مليار دولار من السعوديين لأول مرة في عام 2018 بعد تفاوض الصندوق الوطني السعودي مع إيلون ماسك لخصخصة تيسلا ولكن مع ارتفاع أسعار الوقود وخفضها الطلب على السيارات الكهربائية، خسرت المملكة العربية السعودية أيضا.
كما أن ارتباط المال العام مع الشخصيات السياسية يخلق مخاوف بالنسبة لصندوق الدولة السعودي، ولقد تلقى جاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب، الذي أطلق شركة الأسهم الخاصة Affinity Partners في عام 2021، ملياري دولار من صندوق سعودي، والذي يواجه الآن تحقيقًا من قبل السيناتور رون وايدن، رئيس اللجنة المالية بمجلس الشيوخ.
وفي رسالة صدرت في يونيو/حزيران، أثار السيناتور وايدن مخاوف من أن "الصندوق العام السعودي وصناديق الشرق الأوسط الأخرى تستخدم المدفوعات للمديرين التنفيذيين لشركة أفينيتي كأداة للتأثير على كوشنر وغيره من الشخصيات السياسية القوية"، هذا فيما ذكرت بعض وسائل الإعلام العربية قبل عامين أن السعودية منحت كوشنر 2 مليار دولار للاستثمار في البنية التحتية للأراضي المحتلة، وبما أن النظام الصهيوني يعاني من أزمة اقتصادية بسبب حروبه المتكررة مع فصائل المقاومة، يبدو أن السعودية راهنت على الحصان الخاسر في هذا المشروع أيضاً.
باختصار، يمكن القول إن صناديق الدولة في الدول العربية لدول الخليج الفارسي تبحث بشكل متزايد عن حقوق الاستثمار المشترك في المعاملات وتبحث عن عوائد أفضل وتريد زيادة سمعتها كمديري أصول من الطراز العالمي، ولكن إن مخاطر هذه الأنشطة مرتفعة، وإذا تم تقويض هذه الاستثمارات، فإن الشركاء الصغار سيخسرون إلى جانب شركات الأسهم الخاصة.