الوقت- في ظل البرود الحاصل في حملات المقاطعة وإمعان الكيان الصهيوني بجرائمه الوحشية بحق أهل غزة جدد الازهر دعوته لتفعيل مقاطعة المنتجات والبضائع الصهيونية في بيان قوي ومثير للجدل مطالباً بتسخير كل الإمكانات السياسية والدبلوماسية والشعبية كخطوة ضرورية لدعم الشعب الفلسطيني في محنته المستمرة، ويظل السؤال: هل ستلتزم الدول الإسلامية بدعوة الأزهر وتفعل المقاطعة بشكل جاد؟
رسالة الأزهر
تمثل المقاطعة أحد أبرز أشكال المقاومة الشعبية التي يمكن أن تُسهم في إلحاق الضغط على الاحتلال الإسرائيلي هذا ما أكد عليه الأزهر في ظل ما يعيشه أبناء الشعب الفلسطيني اليوم من جرائم إبادة جماعية وسط دعم و صمت دولي مطبق.
وأعرب الأزهر في بيان في هذا الشأن عن قلقه العميق إزاء ما يتعرض له الفلسطينيون من انتهاكات، مشدداً على أهمية التضامن العالمي مع قضيتهم العادلة.
وأشار البيان كذلك إلى أن الاحتلال يسعى بشكل ممنهج لتغيير الوضع الراهن في القدس، ويجب ألا يصمت العالم على تهجير الفلسطينيين واعتداءات المتطرفين على المقدسات، وحذر الأزهر العالم أجمع من مخطط صهيوني يتم تنفيذه على الأرض الفلسطينيَّة المحتلة في الضفة الغربية بهدف انتزاع ملكيتها وتهويد معالمها، وقتل أصحابها ومواطنيها الفلسطينيين، وارتكاب إبادة جماعية جديدة في ظل توحش هذا الكيان، وفي ظل تواطؤ دولي وعجز أممي غير مسبوق، وفي ظل انشغال العالم بما يحدث من مجازر يومية على أرض غزة الأبية، التي اطمأنَّ العدو إلى أن أحدا لن يحرك ساكنا لما يحدث فيها.
وأفاد علماء الأزهر بأن تجديد المقاطعة هو رسالة بينة تعكس مدى استعداد الأمة الإسلامية للوقوف إلى جانب قضية فلسطين، وقد دعا الأزهر إلى ضرورة تكثيف جهود بعض الحكومات لتعزيز التعاون مع المؤسسات الإسلامية والدول التي تدعم القضية الفلسطينية، وتجسد هذه الدعوة روح النضال والتضامن الإسلامي، ما يجعلها موضوعًا ذا أهمية كبيرة تتطلب النقاش والدراسة العميقة في ظل التحديات الراهنة.
كما حذر الأزهر من خطورة هذا العدوان على أمن المنطقة واستقرارها، مطالبا المجتمع الإنساني وجميع الأطراف الفاعلة، بتحمل مسؤولياتهم تجاه ما ارتكبته "آلة القتل الصهيونية" لهذا الكم المذهل والمفجع والمؤلم من مجازر وحشية بحق أهالي قطاع غزة، ولما هو مقدم عليه في الضِّفة الغربية، وضرورة بذل كل الجهود لوقف المخططات الصهيونية الرامية لزهق الأرواح وسلب الأرض وتزييف التاريخ وكأن كل شيء مستباح! وكأنّ عالم اليوم محكوم بقانون الغاب!
وطالب الأزهر، العالم الإسلامي بتسخير كل الإمكانات -السياسية والدبلوماسية والشعبية- ومصادر القوة، وتجديد تفعيل مقاطعة المنتجات الصهيونية حمايةً للدم الفلسطيني، وللمسجد الأقصى المبارك، ولمدينة القدس الشريف، وردا للعدوان عن إخواننا في فلسطين، وليعلم الجميع بأن هذا العدو قد زُرِعَ في أراضينا ليس ليعيش معنا في سلام -كما يدعون- وإنما لينهش في الجسد العربي واحدا تلو الآخر لو قدر له ذلك، والتاريخ والواقع خير شاهدين.
نجاحات المقاطعة
من الواجب التأكيد دوماً على أهمية حملات المقاطعة ودورها الفاعل ولو كان بسيطا في الوقوف إلى جانب أهل غزة في صمودهم في وجه الاحتلال الغاشم و الإعلام بشكل مستمر عن النجاحات التي تحققها هذه الحملة بهدف بث العزيمة والثبات في نفوس أحرار العالم ممن لا يزالون يقاطعون ويقفون في وجه أي منتج صهيوني وفي هذا الخصوص لا بد من ذكر أهم انجازات حملات المقاطعة في الفترة السابقة.
