الوقت- يشهد شمال الضفة الغربية، وعلى وجه الخصوص بلدة قباطية الواقعة جنوب جنين، تصعيدًا خطيرًا وغير مسبوق في اعتداءات قوات الاحتلال التابعة للكيان الإسرائيلي، وذلك في أعقاب العملية الفدائية التي نُفذت يوم الجمعة في منطقتي بيسان والعفولة داخل أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، وأسفرت – وفق ما أقرّت به مصادر عبرية – عن مقتل مستوطنين اثنين وإصابة عدد آخر بجروح.
ومنذ ساعات صباح الجمعة، تعيش قباطية حالة حصار خانق، حيث اقتحمت قوات الاحتلال البلدة بأعداد كبيرة مدعومة بآليات عسكرية ثقيلة وجرافات، إلى جانب إسناد جوي، في مشهد أعاد إلى الأذهان عمليات العقاب الجماعي التي ينتهجها الكيان الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، وخصوصًا في المناطق التي يخرج منها منفذو العمليات المقاومة.
حصار شامل ومنع للتجوال
وأكدت إذاعة جيش الاحتلال أن قوات الكيان الإسرائيلي فرضت طوقًا أمنيًا كاملًا على قباطية، وأعلنت منعًا للتجوال، مع إغلاق جميع مداخل البلدة ومنع الدخول والخروج منها، وبحسب الإذاعة العبرية، فإن الجيش يستعد لتنفيذ “المرحلة التمهيدية” لتفجير منزل منفذ العملية في بيسان، في إطار سياسة هدم المنازل التي يواصل الاحتلال تطبيقها رغم إدانتها الدولية الواسعة.
من جانبه، صرّح وزير حرب الكيان الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، بأن الجيش سيواصل عملياته “بلا هوادة” في قباطية ومخيمات شمال الضفة الغربية، مشددًا على أن الحصار ومنع التجوال جزء من خطة أوسع تستهدف “إعادة السيطرة الأمنية”، على حد تعبيره.
اعتقالات واسعة وتدمير للبنية التحتية
مصادر فلسطينية محلية أفادت بأن قوات الاحتلال واصلت، منذ فجر السبت، اقتحام أحياء البلدة، وداهمت عشرات المنازل، حيث أجرت تحقيقات ميدانية مع السكان، واعتقلت العشرات منهم، بينهم شبان وكبار في السن، قبل نقلهم إلى جهات مجهولة.
وفي تصريح لشبكة الجزيرة، وصف رئيس بلدية قباطية الوضع في المدينة بـ”الكارثي”، مؤكدًا أن قوات الاحتلال لم تكتفِ بالاعتقالات، بل عمدت إلى تخريب واسع للبنية التحتية، شمل تدمير شبكات المياه والصرف الصحي، وقطع الكهرباء عن عدة أحياء، ما فاقم معاناة السكان المحاصرين.
وأضاف رئيس البلدية أن قوات الكيان الإسرائيلي حولت إحدى مدارس البلدة إلى ثكنة عسكرية ومركز احتجاز وتحقيق، في انتهاك صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية التي تحظر استخدام المرافق المدنية لأغراض عسكرية.
استهداف عائلة منفذ العملية
وأعلن جيش الاحتلال أن منفذ عملية بيسان هو الشاب أحمد أبو الرب، من بلدة قباطية، وعلى إثر ذلك، اقتحمت القوات الإسرائيلية منزل عائلته، واعتقلت والده، وأجبرت أفراد الأسرة على إخلاء المنزل، تمهيدًا لهدمه.
وتندرج هذه الخطوة ضمن سياسة “العقاب الجماعي” التي ينتهجها الكيان الإسرائيلي بحق عائلات المقاومين، رغم اعتبارها جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف، لكونها تعاقب أفرادًا لم يرتكبوا أي ذنب سوى صلتهم العائلية بالمنفذ.
اقتحامات متزامنة في عموم الضفة الغربية
لم تقتصر اعتداءات قوات الاحتلال على قباطية، بل شنت، فجر السبت، حملة اقتحامات واسعة طالت مناطق مختلفة من الضفة الغربية المحتلة، فقد داهمت القوات قرية المغير شمال شرق رام الله، وأطلقت قنابل الإنارة في سماء المنطقة، بالتزامن مع انتشار مكثف للجنود في الشوارع.
