الوقت - إن الشعور بانعدام الأمن وغياب الطمأنينة، قد لازم الصهاينة في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة منذ عام 2000 وحتى يومنا هذا، وقد تفاقم هذا الشعور بشكل ملحوظ، ولا سيما عقب الهزيمة المذلة التي مُني بها الكيان الإسرائيلي أمام المقاومة اللبنانية في حرب يوليو/تموز 2006.
هلع الصهاينة من تكرار طوفان الأقصى في الشمال
دأب الصهاينة على إدراج الخطر الجسيم الذي يمثّله حزب الله على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، في صلب جميع تقييماتهم السياسية والأمنية والعسكرية.
عقب عملية طوفان الأقصى في ال 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي شكّلت مفاجأةً تامةً من قبل المقاومة الفلسطينية، أطلق قادة المؤسسات العسكرية والأمنية في الكيان الصهيوني تحذيرات شديدة اللهجة من احتمال تكرار مثل هذه العملية على الجبهة الشمالية بواسطة حزب الله اللبناني، مؤكدين ضرورة استعداد "إسرائيل" لمثل هذا السيناريو.
لقد تفاقم شعور الصهاينة بانعدام الأمن وغياب الطمأنينة خلال هذه الفترة بصورة غير مسبوقة، ومنذ اليوم الثاني لمعركة طوفان الأقصى، حين أعلن حزب الله انضمامه رسميًا لدعم أهالي غزة ومقاومتها، دأبت المراكز الأمنية الإسرائيلية على نشر تقارير متعددة تتناول السيناريو المرعب المتمثل في تكرار طوفان الأقصى في الشمال.
وفي أعقاب اندلاع الحرب على غزة، برز خلاف حاد بين المسؤولين الصهاينة حول مسألة شن هجوم على لبنان، كما وجّهت الولايات المتحدة تحذيرًا رسميًا للکيان الإسرائيلي من مغبة أي مغامرة ضد لبنان، مشددةً على ما قد يترتب عليها من تداعيات كارثية.
وخلال الأشهر الأولى من معركة طوفان الأقصى، وفي الوقت الذي واصل فيه بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان، ويوآف غالانت، وزير حربه، إطلاق تصريحات متبجحة حول مهاجمة لبنان وتكرار تهديداتهما في هذا الصدد، رأى معظم المسؤولين العسكريين في هذا الكيان أن مهاجمة لبنان ستشكّل خطأً استراتيجيًا فادحًا؛ إذ من شأنها أن تفضي إلى تلاحم عميق بين جميع الجبهات المناصرة لفلسطين في مواجهة "إسرائيل".
وفي ضوء هذه المعطيات، كفّ المسؤولون الصهاينة عن طرح فكرة شن هجوم واسع النطاق على لبنان بجدية، كما باءت مساعي نتنياهو لاستدراج الولايات المتحدة إلى غمار هذه الحرب بالإخفاق.
بيد أن العامل الأبرز الذي حال دون إقدام الكيان الصهيوني على أي عمل عسكري واسع ضد لبنان، هو تهيّبه من تداعيات مثل هذه الحرب؛ إذ أقرّ المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم مرارًا بأن حزب الله، رغم العمليات المؤلمة التي نفّذها ضد "إسرائيل" على مدى الأشهر العشرة المنصرمة، لم يكشف بعد عن قوته الحقيقية، وأن الجيش الإسرائيلي الذي أنهكه التصدي لقوات غزة، سيواجه حتمًا مصيرًا كارثيًا في مواجهة حزب الله.
وعلى هذا المنوال، عوضًا عن التفكير جديًا في شن هجوم على لبنان، صبّ نتنياهو جُلّ اهتمامه على كيفية التنصل من عار هزيمة السابع من أكتوبر، مواصلًا حرب الاستنزاف في غزة في هذا السياق، ورغم إخفاقه في تحقيق أي إنجاز عسكري أو استراتيجي، ما انفك يصرّ على إطالة أمد الحرب.
