الوقت- في لحظة تعكس تاريخاً مضطرباً وواقعاً مؤلماً، شهدت كنيسة القيامة في القدس يوم "سبت النور"، توترات مؤسفة بين المسيحيين والشرطة الإسرائيلية، هذا اليوم، الذي يأتي بعد "الجمعة العظيمة"، يُعتبر من أهم الأعياد المسيحية حول العالم، حيث يُحتفل بنقل "النور المقدس" من كنيسة القيامة إلى المدن والبلدات الأخرى، ومع ذلك، تم تشويه هذا اليوم بسبب التدابير الأمنية المشددة التي فرضتها قوات الاحتلال في البلدة القديمة وحول كنيسة القيامة، فقد قيّدت تل أبيب وصول آلاف المسيحيين إلى الكنيسة، وحولت المنطقة المحيطة بها إلى ثكنة عسكرية، ونصبت حواجز لمنع وصول المحتفلين، ما أثار تساؤلات كثيرة حول الهدف الإسرائيلي الخطير من تلك الخطط المثيرة للجدل.
اعتداءات على المسيحيين
شهدت اللقطات التي تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي مناوشات واعتداءات من قبل الشرطة الإسرائيلية على المسيحيين، ما أثار استياءً واسعاً في الأوساط المسيحية والفلسطينية، وتصاعدت التوترات هذا العام بسبب قرار الاحتلال تقليص عدد المشاركين في احتفالات سبت النور للعام الثاني على التوالي، ما أثار احتجاجات واسعة النطاق داخل وخارج القدس، وفي هذا السياق، دعت اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين إلى المشاركة الحاشدة في الاحتفالات، رافضة القيود التي فرضتها حكومة الاحتلال.
وفي الوقت الذي أدانت فيه فصائل فلسطينية القيود والاعتداءات على المسيحيين، معتبرة أنها جزء من سياسة التهويد التي تنتهجها "إسرائيل" في القدس، أكدت حركة "الجهاد الإسلامي" على ضرورة التصدي لهذا العدوان، فيما أشارت "الجبهة الشعبيّة" إلى أن ممارسات الاحتلال تأتي ضمن سياسة التمييز والعنصرية ضد المسيحيين، ومن جهته، حذّر رئيس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في الأراضي المقدسة من تصاعد العنف ضد المسيحيين، معتبراً أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة تسهم في تفاقم هذه الأوضاع.
وبينما تزعم تل أبيب أنها ملتزمة بحرية الدين، يشير الوضع إلى تزايد حالات التمييز والاعتداءات ضد المسيحيين في القدس، ما يجعل المنطقة تشهد توترات متزايدة وسط مخاوف من تصاعد العنف في المستقبل القريب، ويجل الصهاينة أن التسامح واحترام الحريات الدينية أساس لبناء مجتمع متعدد الثقافات والمعتقدات، والحكومة الإسرائيلية ستدفع ثمن عدم اتخاذها خطوات فعّالة لحماية حقوق جميع المواطنين والأقليات الدينية في القدس وفي جميع أنحاء فلسطين.
أسباب التعديات الإسرائيليّة
لا شك أنّ قرار شرطة الكيان الصهيوني فرض إجراءات أمنية مشددة وقيود على وصول المسيحيين إلى كنيسة القيامة في القدس خلال احتفالات سبت النور يثير الكثير من التساؤلات حول الغرض وراء هذه الإجراءات، وهناك عدة عوامل قد تفسر هذا الإجراء، ويمكن أن تكون الإجراءات الأمنية التي فرضتها تل أبيب جزءاً من سياسة التحريض في المناطق الساخنة مثل البلدة القديمة في القدس، وتعتبر كنيسة القيامة ومحيطها مناطق حساسة يمكن أن تشهد توترات واضطرابات، لذا قد ترى تل أبيب الحاجة إلى فرض قيود لزيادة أعمال العنف والاحتجاجات.
ويمكن أن تكون هذه الإجراءات جزءاً من سياسة الاحتلال الاستيطانية والدينية في القدس، حيث تسعى سلطات العدو إلى التحكم في الوصول إلى المواقع الدينية غير اليهودية بهدف تعزيز السيطرة الإسرائيلية على المدينة وتعزيز مواقفها في النزاع الديني والسياسي في المنطقة، وهذه الإجراءات تشكل جزءًا من استراتيجية الاحتلال لتعزيز موقفه في المنطقة والتأثير على القرارات السياسية، سواء داخل فلسطين أو على المستوى الدولي، من خلال إظهار السيطرة والقوة في مواجهة المسيحيين وفرض القيود عليهم.