كما اقتحمت قوات الاحتلال محافظة طوباس، وداهمت بلدة عقابا، فيما شهدت مدينة نابلس اقتحام مخيمي عسكر والعين، حيث استخدمت قوات الاحتلال القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع. كذلك طالت الاقتحامات بلدة عناتا شمال شرق القدس المحتلة، وقرية بلعين غرب رام الله، حيث أُصيب عدد من المواطنين بالاختناق جراء استنشاق الغاز.
وفي جنوب الضفة، اقتحمت قوات الاحتلال بلدات إذنا ودورا وسعير في محافظة الخليل، مستخدمة الرصاص الحي وقنابل الصوت، بينما شهدت مناطق في طوباس وبيتا هجمات متزامنة من المستوطنين بحماية الجيش الإسرائيلي.
تصاعد اعتداءات المستوطنين
بالتوازي مع العمليات العسكرية، صعّد المستوطنون اعتداءاتهم بحق الفلسطينيين، حيث أفادت وكالة “وفا” بإصابة طفلة رضيعة (ثمانية أشهر) بجروح في الرأس والوجه، إثر هجوم للمستوطنين على بلدة سعير شمال شرق الخليل، كما ألحقت الاعتداءات أضرارًا جسيمة بمنازل المواطنين وممتلكاتهم.
وفي حادثة أخرى، هاجم مستوطنون بلدة دير دبوان شمال رام الله، واعتدوا بالضرب على السكان، ودمروا ممتلكاتهم، إضافة إلى سرقة نحو 150 رأسًا من الأغنام، في ظل حماية مباشرة من قوات الاحتلال.
حرب على الأرض والإنسان
وتشير معطيات وزارة الزراعة الفلسطينية إلى أن جيش الاحتلال والمستوطنين قاموا، خلال أسبوع واحد فقط، بقطع وتدمير أكثر من 8 آلاف شجرة، معظمها من أشجار الزيتون، في مختلف مناطق الضفة الغربية، ما ألحق خسائر مادية تُقدّر بنحو 7 ملايين دولار.
وأكدت الوزارة أن هذه الاعتداءات تأتي في سياق سياسة ممنهجة تستهدف القطاع الزراعي الفلسطيني، بهدف تجريد الفلسطينيين من مصادر رزقهم، ودفعهم إلى ترك أراضيهم، تمهيدًا لتوسيع الاستيطان.
أرقام صادمة منذ بدء حرب غزة
ومنذ بدء حرب الإبادة التي يشنها الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة، شهدت الضفة الغربية والقدس المحتلة تصعيدًا غير مسبوق، وحسب إحصاءات رسمية فلسطينية، استشهد أكثر من 1103 فلسطينيين، وأُصيب نحو 11 ألفًا بجروح، فيما تجاوز عدد المعتقلين 21 ألفًا، في حملات اعتقال واعتداءات يومية.
كما وثّقت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان 621 اعتداء نفذها المستوطنون خلال شهر نوفمبر الماضي فقط، استهدفت الفلسطينيين وأراضيهم وممتلكاتهم، في مؤشر واضح على تصاعد العنف المنظم ضد السكان الأصليين.
عقاب جماعي وصمت دولي
يرى مراقبون أن ما يجري في قباطية وباقي مدن الضفة الغربية يعكس سياسة ثابتة لدى الكيان الإسرائيلي تقوم على العقاب الجماعي، وتوسيع دائرة القمع، في محاولة لردع المقاومة الفلسطينية، ولا سيما بعد اتساع رقعة العمليات الفدائية منذ اندلاع حرب غزة.
ورغم خطورة هذه الانتهاكات، لا يزال المجتمع الدولي يلتزم الصمت، مكتفيًا ببيانات “القلق”، في وقت يواصل فيه الاحتلال فرض وقائع جديدة على الأرض بالقوة العسكرية، مستفيدًا من غياب أي مساءلة حقيقية.
وفي ظل هذا الواقع، تبقى قباطية نموذجًا حيًا لمعاناة مدن وبلدات الضفة الغربية، التي تدفع ثمنًا باهظًا لسياسات الاحتلال، وسط استمرار المواجهة المفتوحة بين الشعب الفلسطيني والكيان الإسرائيلي، في معركة تتجاوز الجغرافيا لتلامس جوهر الصراع على الأرض والوجود.
