الوقت- بينما ارتكب النظام الصهيوني مجازر بحق أكثر من 31 ألف مواطن فلسطيني خلال الأشهر الخمسة الماضية، وشرّد مليوني مواطن فلسطيني، فيما دمر عشرات الآلاف من المجمعات السكنية والمستشفيات، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية أنه لن يتم منع القافلة الرياضية الإسرائيلية من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024، وفي إشارة إلى دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2024 في باريس، قال بيير أوليفييه بيكريس فيجنت، رئيس لجنة شؤون التنسيق في اللجنة الأولمبية الدولية: إن مقاطعة "إسرائيل" أمر غير وارد في الوقت الحالي، وقد زعم بوقاحة تحت ضغط السياسات الغربية أن الصراعات الحالية في الشرق الأوسط والحرب العدوانية التي تشنها روسيا على أوكرانيا قضيتان مختلفتان، وأن روسيا واللجنة الأولمبية الروسية لم تحترما الأجزاء الأساسية من الميثاق الأولمبي، لكن هذه النقطة لا تنطبق على اللجنة الأولمبية الفلسطينية واللجنة الأولمبية الإسرائيلية، اللتين تتعايشان بسلام، ما يجسد ازدواجية المعايير بشكل واضح لا لبس فيه أمام الجرائم الإسرائيلية بحق الأبرياء في غزة.
فضيحة ازدواجية المعايير
في أكتوبر الماضي، علقت اللجنة الأولمبية مشاركة روسيا في الألعاب الأولمبية، كما رفضت محكمة التحكيم الرياضية الدولية شكوى واستئناف روسيا في نهاية فبراير من هذا العام، وبناء على هذه الشروط، لا يمكن للرياضيين من روسيا وبيلاروسيا المشاركة في الألعاب الأولمبية في باريس إلا في ظل ظروف معينة وكرياضيين "محايدين"، وتجدر الإشارة إلى أنه سبق وأن طالب عدد من البرلمانيين الفرنسيين بمنع الكيان الصهيوني من المشاركة في أولمبياد باريس 2024، كما طالبت حملة أوروبية تضم 70 ألف توقيع، تطلق على نفسها اسم الحركة الديمقراطية، بإيقاف الرياضة الإسرائيلية فورا عن المشاركة في كل المسابقات الدولية بسبب جريمة الحرب ضد شعب غزة.
وتثير الطريقة التي تتعامل بها اللجنة الأولمبية الدولية مع الدول المشاركة في الألعاب الأولمبية انتباه العالم، حيث يتجه الضوء الآن نحو كيفية تعاملها المرتقب مع الكيان الإسرائيلي في دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024، نتيجةً لجرائم الحرب التي ارتكبها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فالهجمات الإسرائيلية على غزة تطرح تساؤلات تتطلب إجابة من القوى الغربية في مجال الرياضة، وذلك بسبب السؤال الحاسم: "هل يجب معاقبة إسرائيل أو منعها من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في باريس عام 2024؟" هذا السؤال يأتي بعد أن تم طرح مواقف مماثلة بالفعل بشأن روسيا، التي كانت محل جدل مستمر مع اللجنة الأولمبية الدولية، أولاً بسبب قضية المنشطات، ثم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا بين دورتي الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين والألعاب البارالمبية في عام 2022.
وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، قررت اللجنة الأولمبية الدولية منع روسيا وبيلاروسيا من المشاركة في جميع الأحداث الأولمبية وغير الأولمبية الدولية، تشمل هذه القرارات عدم إقامة أي أحداث رياضية دولية في هاتين الدولتين، وعدم رفع الأعلام والأناشيد الوطنية أو الرموز في الأحداث الرياضية الدولية، إضافةً إلى عدم دعوة أي حكومة لهاتين الدولتين لحضور أي حدث رياضي دولي، وتاريخياً، شهدت العديد من الدول فرض العديد من العقوبات لأسباب متنوعة، ما حال دون مشاركتها في الألعاب الأولمبية، مثلاً، خلال فترة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، تم تنظيم المنافسات الرياضية بطريقة منفصلة لكل عرق وطبقة، ما أدى إلى فرض فصل عنصري في جميع الألعاب الرياضية، وشاركت الأندية ذات الصلة للبيض فقط في فريق جنوب إفريقيا في الألعاب الأولمبية وألعاب الكومنولث.
