الوقت – يشهد البحر الأحمر توتراً جيوسياسياً هذه الأيام، وتستمر عملية أنصار الله البحرية في البحر الأحمر، رغم تشكيل التحالف الأمريكي البريطاني، في تدمير السفن الصهيونية وحلفائها، وفي هذا الصدد واستمراراً للتوتر في باب المندب، أعلنت أنصار الله غرق السفينة البريطانية روبيمار في البحر الأحمر في نفس توقيت الأحوال الجوية والرياح القوية، بعد نحو أسبوعين من تدميرها، ويقال إن هذه السفينة تابعة لشركة بريطانية، وقد غرقت بعد هجوم صاروخي باليستي مضاد للسفن من قبل الجيش اليمني.
وكان الجيش اليمني قد أعلن أنه رداً على الهجمات العدوانية للولايات المتحدة وإنجلترا على اليمن، استهدف ناقلة الصب "روبيمار" في البحر الأحمر بعدة صواريخ بحرية، وقالت القوات المسلحة اليمنية أيضًا إنها حرصت خلال العملية على التأكد من خروج طاقم السفينة بأمان، وكانت هذه السفينة تحمل "آلاف الأطنان من الأسمدة والوقود" ويقع حطامها على بعد نحو 16 ميلا من المياه الساحلية لليمن.
وقد قوبل غرق سفينة الشحن هذه بردود فعل عديدة لأن تسرب آلاف الأطنان من المواد الكيميائية الخطرة أدى الآن إلى زيادة خطر حدوث أزمة بيئية كبيرة في مياه البحر الأحمر، وفي غضون ذلك، يتهم محللون سياسيون أمريكا بتحريض الرأي العام العالمي نتيجة الأزمة البيئية في البحر الأحمر.
وحسب ما نشره محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الأعلى لحركة أنصار الله، فإن الأطراف الغربية تركت دون إجابة عرض سحب واستعادة السفينة (روبيمار) مقابل وصول شاحنات الإغاثة إلى اليمن، وأضاف دون مزيد من التفاصيل إن أنصار الله يحملون بريطانيا مسؤولية كل ما يترتب على مصير السفينة.
أحمد الشوربي، عضو مجموعة أزمات السفن روبيمار، بالإضافة إلى تقديم تفاصيل غرق سفينة الشحن هذه، يقول عن حمولة السفينة: كانت هذه السفينة تحتوي على مئتين وعشرين ألف طن من الأمونيا (الأسمدة)، التي تستخدم عادة في الزراعة وتأتي من الجزيرة العربية، وقد تم نقلها إلى ميناء في بلغاريا، أما الجزء الآخر من الحمولة فهو وقود السفينة، وهو عبارة عن نحو مئتي طن من الديزل الثقيل وثمانين طناً من وقود الديزل، وتظهر الصور الشهرية أن بعض هذه المواد تسربت في الأيام الأولى.
ويتجاهل المجتمع الدولي الكارثة منذ أن بدأت السفينة تسرب مواد خطرة قبل أسبوعين، ما يثير العديد من التساؤلات حول هذا التجاهل للمخاطر البيئية التي تهدد اليمن، وفي هذا الصدد قال الدكتور عبد القادر الخراز، أستاذ التقييم البيئي المشارك بجامعة الحديدة: "إن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لم يفعل شيئاً لسحب أو إزالة المواد الخطرة الموجودة فيه، وهذا هو تأكيد للعمل المشترك لإغراق السفينة".
من ناحية أخرى، أفادت وسائل إعلام يمنية بأن مالكي السفينة الإنجليزية ارتكبوا مخالفات في إعلان الحمولة المنقولة في بوليصة الشحن وذكروا حمولة السفينة على أنها قمح، ويقول الصحفي اليمني رشيد الحداد بصراحة: "إن هذه الكارثة كانت نتاج سياسات الحرب البريطانية الأمريكية، وأضاف: "هذا الوضع لم يكن ليحدث لولا تدخل الولايات المتحدة وإنجلترا في العدوان على شعبنا".
وتابع: هذه السفينة مخصصة لنقل القمح، لكن كيف أصبحت سفينة الحبوب فجأة سفينة تحمل مواد كيميائية وتم نقلها إلى البحر الأحمر ثم تركت وحدها لأكثر من ثلاثة عشر يومًا... ولكن لماذا حتى على السطح فعلت السفن الأمريكية ذلك؟ لم تتدخل لماذا لم تتراجع هذه السفينة بل تركت في البحر وكأنها طُعم لعملية أخرى أو تركت لأغراض أمريكية وبريطانية فيما كانت مراكب الصيد مستهدفة؟الجانب الأمريكي منع أي جهة من الوصول إلى هذه السفينة!.
ويخلص إلى أنه على الرغم من أن السفينة كانت مستهدفة من قبل أنصار الله، إلا أن هذا [الدليل] يعني أن السفينة تم إغراقها عمدا من قبل بريطانيا وأمريكا في محاولة لتحريض الرأي العام ضد أنصار الله، وكذلك التسبب في التلوث البحري، لكن ذلك سيؤدي إلى تصاعد التوتر في البحر الأحمر ولن يمنع أو يوقف صنعاء من عملياتها العسكرية ضد هذه السفن، بل قد يؤدي إلى مزيد من تصعيد التوتر في الأيام المقبلة.
ويمكن الاستنتاج أن هذا الإجراء الأمريكي هو استهداف مباشر وعملية استهداف ممنهجة لخلق أزمة في الكيان البيئي البحري، فضلا عن تعريض مصالح الدول الأخرى المستفيدة من البحر الأحمر للخطر وتعطيل أنشطة الصيادين، ويبدو أن واشنطن، أولا بإعطاء معلومات خاطئة عن الشحنة التي قيل إنها قمح، وثانيا بوضع سفينة تحمل عدة آلاف من الأطنان من الأمونيا في البحر الأحمر، رغم علمها بالتوترات في هذه المنطقة، تقصد لإلحاق الضرر بالمنظمات غير الحكومية والجماعات البيئية، جلب العالم إلى إجماع دولي ضد أنصار الله، بحيث تكون الهجمات المتكررة والعدوانية التي تشنها هي وحليفتها البريطانية على اليمن وراء قناع حماية البيئة.
وقد شهدت سواحل ومياه اليمن هذا الحدث من قبل في عام 2015، مع بدء عدوان التحالف السعودي الإماراتي على اليمن وتصعيد الحصار البحري على صنعاء، حيث توقفت ناقلة النفط صفر، بينما كانت تحمل نحو مليون لتر من النفط الخام، عن العمل من قبل قوات التحالف الدولي المعتدية على سواحل اليمن، وهذا تهديد، وقد تسبب في كارثة بيئية كبيرة، انتهت أخيراً بعد سنوات طويلة في أغسطس 1402هـ بدور الأمم المتحدة في إطلاق النفط من هذه الناقلة.
الغطرسة البريطانية تنتهي من حيث بدأت
مشهد غرق السفينة البريطانية “روبيمار” ليس مشهدا عاديا وليست مجرد سفينة، لكنها الغطرسة تغرق في المكان الذي تشكل منه نفوذها الأول، وامتد لتصبح مملكة لا تغيب عنها الشمس، لا يذكر أحدنا متى كانت آخر مرة تم فيها إغراق سفينة بريطانية بهذه الطريقة قبل روبيمار ولا متى تم قصف سبع سفن بريطانية وإغراق الثامنة في أقل من شهر، على مدى التاريخ الحديث، وفي التاريخ شواهد وعبر، فبريطانيا التي نزلت إلى البحر كقوة تجارية عبر شركة الهند الشرقية الإنجليزية (1600) لم يهدأ بالها حتى تمكنت من السيطرة على الأجزاء الجنوبية من البحر الأحمر وشمال المحيط الهندي، وخاضت لأجل هذه السيطرة حروبا عديدة شرسة مع البرتغاليين والإسبان والهولنديين والفرنسيين والعثمانيين، ومع اليمنيين أيضا.
عندما احتلت فرنسا مصر 1898م أرسلت انجلترا قوة من بومباي لاحتلال جزيرة بريم(ميون)، ثم احتلت سقطرى، واتجهت شمالا لحصار الفرنسيين في ميناء القصير، وهو الحصار الذي انتهى بخروجهم، ورغم أن بريطانيا لم تستقر في مصر بعد جلاء الفرنسيين إلا أنها لم تتنازل عن جنوب البحر الأحمر، فدخلت ميناء عدن والمخا بمعاهدات تجارية أولا مطلع القرن التاسع عشر، وما لبثت أن صنعت الذرائع لفرض الاحتلال الكامل، والتمركز الذي طال لمدة 129 عاما كان فيه خليج عدن هو مركز التجارة البريطانية والنفوذ الإمبراطوري الإنجليزي، ومنه أديرت الحرب العالمية الأولى مع العثمانيين، وتشكلت جمهوريات الموز في الخليج.
يكفي أن تنظر إلى مشهد روبيمار اليوم وهي تغيب في مياه البحر الأحمر وحالة بريطانيا وهي تندب حظها وتعلن أنها تحتفظ بحق الرد، وحالتها أيضا وقد حولت نفسها من دولة هيمنة إلى ناشط في حقوق البيئة يجادلنا هل إغراق السفينة يضر بالبيئة البحرية أم لا، وأن تتذكر في المقابل حين أتى الرجل الإنجليزي بأساطيله لاحتلال عدن بذريعة لا أساس لها هي إغراق اليمنيين لسفينة «داريا دولت» في مياه خليج عدن، تدرك بريطانيا والأمريكيون معها أن يمن اليوم غير يمن الأمس، وأن اليمنيين يفعلون اليوم ويعلنون بفخر ويتوعدون بالمزيد، وهذا ما لم تشهده بريطانيا من قبل، وقد يكون نموذجا مصغرا لما ستشهده مستقبلا إن لم تكف عن حماقتها وغبائها، هكذا يكفر اليمنيون عن ذنوب أجدادهم الذين تساهلوا مع بريطانيا قبل مئتي عام فتحولت بتساهلهم إلى إمبراطورية.