حملة مقاطعة شركة التأمين الفرنسية "أكسا" والتي أجبرتها على سحب استثماراتها من البنوك الإسرائيلية وشركة "إلبيت" للتصنيع العسكري ما يُعّد إنجازاً كبيراً، واستجابة لضغوطات المجتمع المدنيّ لإنهاء التواطؤ المُخزي لأكبر الشركات المالية مثل شركة "أكسا" في نظام الاستعمار- الاستيطانيّ والأبارتهايد والإبادة الإسرائيلي، الممتد لأكثر من 76 عاماً، وتشكّل البنوك الإسرائيلية العمود الفقري للمشروع الاستعماري الإسرائيلي، وجميعها تقدّم دعماً "مباشراً وضخماً" لإدامة وتطوير المستعمرات الإسرائيلية.
بدورها، كلّفت منظّمة المساءلة المؤسسية "إيكو"، والتي تشكل جزءًا من الائتلاف الواسع للضغط على شركة "أكسا" لوقف تواطئها في الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، منظّمة "بروفوندو"، وهي منظمة بحثية مستقلة، بإجراء بحثٍ أظهر أنه وبحلول أيلول/سبتمبر 2023، كانت لا تزال شركة "أكسا" تمتلك ما يزيد على 20 مليون دولار من الأسهم المستثمرة في ثلاثة بنوك إسرائيلية، وهي "هبوعليم"، و"ديسكاونت" و"لئومي".
وبحلول ال 24 حزيران/يونيو 2024، وبالتزامن مع تصاعد الحملة العالمية لمقاطعة "أكسا"، تبيّن بأن شركة التأمين الفرنسية قد سحبت استثماراتها من ثلاثة بنوك إسرائيلية، ويؤكد التقرير بأنّ "أكسا" لم تعد مستثمرة في بنك "مزراحي-تيفحوت" أو "بنك إسرائيل الدولي الأول" منذ نهاية العام 2022 على الأقل.
إزمير تلغي بروتوكول التوءمة مع "تل أبيب" لتصبح خامس بلدية تركية تستجيب لنداء حركة المقاطعة، وقد وافق مجلس المدينة بالإجماع على مشروع قرار إلغاء بروتوكول التوءمة مع "تل أبيب" خلال اجتماعه الذي عقد في ال 12 من آب/أغسطس، بعد أن وضعته حركة المقاطعة في تركيا على جدول أعمال المجلس.
وأكّد نائب رئيس المجلس، خلال الاجتماع، على أنّه من غير الممكن أن تظلّ مدينة إزمير شقيقةً لتل أبيب في حين يقاطع العالم أجمع دولة الاحتلال، وقد سبق هذا القرار إعلان بلدية إزمير عن إبرام اتفاقية توءمةٍ مع مدينة غزة، ورغم الثغرات التي لا تزال قائمة، إلا إن هذا القرار أثّر بشكل ملموس على الاقتصاد الإسرائيلي وأسهم في زيادة عزل نظامها الاستعماري عالمياً.
أكبر صندوق تقاعد خاص في بريطانيا يتخلّص من 100 مليون دولار من الأصول الإسرائيلية، بما في ذلك السندات الحكوميّة الإسرائيليّة، بعد ضغوط مستمرّة من أعضائه، وبالذات من نقابة أساتذة الجامعات (UCU).
ويشكلّ هذا مثالاً آخر على المؤسسات والشركات التي قامت بسحب استثماراتها من النظام الإبادي الإسرائيلي والشركات المتواطئة معه، خلال الأشهر الأخيرة، وفي شباط الماضي، قام أكبر صندوق سيادي في العالم، صندوق النفط النرويجي، الذي يبلغ مجموع استثماراته 1.6 تريليون دولار، بسحب استثماراته (البالغة حوالي 500 مليون دولار) من السندات الحكومية الإسرائيليّة.
وفي حزيران الماضي، سحبت أكبر شركة استثمار للتقاعد في النرويج استثماراتها البالغة 69 مليون دولار من شركة "كاتربلر" لتواطؤها في الجرائم الإسرائيلية بحقّ الشعب الفلسطيني، كما قامت اثنتان من أكبر الكنائس الأمريكية، الكنيسة الميثودية المتحدة والكنيسة المشيخية بالولايات المتحدة الأمريكية بسحب الاستثمار من السندات الحكومية الإسرائيلية كذلك.
ختام القول
في ظل التدهور السريع للاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعاني من هجرة رؤوس الأموال، وانخفاض التصنيف الائتماني، وهجرة النُخب المُنتجة في مجالات التكنولوجيا الفائقة والأكاديميا والصحة، وانهيار عشرات الآلاف من الشركات، وغيرها من المؤشرات الصادمة، فإنّ تفعيل دعوات المقاطعة من قبل جهات رسمية و دينية كالأزهر يمكن ان يشكل نجاحا كبيرا في ضرب الاقتصاد الاسرائيلي و يكون المسمار الأخير في نعش من يفكر الاستثمار في هذا الكيان الغاصب و دعمه و يمثّل تهوراً ماليّاً خطيراً.