أيضا، تعتبر هذه الإجراءات جزءًا من محاولة لتقويض العلاقات الدينية والثقافية بين المسيحيين والمسلمين واليهود في المنطقة، وبالتالي زعزعة الاستقرار الديني والاجتماعي في القدس وتشجيع التوترات بين الطوائف الدينية، وبصفة عامة، يمكن أن تكون هذه الإجراءات جزءاً من استراتيجية أو سياسة أو محاولة لتحقيق مصالح سياسية أو استراتيجية محددة من قبل "إسرائيل"، والتي قد تتنوع باختلاف السياق والظروف السياسية والاجتماعية في المنطقة.
وتبدو المحاولة الإسرائيلية لتبرير أفعالها ضد الفلسطينيين بأشكالهم المختلفة ضعيفة للغاية، إذ تظهر بوضوح محاولتها لتغيير الحقائق وتشويه الحقيقة، حديث تل أبيب عن الأوضاع المسيحية يتعارض تمامًا مع الحقيقة المعيشية للتستر على الانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون، ويتضح أن البيانات الصادرة عن الحكومة الإسرائيلية لا تعكس الحقيقة الميدانية، حيث تدعي الالتزام بحرية الدين والعبادة لجميع الأديان، في حين يستمر الاحتلال في ارتكاب الانتهاكات بحق الفلسطينيين واستمرار الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، بهدف إلغاء الهوية الفلسطينية وتحقيق المزيد من الهيمنة الإسرائيلية.
وما يثير السخرية هو تصريح الصهاينة عن الالتزام بحرية الدين والعبادة، في حين يتواصل الاحتلال في قمع الفلسطينيين واستمرار انتهاك حقوقهم ونهب أراضيهم، وهو ما يؤكده حتى الصهاينة أنفسهم، وخاصة أن تاريخ الكيان الصهيوني مليء بالانتهاكات والجرائم ضد الشعب الفلسطيني، حيث لم تتغير سياساته وممارساته منذ إنشائه في عام 1948، بل زادت فظاعة وقسوة، وهو ما يظهر بوضوح أن الصهيونية اعتمدت منهج "الإبادة" في سياستها تجاه الفلسطينيين، وهو ما يبرز بوضوح أن الصهيونية ليست إلا مشروعاً استعمارياً إرهابياً متواصلاً ضد الشعب الفلسطيني ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها.
واستنادًا إلى المعلومات السابقة، يظهر بوضوح أن قوات الاحتلال الإسرائيلي لا تميز بين المسلمين والمسيحيين في سياستها القمعية واستهداف المدنيين في القدس، فالاحتلال لا يبالغ في تحديد هوية دينية أو معتقد ديني، بل يستهدف جميع الفلسطينيين على حد سواء بهدف تجريدهم من أراضيهم وحقوقهم، والقدس ليست مجرد مدينة بالنسبة للمسلمين والمسيحيين، بل هي جزء من هويتهم وتراثهم، ولذلك فهم مصرون على الدفاع عنها وعن مقدساتها، وتاريخ الاحتلال الإسرائيلي يشهد على سياسة العدوان والاعتداءات التي استمرت ضد جميع سكان فلسطين، بغض النظر عن ديانتهم أو معتقداتهم الدينية، ومنذ النكبة تعرضت المقدسات الدينية للمسيحيين والمسلمين للتدمير والاعتداءات المتكررة من قبل الاحتلال، ولكن الفلسطينيين والمسيحيين مصرون على البقاء والصمود في وجه هذه السياسة القمعية.
لذلك، يعتبر دعم مسيحيي العالم لفلسطين ولمدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك واجبًا إنسانيًا وأخلاقيًا وحضاريًا، ويجب على القيادة السياسية والفصائل الفلسطينية التوحد ضمن مشروع وطني واحد لمواجهة الصهاينة وجرائمهم وللدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته المشروعة، بمواجهة كل محاولات التهميش والتسلط والقمع التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي.