الوقت - أزمة كيان الاحتلال في حربه العدوانية على قطاع غزة باتت مركبة، بين خسائر بشرية واقتصادية، وسياسية من جهة، وفوضى داخل الكيان وخلافات حادة بين قادته، وبين الإسرائيليين وحكومة الاحتلال، ولمّا ازداد ضغط هذه الأزمات، بات الاحتلال متخبطاً في إلقاء اللوم فيما يحصل، فتارةً يتهم الإسرائيليون بعضهم، وتارة أخرى يلقون اللوم على جهات خارجية، ومنها مصر التي جعل الاحتلال لها يداً في أزمته.
الاتهامات
تصدت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية للرد على الأكاذيب الإسرائيلية المتعلقة بالمسؤولية المصرية في عدة مسائل أولها مسألة المساعدات الإنسانية، فقد نفى رئيس الهيئة ضياء رشوان بشكل قاطع "مزاعم وأكاذيب" فريق الدفاع الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية حول مسؤولية مصر في منع دخول المساعدات الإنسانية لغزة، مشيراً إلى أن "المسؤولين الإسرائيليين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الطاقة، قد أكدوا عشرات المرات في تصريحات علنية منذ بدء العدوان على غزة، أنهم لن يسمحوا بدخول المساعدات لقطاع غزة وخاصة الوقود، لأن هذا جزء من الحرب التي تشنها دولتهم على القطاع".
وأضاف رشوان "بعد كل هذه التصريحات، والتي لم تكن تعتبر هذا المنع والحصار جرائم حرب وإبادة جماعية بموجب القانون الدولي، وعندما وجدت دولة الاحتلال نفسها أمام محكمة العدل الدولية متهمة بأدلة موثقة بهذه الجرائم، لجأت إلى إلقاء الاتهامات على مصر في محاولة للهروب من إدانتها المرجحة من جانب المحكمة، مشيراً إلى أنه "من المعروف أن سيادة مصر تمتد فقط على الجانب المصري من معبر رفح، بينما يخضع الجانب الآخر منه في غزة لسلطة الاحتلال الفعلية".
وشهدت الفترة الأخيرة عدة تصريحات لمسؤولين إسرائيليين، لها صلة بالهزيمة التي تلحقها المقاومة الفلسطينية بكيان الاحتلال، على رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، تحمل مزاعم وادعاءات باطلة حول وجود عمليات تهريب للأسلحة والمتفجرات والذخائر ومكوناتها إلى قطاع غزة من الأراضي المصرية بعدة طرق، ومنها أنفاق زعمت هذه التصريحات وجودها بين جانبي الحدود.
الرد المصري
أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية بياناً ترد فيه على الادعاءات والتصريحات التي تصدر من مسؤولي الكيان، قالت فيه: إن دعم وتضامن الشعب المصري الكامل مع القضية الفلسطينية، أمر مؤكد وواقعي دون أدنى شك، ويتماشى مع الموقف الرسمي لمصر من دعم حقوق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الـ 4 من يونيو 1967، لكن هذا التضامن والدعم الشعبي والرسمي للقضية الفلسطينية، لا يتعارض مع تأمين حدودنا ومنع التهريب منها وإليها، وإن دعم القضية الفلسطينية له الكثير من الطرق السياسية التي تأتي بثمارها وصولاً لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، والتي تقوم بها مصر بشكل علني منذ بدء الأزمة الأخيرة، وقبلها طوال الوقت دعما للشعب الفلسطيني الشقيق.
وأضاف البيان إنه “من اللافت والمستغرب أن تتحدث إسرائيل بهذه الطريقة غير الموثقة عن ادعاءات تهريب الأسلحة من مصر لغزة، وهي الدولة المسيطرة عسكريا على القطاع وتملك أحدث وأدق وسائل الاستطلاع والرصد، وقواتها ومستوطناتها وقواتها البحرية تحاصر القطاع صغير المساحة من ثلاثة جوانب، وتكتفي بالاتهامات المرسلة لمصر دون أي دليل عليها، مشيرة إلى أن الجوهر الحقيقي لادعاءات "إسرائيل"، هو تبرير استمرارها في عملية العقاب الجماعي والقتل والتجويع لأكثر من 2 مليون فلسطيني داخل القطاع، وهو ما مارسته طوال 17 عاما.
وقالت الهيئة: إن هذه الادعاءات والأكاذيب هي استمرار لسياسة الهروب للأمام التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية بسبب إخفاقاتها المتوالية في تحقيق أهدافها المعلنة للحرب على غزة، فهي تبحث عن مسؤول خارجها لهذه الإخفاقات، مشيرة إلى أن سياسات الحكومات الإسرائيلية التعسفية المتعاقبة، بالقضاء على أي آفاق للحل السلمي للقضية الفلسطينية، وتشجيع انفصال قطاع غزة تحت قيادة حركة حماس عن السلطة الفلسطينية، بما في هذا غض الطرف عما يصلها من تمويل، والحصار الخانق للقطاع، أدت إلى الأوضاع الحالية التي تزعم "إسرائيل" من وقت لآخر أن مصر هي المسؤولة عنها.
