الوقت- في صفعة جديدة لتل أبيب، قال غادي آيزنكوت، وزير مجلس الحرب الإسرائيلي، إنه يجب على تل أبيب التوقف عن التضليل الذاتي وبدلاً من ذلك، التفاوض على صفقة تُعيد الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم الفصائل الفلسطينية، وهذا بدلًا من استمرار الصراع في قطاع غزة، ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن آيزنكوت قوله خلال اجتماع للمجلس الوزاري الحربي "علينا أن نتوقف عن الكذب على أنفسنا، وأن نظهر الشجاعة ونسعى لإبرام صفقة كبيرة تُعيد المختطفين إلى أهلهم حيث إن وقت الأسرى ينفد، وكل يوم يمر يضع حياتهم في خطر، لذا لا جدوى من الاستمرار في السير على النهج نفسه الذي يسيرون عليه كأنهم في حالة عميان، وهذا هو الوقت المناسب لاتخاذ قرارات جريئة"، بالتزامن مع الانتقادات الكثيرة لنتنياهو في التسبب بحرب غزة دون تحرير أسير واحد.
الأولوية الإسرائيليّة الخاطئة
غادي آيزنكوت وبيني غانتس، وزير مجلس الحرب ورئيس الأركان، يؤيدان التوصل إلى صفقة لإعادة الأسرى الإسرائيليين حتى على حساب وقف الحرب، في حين يعارض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت هذا الرأي، وإن غانتس وآيزنكوت يعتبران أنه يجب على "إسرائيل" أن تبتكر خيارات جديدة وتعطي الأولوية لعودة الأسرى حتى ولو كان ذلك على حساب استمرار الحرب، مع تحقيق هدف ثانٍ هو محاولة تحقيق تدمير حماس، وبالمقابل، يعتقد نتنياهو وغالانت ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر أن الضغط العسكري فقط سيؤدي إلى التوصل إلى اتفاق، وأنه ينبغي عدم الاتفاق على وقف الأعمال العدائية إلا بعد تحقيق أهداف عسكرية.
وتتزايد الضغوط داخل "إسرائيل" للمطالبة بإعادة الأسرى الذين تحتجزهم فصائل في قطاع غزة، حيث خرج عشرات الآلاف في تل أبيب للمطالبة بالإفراج عنهم، وذلك بمناسبة مرور مئة يوم على أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفي تلك الحادثة، نفذت "حماس" هجومًا على مستوطنات غلاف غزة، أسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي وإصابة حوالي 5431، بالإضافة إلى أسر 239 على الأقل، وتقدر "إسرائيل" عدد الأسرى المتبقين بعد عملية التبادل في قطاع غزة بنحو 137 شخصًا، وفقًا لتقارير إعلامية وتصريحات مسؤولين إسرائيليين، وتربط "حماس" شروطها للتفاوض حول الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها بـ"وقف كامل للحرب على قطاع غزة"، شرط يرفضه الجزار الإسرائيلي، بالإضافة إلى ذلك، أدى اغتيال "إسرائيل" لصالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، و6 من كوادرها في غارة جوية بالضاحية الجنوبية لبيروت في 2 يناير/كانون الثاني، إلى تعقيد المسار المحتمل للمفاوضات.
وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة "جارية وتمر بتحديات، ومع مقتل أحد كبار قادة حركة حماس الفلسطينية (صالح العاروري)، يمكن أن يؤثر عليها، لكننا نستمر في النقاشات مع كل الأطراف للتوصل إلى اتفاق في أقرب وقت ممكن"، وإن مصر وقطر، بجانب الولايات المتحدة، ترعى جهودًا للتوصل إلى هدنة مؤقتة ثانية في قطاع غزة، تم التوصل إلى الهدنة الأولى في نوفمبر الماضي، وأسفرت عن إطلاق سراح 105 محتجزين لدى حماس، بينهم إسرائيليون ومواطنون تايلانديون وفلبيني، بالإضافة إلى أسرى فلسطينيين، ومنذ 7 أكتوبر، يشن الجيش الإسرائيلي حملة عسكرية عنيفة في غزة، أسفرت حتى الآن عن عدد كبير من الضحايا وأضرار جسيمة في البنى التحتية ووضع إنساني صعب.
ومرارا، حذرت كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة "حماس"، عائلات الجنود الإسرائيليين المحتجزين لديها من أن "الوقت يمضي ويتلاشى" على حياة أبنائهم في قطاع غزة، وأشارت الكتائب إلى عدم اكتراث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاه عودتهم، متهمة إياه بـ "قتلهم"، وتأتي هذه التحذيرات في سياق رسالة مصورة نشرها المكتب الإعلامي لـ "القسام" على منصة "تلغرام"، والتي كانت موجهة من أربعة إسرائيليين، بينهم عسكريون، كانوا محتجزين لدى القسام، ويذكر أن الجيش الإسرائيلي اعترف بقتل ثلاثة منهم بـ "الخطأ"، وفي رسالتهم، ناشدوا نتنياهو بوقف الحرب وإعادتهم سالمين إلى منازلهم، وهو نداء جاء في وقت يشهد فيه الغضب ضد حكومة نتنياهو اتساعًا يهدد المجتمع الإسرائيلي.
