الوقت- أعلنت مصادر صهيونية أن جيش هذا الكيان سيطر على الجزء الفلسطيني القريب من معبر رفح، وإن احتلال الجزء الفلسطيني من معبر رفح يعني عملياً بداية العمليات البرية الصهيونية في أقصى جنوب قطاع غزة، وتستضيف رفح الآن نحو 1.5 مليون لاجئ فلسطيني، وقد حذر كثيرون من أي عملية برية في رفح.
وكانت مصر من الدول التي حذرت من احتلال رفح منذ الأسابيع الماضية، وفي الداخل المصري، لا يستطيع "عبد الفتاح السيسي"، رئيس هذا البلد، أن يتجاهل احتلال رفح، لأن الخارجية المصرية حذرت مرات عديدة في الأسابيع الماضية من هذا الأمر، وتعتبر رفح منطقة حساسة للغاية بالنسبة لمصر، وحسب بنود اتفاقية كامب ديفيد، لا يُسمح للقوات الإسرائيلية بدخول هذه المنطقة، والهجوم البري على هذه المنطقة يعني تجاهل بنود كامب ديفيد وهي قضية تقلق مصر أكثر من أي وقت مضى.
التعليق أو الانسحاب من كامب ديفيد
ويبدو أن القلق الأكبر بالنسبة للقاهرة من احتلال رفح هو أن "إسرائيل" ستجبر أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني على الهجرة والتهجير في صحراء سيناء، ودعت مصر مراراً وتكراراً إلى الحل السلمي منذ الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، حيث إن هذه الدولة حساسة دائماً تجاه انتهاك الصهاينة لاتفاقية كامب ديفيد، ودخول "إسرائيل" إلى رفح هو في الواقع انتهاك كامل لاتفاقية كامب ديفيد. وفي هذه الحالة قد يكون تعليق كامب ديفيد هو الخيار الوحيد أمام مصر ضد انتهاك "إسرائيل" لمعاهدة كامب ديفيد.
حتى أن بعض الخبراء يعتبرون إلغاء اتفاقية كامب ديفيد والانسحاب منها هو الحل الأخير لمصر في مواجهة الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" في غزة، ويرى "شريف محي الدين"، الخبير في القضايا الإقليمية، أن مصر يجب أن تنسحب بشكل كامل من هذا الاتفاق إذا انتهكت "إسرائيل" اتفاق كامب ديفيد.
وفي الواقع، يمكن للقاهرة أن تعلن تعليق الملحق الأمني لاتفاقية كامب ديفيد رداً على انتهاكات "إسرائيل" لهذه المعاهدة والغزو البري لرفح، بحيث تنشر قوات عسكرية مصرية على حدود سيناء دون التنسيق مع "إسرائيل"، وسيكون هذا الإجراء ردا على خرق "إسرائيل" لاتفاقية كامب ديفيد، لأن أي نشر لقوات عسكرية في كامب ديفيد يعتمد على اتفاق الطرفين وهما تل أبيب والقاهرة، والآن بعد أن أرسلت تل أبيب قوات برية ومن دون التنسيق والاتفاق مع القاهرة، فإن يد مصر مفتوحة للرد بالمثل وإرسال قوات عسكرية إلى حدود رفح.
وسبق أن أوضح وزير الخارجية المصري موقف القاهرة في مؤتمر ميونيخ الأمني وأعلن أنه قيل لـ"إسرائيل": إن مسألة الخط الأحمر في رفح ونقل سكان رفح أمر لا يطاق، لأن هذا الإجراء قد تكون له عواقب تهديد كبير لمصر، وسوف يؤدي إلى توتر علاقاتنا مع تل أبيب.
هل ستعلق مصر معاهدة كامب ديفيد؟
إن الغارات الجوية القاتلة التي يشنها الكيان الصهيوني، والتي أدت إلى استشهاد أكثر من 34 ألف فلسطيني في جميع أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك رفح، دفعت السيسي إلى الدعوة إلى وقف الحرب في غزة في اتصالات مختلفة مع رؤساء دول العالم الأشهر الماضية، وحذر الأسبوع الماضي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، من خطورة تصعيد التوتر العسكري في رفح لما له من نتائج كارثية، ولكن يبدو أن "إسرائيل" غافلة عن هذه التحذيرات، ومصر منزعجة من هذه الأحداث، وفي الوقت نفسه، فإن تعليق مصر لمعاهدة السلام بعيد بعض الشيء، لأن السيسي ليس لديه مواقف جادة ودعم كامل للفلسطينيين، وفي الواقع، يشعر السيسي بالقلق من احتمال صعوبة العودة إليها مع تعليق كامب ديفيد، ومن ناحية أخرى، لا ترغب القاهرة كثيرا في التوتر مع تل أبيب، على الرغم من أن مصر أعلنت شفهيا دعمها للفلسطينيين.
الخيار الآخر أمام مصر: الشكوى ضد "إسرائيل"
وبالإضافة إلى تعليق معاهدة كامب ديفيد أو الانسحاب منها، هناك خيارات أخرى متاحة أمام مصر، بما في ذلك دعم شكوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ورفع قضية ضد نتنياهو وحكومة الحرب الإسرائيلية في المحكمة الجنائية الدولية، وإدانة تل أبيب ويمكن لمصر أن تستغل الهجمات الإسرائيلية على رفح لكسب تأييد حلفائها في المنطقة، وفي الوقت الحالي، فإن القلق الأكبر بالنسبة للقاهرة هو أن "إسرائيل" قد تجبر أكثر أو أقل من مليون فلسطيني على دخول سيناء، وإن تدفق أكثر من مليون لاجئ سيجلب عواقب وخيمة على مصر على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي والإنساني، كما سيجعل مصير فلسطين أكثر غموضا.
كما أكد ضياء رشوان، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، أن الحكومة "ترفض أي تحرك قسري أو طوعي لأشقائنا الفلسطينيين من قطاع غزة إلى خارج القطاع، وخاصة إلى الأراضي المصرية"، كما ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن أي غزو للقوات الإسرائيلية للأراضي المصرية قد يدفع المصريين إلى السيطرة على الأمور والدفاع عن أرضهم، وقد يشكل هذا الوضع تحديًا للسياسة الداخلية في مصر ويثير احتجاجات جديدة ضد حكومة السيسي.
وفي العام الماضي، وقعت عدة هجمات فردية على إسرائيليين في مصر، كما أطلق شرطي مصري النار على سائحين إسرائيليين فقتلهما بعد يوم من هجمات حماس في الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول، وفي يونيو/حزيران قتل جندي مصري ثلاثة جنود إسرائيليين بالقرب من الحدود، وهذا ما تخشاه القاهرة، فالهجوم البري على رفح لن يواجه غزة فحسب، بل سيواجه مصر أيضًا بتحديات جديدة حتى في الداخل.