واليوم، بعد جرائم "إسرائيل" في غزة والضفة الغربية، تنشأ حملة لاستبعادها من أولمبياد باريس، مع استمرار الانتهاكات المتكررة من قبل الكيان الصهيوني، ويعتبر إيقاف مشاركة "إسرائيل" في الأولمبياد الفرنسي 2024 وسيلة من وسائل الضغط المحتملة في هذا السياق، ويُمكن اعتبار الكيان الصهيوني مثالًا واضحًا لحكومة تعتمد على الإرهاب وارتكاب جرائم الحرب، وفي حرب غزة، كانت الحقائق مريرة، حيث استشهد فلسطيني كل أربع دقائق، واستشهد في المتوسط 6 أطفال و4 نساء كل ساعة، بإجمال أكثر من 20 ألف شخص في غزة نتيجة للهجمات الإسرائيلية المدمرة، استهدفت قوات الاحتلال الصهيوني 52 مركزًا صحيًا، بما في ذلك 25 مستشفى خارج الخدمة، حجم القصف الذي نفذه الكيان الصهيوني في أسبوع واحد فقط تجاوز حجم القصف على أفغانستان خلال سنوات الاحتلال الأمريكي، وفي الأول 25 يومًا من الحرب، تعادل عدد الشهداء في غزة عدد ضحايا الحرب في أوكرانيا المستمرة منذ عام ونصف.
وتعادل قوة القصف الصهيوني على قطاع غزة ضعف قوة القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما، وتعادل كمية المتفجرات المستخدمة في الهجمات الصهيونية 10 كيلوغرامات لكل فلسطيني يسكن في قطاع غزة، في ثلاثة أسابيع فقط من الحرب، وتجاوز عدد الأطفال الفلسطينيين الشهداء عدد الأطفال الذين قتلوا في جميع أنحاء العالم منذ عام 2019، ويشار إلى أن مجموعة إنساكا-أيرلندا للرياضة والعدالة الاجتماعية أشارت إلى دعوة رئيس اللجنة الأولمبية الدولية إلى الوحدة في الرياضة، حيث تناول خطابه الغزو الروسي لأوكرانيا دون الإشارة إلى الغزو الإسرائيلي لفلسطين، وأفاد كين ماكو، المخطط الثقافي في المجموعة، بأن هناك اقتراحًا من بعض الرياضيين في أيرلندا لمنع مشاركة "إسرائيل" في الألعاب الأولمبية، مستندين إلى ما قامت به اللجنة الأولمبية الدولية بحق روسيا وجنوب أفريقيا في الماضي.
محاولة فاشلة لتجاهل القضية
بالرغم من محاولة اللجنة الأولمبية الدولية تجاهل القضية، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أدان "انتهاكات إسرائيل الواضحة للقانون الإنساني الدولي" في غزة، وطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وقد وثقت منظمة العفو الدولية "الهجمات الإسرائيلية غير القانونية، بما في ذلك الهجمات العشوائية"، واعتبرتها "جرائم حرب" يجب التحقيق فيها، وهذه الأحداث تسببت في حالة من الرعب بين سكان العالم، الذين باتوا ينقلون الفظائع اليومية عبر هواتفهم ويتظاهرون احتجاجًا ضد هذه الجرائم، ولكن يثار السؤال حول ما إذا كانت جرائم الحرب يمكن أن تكون سببًا للإبعاد عن المشاركة في الألعاب الأولمبية.
وحتى الآن، يبدو أن رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، توماس باخ، قد أظهر تقاربًا واضحًا مع الحكام المستبدين، ويبدو أن اللجنة الأولمبية الدولية تتسامح لفترة طويلة مع مجرمي الحرب، وبالنظر بعمق في كيفية تعامل اللجنة الأولمبية الدولية مع روسيا، يوفر ذلك رؤية لما قد يحدث، أو ربما ينبغي أن يحدث، مع دولة الاحتلال، وفي الشهر الماضي، قررت اللجنة الأولمبية الدولية منع اللجنة الأولمبية الروسية من المشاركة في أولمبياد باريس 2024، وهذا يعني أن روسيا لن تكون مؤهلة للحصول على جزء من أموال البث الأولمبي أو أموال الرعاية، ما يحرمها من ملايين الدولارات.