المستنقع الذي تورط فيه الکيان الإسرائيلي جراء حماقاته الإرهابية
بيد أنه في المرحلة الراهنة، إذ يشهد الكيان الإسرائيلي تلاحمًا وتناغمًا غير مسبوقين بين جميع فصائل محور المقاومة، وعلى رأسها إيران بصفتها قائدة هذا المحور، وجد الصهاينة أنفسهم في مأزق يستشعرون فيه انهيار جميع حساباتهم.
وعليه، عادت قضية توسيع رقعة الحرب مع لبنان، بما قد يفضي إلى اندلاع حرب إقليمية شاملة، لتطرح نفسها بإلحاح على طاولة المحافل العسكرية والسياسية للكيان.
وفي خضم مشاهدة الصهاينة لتعاظم أواصر الوحدة بين شتى مكونات محور المقاومة بصورة غير مسبوقة، واعتبارهم حزب الله خطرًا وجوديًا ماحقًا على الجبهة الشمالية، أقدموا على تجاوز الخطوط الحمراء وقواعد الاشتباك، فكان اغتيال الشهيد فؤاد شكر، القيادي العسكري البارز في حزب الله ببيروت، والشهيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، حماقتين فادحتين ارتكبهما الكيان الإسرائيلي على أمل التخلص من الوضع الاستنزافي المستعر في حرب غزة.
وفي حين توهّم المحتلون أنهم بتنفيذ هاتين العمليتين الإرهابيتين الإجراميتين سيتمكنون من ثني أنصار المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسهم حزب الله وإيران، عن مواقفهم الداعمة لغزة، إلا أن هذه الحسابات باءت بالفشل الذريع؛ إذ لم يتراجع داعمو غزة قيد أنملة عن مواقفهم فحسب، بل أوقعوا الکيان الإسرائيلي في دوامة هائلة من الرعب والترقب، منتظرين الرد الحاسم على هذه الجرائم الإرهابية النكراء.
وعليه، يجد الكيان الصهيوني نفسه اليوم في مواجهة تهديدات غير مسبوقة في خطورتها، ما أثار في نفوس الصهاينة هلعًا عميقًا، ولم تُجدِ التصريحات المتبجحة المعهودة الصادرة عن المؤسسات السياسية والعسكرية للكيان، ولا الرسائل التطمينية الواهية التي أطلقها جيش هذا الكيان، في تهدئة روع المستوطنين.
وفي خضم استنفار جميع حلفاء الكيان الصهيوني الغربيين والولايات المتحدة، لمجابهة الرد المرتقب من إيران ومحور المقاومة على الجرائم الإرهابية التي اقترفها هذا الكيان، يتصاعد الذعر في أوساط المستوطنين من هول هذا الرد وتداعياته، ويستشري الرعب في نفوسهم بصورة غير مسبوقة.
سبعة تدابير متخبطة اتخذها الصهاينة في محاولة يائسة لدرء رد إيران وحزب الله
يجد الصهاينة أنفسهم اليوم على حافة هاوية حرب شاملة، وإذ أيقن جميع الصهاينة، بمن فيهم قادة الأجهزة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، بحتمية الرد الإيراني ورد حزب الله، شرع جيش هذا الكيان منذ أسبوعين في اتخاذ تدابير احترازية تحسبًا لهجوم إيراني وآخر لحزب الله، أبرزها سبعة إجراءات:
أولًا: أعلن جيش الكيان الصهيوني حالة التعبئة العامة قبل أيام، في خطوة تفوق في نطاقها ما أعقب عملية طوفان الأقصى، وفي هذا السياق، رفع الجيش درجة التأهب القصوى في جميع أفرعه، وأمر مختلف الوحدات بالاستعداد لمواجهة هجوم غير مسبوق في حجمه وطبيعته.
کما باشر الجيش بإخلاء كل الثكنات والمواقع العسكرية الواقعة في النطاق الشمالي لتل أبيب، بما فيها مقرات الأجهزة الاستخباراتية والأمنية، فضلًا عن المنشآت المدنية المنوط بها تقديم الدعم اللوجستي للجيش، كما أصدر أوامر صارمة بتفادي أي تجمعات للجنود في المواقع العسكرية المعروفة، وألزم القوات باتخاذ إجراءات التمويه والتخفي.
