الوقت - وصل كيان الاحتلال في حربه على غزة مستوى من الإجرام والوحشية غير مسبوق، ومع استمراره في إبادة الفلسطينيين في غزة، يبدو أن هناك حراكاً ما من الضفة الغربية في سبيل التخفيف عن أهل غزة، وهو ما دفع الأجهزة الأمنية في الكيان إلى التحذير من مغبة اندلاع انتفاضة ثالثة في حال لم يتم احتواء حالة الغليان المنتشرة في الضفة.
التحذيرات
ترددت في الفترة الماضية توقعات وتحليلات، قبل حرب كيان الاحتلال على غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بشأن الإعداد لانتفاضة جديدة في الضفة الغربية، وقد سادت هذه التكهنات أوساط إعلام الاحتلال الذي تعامل معها بجدية، وعلى قاعدة أنها خطر وشيك، إذ سلط في كثير من نقاشاته الضوء على التطورات في الضفة على خلفية تحذيرات وجهها عدد من القادة العسكريين والأمنيين في الكيان لرئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو من خطر اندلاع مواجهة هناك، بالإضافة إلى تداعيات عجز الجيش عن تحقيق أهداف الحرب.
هذه التحذيرات جاءت أولاً: بعد التعديات التي يمارسها كيان الاحتلال على الفلسطينيين في الضفة الغربية، والتي اشتدت منذ معركة طوفان الأقصى، إذ باتت قوات الاحتلال تقوم بالعمليات العسكرية بشكل يومي في مختلف مناطق الضفة، حيث تفاقمت الضغوط، وأصبحت الغارات الإسرائيلية على بلدات الضفة الغربية متكررة وأشد عنفا، كما كثف كيان الاحتلال عمليات اعتقال النشطاء الفلسطينيين في الضفة، لمنع تحول المواجهات المحلية إلى "انتفاضة مصغرة"، حسب مصادر أمنية وإعلامية تابعة للكيان.
ومن جهة ثانية كان هناك عدة أسباب أخرى رفعت من حدة التحذيرات بسبب الغضب الشعبي الناجم عن الحصار الاقتصادي، وعدم السماح لآلاف العمال الفلسطينيين بالعمل داخل الأراضي المحتلة، وإصرار وزير المالية في الكيان بتسلئيل سموتريتش، على موقفه الرافض تحويل عائدات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، وتلك الأمور مجتمعة تتسبب بضرر كبير للاقتصاد في الضفة الغربية.
ووفق وسائل إعلام كيان الاحتلال فقد تلخصت التحذيرات بالإشارة إلى أن الضفة الغربية على وشك الانفجار بسبب الصعوبات الاقتصادية، وقد ينتهي الأمر إلى انتفاضة ثالثة.
وصلت التحذيرات إلى المستوى السياسي وحكومة الاحتلال، ومجلس الحرب عبر رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي وشخصيات عسكرية أخرى، حاملة رسائل بضرورة القيام بإجراءات لاحتواء حالة الغليان بالضفة الغربية إذ إن مناطق واسعة فيها تشهد منذ الحرب على غزة تصعيدا متدرجا، وكذلك حذر جهاز الشاباك نتنياهو "من خطر اشتعال الضفة الغربية في وقت قريب جدا"، ووفق وسائل إعلام الكيان فتطورات الوضع في الضفة الغربية قد تنتهي إلى جبهة أخرى سيتعين على "إسرائيل" التعامل معها بقوة كبيرة.
مصدر أمني تابع لكيان الاحتلال يؤكد أن هناك صحوة فلسطينية، و"نتيجة لذلك، اتخذ قرار في المؤسسة الأمنية بمضاعفة النشاط الاستخباراتي والاعتقالات بين أعضاء حماس والنشطاء ضد إسرائيل".