نتنياهو يهدد حياة الأسرى
يظهر واضحًا أن الإجرام الإسرائيلي والتماطل من حكومة العدو هما السبب الرئيسي والأخير في تهديد حياة الأسرى، وقد أدلى جندي بشهادته، حيث قال: "كل يوم هناك قصف، حتى البيت الذي كنا نتواجد بداخله قصفوه"، وأفادت كتائب عز الدين القسام في مقطع الفيديو بأن الأسرى لوحوا بالعلم الأبيض وصرخوا للجنود: "مخطوفين، مخطوفين"، لكنهم قتلوهم بدم بارد، واتهمت القسام رئيس الوزراء نتنياهو وحكومته بالعنصرية والتطرف، مؤكدة أنهم قتلوا الأسرى، وفي رسالتها لأهالي المحتجزين، أشارت القسام إلى أن "كرسي قيادة الحكومة مهم لنتنياهو أكثر من عودة أبنائكم"، وختمت رسالتها بتحذير، مؤكدة أن "الوقت يمضي ويتلاشى"، وقد نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، مقطع فيديو يظهر الأسير الإسرائيلي بيباس، الذي فقد زوجته وأطفاله في غارة إسرائيلية.
ودون شك، تأتي رسائل "القسام" المتكررة في إطار حملة نفسية تهدف إلى تحريض الرأي العام وعائلات الأسرى ضد الحكومة والجيش الإسرائيليين، ويستخدم الجناح العسكري لحركة "حماس" هذه الرسائل كجزء من استراتيجيتهم المهمة لتحقيق الهدنة، وفي هذا السياق، تظهر حماس منفتحة على كل المبادرات وتسعى لوقف العدوان على شعب غزة، ويشيرون إلى أن الاحتلال لن يتمكن من إخراج أسراه أحياء قبل وقف العدوان ودفع الثمن، ومنذ ديسمبر الماضي، تركز وسائل الإعلام الإسرائيلية على وجود محادثات غير مباشرة بين "إسرائيل" وحماس، برعاية مصر وقطر، بهدف العمل على إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة.
وإن الرسالة التي وجهتها كتائب القسام بالأمس أيضا، لأهالي الجنود الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة تُظهر بوضوح عمق التأثير النفسي المرتبط بالموقف، وأن لها صدى كبيراً في المجتمع الإسرائيلي، وهذه الرسالة ستكون أقسى وأكثر إيلامًا على ذوي الجنود المحتجزين من مشاهد تدمير الآليات التي يظهرها الجيش الإسرائيلي، كما يتعمق الفيديو في النفسية الشخصية لرئيس الوزراء نتنياهو، مشيرًا إلى أنه يفضل الهروب إلى الأمام بسبب مشكلاته الخاصة، وأنه يضع مصالحه الشخصية فوق كل اعتبار، وبالنظر إلى التأثير المحتمل للرسالة في المجتمع الإسرائيلي، يُظهر الواقع عدم اهتمام نتنياهو بحياة الجنود المحتجزين، ويرتبط ذلك بتحميله للآخرين تجربة مأساة مقتل شقيقه يوناتان في عام 1976، ويعكس هذا النوع من الرسائل تشدد حماس في استراتيجيتها الإعلامية والنفسية القوية للتأثير في الرأي العام الإسرائيلي.
وتبدو الإستراتيجية الجديدة التي يعتمدها جيش الاحتلال الإسرائيلي بتجزئة المجزأ كتغييرٍ استراتيجيٍ في إدارة المعركة، هذه الاستراتيجية تتضمن تغييرًا في التركيز على مناطق محددة وتوسيع نطاق الهجمات في عدة اتجاهات، وتظهر مرتبطة بنمط "القضم المتدرج"، حيث يتم التقدم بخطوات تدريجية في الميدان، مع توفير دعم جوي، وهذا التغيير في الإستراتيجية يُظهر استفادة من تجارب استخدام نمط "القضم المتدرج" في مناطق أخرى، مثل سوريا والعراق، ويُظهر أيضًا استمرار تأثير مقاومة غزة في إحداث خسائر كبيرة للجيش الإسرائيلي.
النتيجة، إن إخفاقات الكيان الصهيوني وحكومة الحرب أصبحت الآن فاضحة لدرجة أن وزير يعبر عن اشمئزازه منه، ولا شك أن تل أبيب ستتحرك نحو الاتفاق رغماً عنها، ولن تقوم قائمة لنتياهو بعد حرب غزة بكل تشعباتها، وسيفهم الإسرائيليون بعد تجاربهم أنه أكبر عقبة في طريقهم، وتظهر المعلومات أن الأحداث والفيديوهات التي يقدمها الجانب الفلسطيني، وخاصةً الفصائل المقاومة، تلقى تفاعلًا كبيرًا من قبل الجمهور الإسرائيلي، وإن مشاهد الجنود الإسرائيليين المحتجزين وتصريحاتهم يُمكن أن تقلب الرأي العام بمجمله وتشكل عاملًا مهمًا في تشكيل الرأي الإسرائيلي كما تريد المقاومة بشأن الحرب في قطاع غزة، ومن الواضح أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا كبيرًا في نقل هذه الرسائل وتأثيرها، حيث يمكن للمعلومات والفيديوهات التي يتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن تصل إلى الجماهير بسرعة ودون تصفية من خلال وسائل الإعلام التقليدية، وهذا يمكن أن يتسبب في تأزم الوضع السياسي والعسكري في "إسرائيل" بأضعاف.