وقالت الهيئة: إن كل دول العالم تعرف جيدا حجم الجهود التي قامت بها مصر في آخر 10 سنوات، لتحقيق الأمن والاستقرار في سيناء وتعزيز الأمن على الحدود بين رفح المصرية وقطاع غزة، حيث كانت مصر نفسها قد عانت كثيرا من هذه الأنفاق خلال المواجهة الشرسة مع المجموعات الإرهابية في سيناء عقب الإطاحة بنظام الإخوان في يونيو 2013 وحتى 2020، فهي كانت تمثل وسيلة لتهريب المقاتلين والأسلحة إلى سيناء لتنفيذ عمليات إرهابية راح ضحيتها أكثر من 3000 شهيد من الجيش والشرطة والمدنيين وأكثر من 13 ألف مصاب.
وتابعت الهيئة: “دفع هذا الوضع الإدارة المصرية لاتخاذ خطوات أوسع للقضاء على هذه الأنفاق بشكل نهائي، فتم عمل منطقة عازلة بطول 5 كيلومترات من مدينة رفح المصرية وحتى الحدود مع غزة، وتم تدمير أكثر من 1500 نفق، كما قامت مصر بتقوية الجدار الحدودي مع القطاع الممتد لـ 14 كيلومترا، عبر تعزيزه بجدار خرساني طوله 6 أمتار فوق الأرض و6 أمتار تحت الأرض، فأصبح هناك ثلاثة حواجز بين سيناء ورفح الفلسطينية، يستحيل معها أي عملية تهريب لا فوق الأرض ولا تحت الأرض، فمصر لديها السيادة الكاملة على أرضها، وتحكم السيطرة بشكل تام على كامل حدودها الشمالية الشرقية، سواء مع قطاع غزة أو مع إسرائيل”.
وأضافت الهيئة: إن أي ادعاء بأن عمليات التهريب تتم عبر الشاحنات التي تحمل المساعدات والبضائع لقطاع غزة من الجانب المصري لمعبر رفح، هو لغو فارغ ومثير للسخرية، لأن أي شاحنة تدخل قطاع غزة من هذا المعبر، يجب أولا أن تمر على معبر كرم أبو سالم، التابع للسلطات الإسرائيلية، التي تقوم بتفتيش جميع الشاحنات التي تدخل إلى القطاع، كذلك، فإن من يتسلم هذه المساعدات هو الهلال الأحمر الفلسطيني والمنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة كالأونروا، وهو ما يضيف دليلا آخر على كذب المزاعم الإسرائيلية".
وقالت إن إمعان "إسرائيل" في تسويق هذه الأكاذيب هو محاولة منها لخلق شرعية لسعيها لاحتلال ممر فيلادلفيا أو ممر صلاح الدين، في قطاع غزة على طول الحدود مع مصر، بالمخالفة للاتفاقيات والبروتوكولات الأمنية الموقعة بينها وبين مصر، مشيرة إلى أنه يجب التأكيد الصارم هنا على أن أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه، سيؤدي إلى تهديد خطير وجدي للعلاقات المصرية الإسرائيلية، وينضم هذا الخط المصري الأحمر إلى سابقه والذي أعلنته مصر مرارا، وهو الرفض القاطع لتهجير أشقائنا الفلسطينيين قسرا أو طوعا إلى سيناء، وهو ما لن تسمح ل"إسرائيل" بتخطيه.
وطالبت الهيئة العامة للاستعلامات حكومة الاحتلال بإجراء تحقيقات جادة داخل قواته وأجهزته وقطاعاته، للبحث عن المتورطين الحقيقيين في تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة من بينهم بهدف التربح، مشيرة إلى أن العديد من الأسلحة الموجودة داخل القطاع حاليا هي نتيجة التهريب من داخل "إسرائيل" مثل بنادق M16 ونوعيات من ال RPG، فضلا عن المواد ثنائية الاستخدام في التصنيع العسكري للأجنحة العسكرية بالقطاع.
وبينت الهيئة أن المعلومات توضح أن معظم عمليات تهريب الأسلحة الثقيلة لقطاع غزة، تتم عبر البحر المتوسط، حيث تسيطر على شواطئه مع غزة بصورة تامة القوات الإسرائيلية البحرية والجوية، ما يشير إلى نفس النوعية من المتورطين في "إسرائيل"، في التهريب بهدف التربح.
وتابع البيان: “تجدر الإشارة إلى ما تتجاهله التصريحات الإسرائيلية، وهو ما كشفت عنه بيانات الجيش الإسرائيلي خلال الحرب الجارية، وخاصة المصورة منها، عن ضبط العديد من ورشات تصنيع الأسلحة والصواريخ والمتفجرات داخل الأنفاق بغزة، ما يعني أن هناك احتمالا كبيرا لأن يكون جزء كبير من تسليح حماس والفصائل الفلسطينية تصنيعا محليا وليس عبر التهريب".
واختتم البيان بالتأكيد أن مثل هذه الادعاءات الكاذبة لا تخدم الجهود المصرية الإيجابية المبذولة لحل الازمة في غزة، ولا معاهدة السلام التي تحترمها مصر، وتطالب الجانب الإسرائيلي بأن يظهر احترامه لها ويتوقف عن إطلاق التصريحات التي من شأنها توتير العلاقات الثنائية في ظل الأوضاع الحالية الملتهبة، وتطالب مصر كل من يتحدث عن عدم قيامها بحماية حدودها أن يتوقف عن هذه الادعاءات، في ظل حقيقة أن لها جيشا قويا قادرا على حماية حدودها بكل كفاءة وانضباط، وستظل مصر تواصل دورها الإيجابي الطبيعي من أجل حل كل مشكلات المنطقة ولن تنجح هذه الادعاءات الكاذبة في إثناء مصر عن القيام بمسؤولياتها الداخلية والإقليمية والدولية.