وقد تعرضت وحدة سرية من قوات الاحتلال للرشق بالحجارة من فلسطينيين، بعد أن حاولت اعتقال ناشط يشتبه في انتمائه لحركة الجهاد الإسلامي، واعتقلت الوحدة الناشط، إلا أن العشرات أصيبوا إصابات متنوعة، وأكدت مصادر عسكرية تابعة لكيان الاحتلال أن عملية الاعتقال كانت روتينية، إلا أن الرد الفلسطيني لم يكن كذلك من ذي قبل، و"ما هو استثنائي، الاضطرابات الخطيرة، فأي عملية مماثلة في السابق لم تكن لتجلب اضطرابات من هذا النوع".
وقد ربط جهاز الأمن الداخلي للاحتلال (الشين بيت) في تقريره الشهري ارتفاع نسبة المواجهات في نوفمبر الماضي بالعملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة التي استمرت ثمانية أيام، إذ كان هناك 122 هجوما فلسطينيا ضد إسرائيليين في الضفة الغربية مقارنة بـ 39 في شهر أكتوبر، و 44 حادثا في القدس مقارنة بـ31 في الشهر الذي سبقه.
وأشار ميكي روزنفيلد، المتحدث باسم شرطة كيان الاحتلال، إلى أن الشبان الفلسطينيين شاركوا بشكل كبير في الاضطرابات التي تصفها بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنها "انتفاضة مصغرة".
الجو المتوتر في الضفة
تشهد الضفة الغربية أجواء مشحونة ومتوترة، ومواجهات واشتباكات مسلحة، وعمليات عسكرية شبه يومية، في أنحاء الضفة كافة، بعد أن كانت المقاومة المسلحة في السابق مقتصرة على جنين ومخيمها ومناطق محصورة شمال الضفة، فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مئات الشهداء قتلوا برصاص جيش الاحتلال والمستوطنين، إضافة إلى اعتقال نحو 6 آلاف فلسطيني والتضييق على المعتقلين وسحب كل الامتيازات منهم، ومصادرة حقوقهم.
ومنذ اندلاع الحرب، تُنظم مظاهرات أسبوعية في مدن الضفة الغربية، وترفع شعارات ضد كيان الاحتلال، وتُرفع شعارات أخرى معارضة للسلطة الفلسطينية.
وقد صعد كيان الاحتلال من عملياته وإجراءاته في الضفة، وأغلقها بشكل كامل بعد طوفان الأقصى، وحوّلها إلى معازل بعدما حاصرت قواته المدن والقرى ببوابات حديدية وكتل إسمنتية وحواجز ترابية، وشددت إجراءاتها على الحواجز العسكرية المغلقة طوال الوقت، التي تحوّلت في أغلب الأوقات إلى ممرات مذلة بالنسبة للفلسطينيين المضطرين إلى التنقل بين المدن.
إضافة إلى أن الكيان بات يسلح المستوطنين الإسرائيليين بشكل غير مسبوق، في سياق العمل الانتقامي ضد الفلسطينيين، وهو ما سيجلب ردوداً تزيد من إشعال التوترات في المنطقة.
قصف جيش الاحتلال عبر الطائرات المسيّرة، مرتين في غضون أسبوع واحد، في مخيم جنين وفي مخيم نور شمس في طولكرم، ما يعني 3 عمليات اغتيال عبر الغارات وهو رقم غير مسبوق منذ انتفاضة الأقصى عام 2000.
ويسعى كيان الاحتلال إلى الإبقاء على حالة الاستنفار وحشد القوات المعززة للجيش في الضفة الغربية لمواجهة التنظيمات الفلسطينية المسلحة ومنعها من تنفيذ هجمات على مواقع عسكرية أو مستوطنات إسرائيلية، رغم أن منطق الواقع يقول إن الكيان الإسرائيلي قد لا يسعى للتصعيد مع الضفة في ظل الحرب على القطاع، منعاً لحصول مواجهة شاملة مع الفلسطينيين، في حالة انتفاضة ثالثة، قد تفرض واقعا جديداً على الساحة الفلسطينية.