وقد يظل الرياضيون الروس قادرين على المشاركة في باريس، ولكن بوصفهم محايدين، لن يكون لديهم السماح برفع العلم الروسي ولن يتم عزف النشيد الوطني للبلاد أثناء حفل توزيع الميداليات، وقاست اللجنة الأولمبية الدولية قرار حظر اللجنة الأولمبية الروسية استنادًا إلى عاملين رئيسيين: أولاً، إلغاء اللجنة الروسية للهدنة الأولمبية، وثانياً، انتهاك اللجنة الروسية للهدنة الأولمبية عندما استولت على "المنظمات الرياضية الإقليمية التي تخضع لسلطة اللجنة الأولمبية الوطنية لأوكرانيا"، وإن التحديات التي تواجه "إسرائيل" في مجال الرياضة والألعاب الأولمبية تتزايد، وتثير تساؤلات حول احتمال ضم الأراضي الفلسطينية التي تحتوي على منظمات رياضية.
فلسطين لديها لجنة أولمبية وطنية خاصة بها، مقرها في الضفة الغربية، وهي معترف بها من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، وبالتالي، قد تكون اللجنة الأولمبية الدولية على استعداد لتجاهل الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الكيان الصهيوني، ولكن قد لا تكون مستعدة لتجاهل ما تعتبر جرائم ضد الرياضة.
وتاريخيًا، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضم الضفة الغربية، ويُشير محامي حقوق الإنسان الإسرائيلي مايكل سفارد إلى وجود نوع هادئ من الضم البيروقراطي يحدث بالفعل، ومن الممكن أن تؤدي الحرب البرية في غزة إلى إعادة الاحتلال والاستيلاء على الأراضي، ووفقًا لصحيفة واشنطن بوست، يشير العنف الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون إلى سعيهم المطول لإخلاء المناطق الفلسطينية الريفية في الضفة الغربية المحتلة، وأشار ثارور إلى أن تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم يُعتبر شرطًا غير معلن لتحقيق أهداف بعض أقسام اليمين الإسرائيلي المتطرف.
وبمرور الوقت، يمكن أن تزداد التوترات بين اللجنة الأولمبية الدولية وبعض المنظمات والدول، وخاصةً إذا ما قامت تل أبيب بضم الأراضي التي تحتوي على منظمات رياضية فلسطينية، قد يؤدي ذلك إلى مواجهة رياضية وسياسية جديدة تضاف إلى قائمة التحديات التي تواجه "إسرائيل" في المجال الدولي والرياضي، وبناءً على التطورات الدولية والضغوط المتزايدة على الاحتلال الإسرائيلي، فإن مشاركة "إسرائيل" في أولمبياد باريس 2024 باتت موضوعًا للنقاش داخل اللجنة الأولمبية الدولية، ويجب أن تضع اللجنة الأولمبية الدولية في اعتبارها أهمية التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان والوحشية، وعدم استخدام مفهوم "الحياد" كذريعة لتجاهل قضايا الشعب الفلسطيني.
ومع تزايد رفض وجود "إسرائيل" من المشاركة في الأولمبياد، يتساءل العديد عما إذا كان يجب على اللجنة الأولمبية الدولية إبعاد "إسرائيل" من باريس 2024، وخاصةً مع الكم الهائل من الجرائم التي ترتكبها، يجب جعل هذه القضية مطلبًا عالميًا، وينبغي أن يشمل الاستبعاد أيضًا توفير الأرضية لمحاكمة الكيان الإسرائيلي على جرائمه، وبالتالي، أصبحت اللجنة الأولمبية الدولية في ورطة أمام هذا السؤال الحاسم، والاستماع إلى الأصوات التي تطالب بالعدالة واحترام حقوق الإنسان، فمن الضروري أن تتخذ الخطوات اللازمة للتأكد من أن القيم والمبادئ الأولمبية لا تخضع للتضحية في وجه السياسة أو الضغوط الدولية.