ثانيًا: شرع جيش الاحتلال في إعادة نشر بطاريات القبة الحديدية وسائر منظومات الدفاع الجوي وفق خطة استراتيجية جديدة في مناطق متفرقة، مع نقل الجزء الأعظم من هذه المنظومات إلى مواقع متاخمة للمناطق الحيوية والاستراتيجية لـ "إسرائيل"، وهذا يُنذر المستوطنين بأن قيادتهم تولي اهتمامًا أكبر لحماية المنشآت والمعدات العسكرية، وأن المراكز السكانية لا تحظى بالأولوية في حساباتهم الدفاعية.
ثالثًا: استحدث جيش الاحتلال الإسرائيلي استراتيجية عمل مغايرة لسلاحه الجوي، إذ بات يُسيّر أسرابًا كثيفةً من الطائرات المسيرة الاستطلاعية والهجومية فوق الأراضي اللبنانية على مدار الساعة، وتهدف هذه المسيرات إلى التجسس على حزب الله وحلفائه، في محاولة يائسة لاستقاء معلومات عن توقيت وطبيعة الرد المرتقب من إيران وحزب الله على الكيان الصهيوني.
رابعًا: باشر جيش الكيان بتجهيز مقاتلاته الحربية ووضعها في حالة استنفار قصوى، استعدادًا لصد أي هجوم مباغت، أو للقيام بعمل استباقي يرمي إلى إجهاض هجوم محتمل لحزب الله، كما أعاد الصهاينة تنسيق خططهم مع حماتهم في المنطقة، لتأمين ملاذات آمنة لمقاتلاتهم في حال شنت إيران وحزب الله هجومًا، بحيث يمكنها الفرار إلى الدول المتواطئة والمطبعة مع هذا الكيان، أو إلى قواعدها العسكرية.
خامسًا: فرض جيش الكيان الصهيوني أقصى درجات التأهب في الضفة الغربية المحتلة، خشية تنفيذ المقاومة الفلسطينية لعمليات نوعية في هذه المنطقة بالتزامن مع هجوم حزب الله أو إيران من الخارج.
کما أعلن الصهاينة حالة الاستنفار القصوى في محيط قطاع غزة، توجسًا من إقدام المقاومة الفلسطينية على تنفيذ عمليات صاعقة على الجبهة الجنوبية ضد الكيان، بالتوازي مع هجوم حزب الله من الشمال.
وفي هذا السياق، أصدر جيش الاحتلال الصهيوني تعليمات صارمة للمستوطنين في الضفة الغربية، يحثّهم فيها على اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر، تحسبًا لهجمات منسقة قد تشنها المقاومة بالتزامن مع الضربة المرتقبة من إيران وحزب الله.
سادسًا: عمد جيش الاحتلال الصهيوني إلى تكثيف التنسيق بين أجهزته الأمنية والعسكرية، والقواعد الأمريكية والبريطانية والفرنسية والقوات الألمانية المنتشرة في أرجاء المنطقة، وعلى وجه الخصوص في المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا والعراق، فضلًا عن قبرص واليونان وجنوب أوروبا والمياه الإقليمية للبحر المتوسط، ويجري تبادل المعلومات الاستخباراتية بين هذه الأطراف على مدار الساعة بوتيرة محمومة.
سابعًا: أما الإجراء الأخير الذي يتخذه الكيان الصهيوني في الخفاء، متوجسًا من رد إيران وحزب الله، فيتمثل في تفعيل خطة طوارئ داخلية شاملة، تهدف هذه الخطة إلى الاستعداد لفترة حرب مفتوحة أو مرحلة ممتدة من المواجهات العسكرية، وتنطلق هذه الخطة من فرضية مفادها بأن الرد الإيراني وضربات حزب الله لن تقتصر على عملية محدودة، بل قد تفضي إلى اتساع رقعة المواجهة وتصاعد حدتها.
بيد أن الخبراء الأمنيين في الكيان الصهيوني يشككون في جدوى هذه الخطة الطارئة في حال اندلاع حرب واسعة النطاق، وتشير الدلائل الملموسة إلى أن الإسرائيليين يفتقرون أساسًا إلى الجاهزية اللازمة لمواجهة مثل هذه السيناريوهات المعقدة، وأن تطبيق هذه الخطة لن يسفر سوى عن مزيد من الارتباك والتخبط في صفوفهم.