الوقت- بريت ماكغورك، منسق الأمن القومي الأمريكي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يعمل حاليًا على اقتراح لإعادة بناء قطاع غزة، مقترنًا باتفاقية بين "إسرائيل" والسعودية، فيما أفادت مصادر في الإدارة الأمريكية لموقع "هبنغتوند بوست" بأن ماكغورك قدم اقتراحًا جديدًا يربط بين إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب واستئناف عملية التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، والتي توقفت في 7 أكتوبر، ووفقًا لما ذكره ماكغورك، ستكون الخطة حافزًا لعمليات إعادة الإعمار في القطاع، والتي ستشمل مشاركة السعودية ودول خليجية أخرى، ومع ذلك، أعربت مصادر في الإدارة عن قلقها من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى عدم استقرار في المنطقة، في ظل الجرائم التي وصفت بـ "الإبادية" لجيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
رد على مأساة غزة
في الأسابيع الأخيرة، قدم بريت ماكغورك الخطة أمام المنتديات الأمنية، حيث قدم تصوّرًا زمنيًا يمتد لنحو 90 يومًا، يستند إلى توقعاته حول ما قد يحدث في قطاع غزة بعد انتهاء النزاع، وادعى المسؤول الأمريكي أن تحقيق "استقرار" في المناطق المتضررة جراء الحرب يكون ممكنًا، بشرط أن تشرع الولايات المتحدة و"إسرائيل" والمملكة العربية السعودية، إلى جانب المؤسسات الفلسطينية، في جهد دبلوماسي لتحقيق اتفاقية تطبيع، ومع ذلك، أشار موظف أمريكي مطلع إلى أن "الخطة تفوت النقطة الأساسية"، حيث يقصد أن التوقعات الفلسطينية لتحقيق دولتها تُهمل مرة أخرى، ووفقًا للخطة، يعتزم الرئيس بايدن زيارة المنطقة في الأشهر القادمة في إطار "جولة نصر" لاحتضان اتفاق التطبيع بين "إسرائيل" والسعودية كرد على مأساة غزة.
وستُعَدُّ خطة ماكغورك حافزًا من السعودية لدعم عمليات إعادة الإعمار، وقد تشمل هذه المساعدة دولًا أخرى غنية في الخليج، مثل قطر والإمارات العربية المتحدة، بهدف فرض ضغط على الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن المتوقع أن يتفق الزعماء الفلسطينيون على تشكيل حكومة جديدة، سواء في القطاع أو الضفة الغربية، ما يقلل من الانتقادات تجاه "إسرائيل"، بينما توافق "إسرائيل" على منح السلطة نفوذًا محدودًا في القطاع، وفي الوقت نفسه، قدم وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بعض عناصر الخطة لمسؤولين فلسطينيين لكنهم رفضوها.
وفي هذا السياق، قدمت وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي،اي،ايه" ل"إسرائيل" معلومات حول مسؤولي حماس ومكان المختطفين في القطاع، ووفقًا للأخبار المعتمدة على مصادر أمريكية، بعد الهجوم في 7 أكتوبر، أمر مستشار الأمن القومي جاك سوليفان "سي،اي،ايه" ووزارة الدفاع بتشكيل قوة مهمة خاصة لجمع المعلومات الاستخبارية حول مسؤولي حماس، وأفادت المصادر الأمريكية بأن هذه القوة نجحت في الكشف عن معلومات حول كبار الزعماء، لكن ليس واضحاً كم كانت المعلومات ذات قيمة بالنسبة للاحتلال، لأن أيًا من الزعماء الكبار لم يتم القبض عليهم أو استشهدوا، وفيما يتعلق بتصفية نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري في بيروت في وقت مبكر من هذا الشهر، أشارت المصادر إلى أن الولايات المتحدة لم توفر معلومات تتعلق بالهجوم، وأن هذا الإفصاح يستند إلى معلومات إسرائيلية فقط.
وتدعي تقارير وجود مهمة إضافية تتمتع بأفضلية عالية بالنسبة لقوة المهمة، وهي البحث عن مكان المختطفين وجمع المعلومات حول حالتهم الجسدية والنفسية، ويشار إلى أن مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي،اي،ايه"، وليم برنس، يعمل جنبًا إلى جنب مع رئيس الموساد دافيد برنيع في المفاوضات لتحرير المخطوفين، مع وجود قوات أمريكية للعمليات الخاصة قامت بالتدريب في "إسرائيل" قبل هجوم 7 أكتوبر، وظلت في فلسطين المحتلة للمشاركة في معالجة قضية المخطوفين، كما أن وزارة العدل الأمريكية والمباحث الفيدرالية قد زادت من وتيرة التحقيقات حول الأمريكيين المشبوهين الذين يشتبه في تحويلهم أموالًا لمصلحة حركة المقاومة حماس.
ومن الجدير بالذكر أن الحرب بين حماس و"إسرائيل" بدأت منذ يوم السبت 14 تشرين الأول/أكتوبر، حيث تستمر الهجمات الإسرائيلية على غزة، ويقدر مكتب المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن مئات الآلاف من سكان غزة اضطروا إلى الفرار من منازلهم، وشهد العالم عشرات آلاف الضحايا والجرحى من الأبرياء، وقامت "إسرائيل" بقطع إمدادات الكهرباء والمياه عن غزة، وأغلقت طريق تزويدها بالوقود، ويظل قطاع غزة الذي يسكنه نحو مليوني نسمة يعاني من حصار كامل.
محادثات متوقفة
قبل مدة، زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الرياض، وأعلنت السعودية بوضوح أنها ستوقف محادثات تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، وأكدت وسائل الإعلام السعودية حينها أن المملكة ليست على عجلة في أمرها في تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" بمبادرة أمريكية خاصة في ظل الإجرام الإسرائيلي المفرط بحق الفلسطينيين، وقبل الحرب الإسرائيلية على غزة، فالسعودية تعتبر أن عمليات التفاوض ستستغرق وقتًا طويلاً حتى يتم التوصل إلى نقاط التقاء بين الأطراف المشاركة، وأوضحت أن عملية التفاوض من أجل إقامة علاقات مع تل أبيب ستمر بمراحل متعددة، مع وجود مسار آخر يهدف إلى إعداد الأرضية المناسبة لضمان أن أي اتفاق محتمل يكون مبنيًا على أسس واضحة وشفافة.
ويأتي الموقف السعودي نتيجة للجرائم التي يرتكبها الاحتلال في غزة، وقد زعم البيت الأبيض في وقت سابق أن استمرار المفاوضات تهدف إلى تطبيع العلاقات بين الكيان الإسرائيلي والمملكة العربية السعودية، وفي الوقت الذي كانت تشير فيه بيانات مسؤولين سعوديين وإسرائيليين إلى اقتراب اتفاق التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، يوجد تأكيد على أن جرائم العدو في غزة وعوائق سياسية وأمنية ودبلوماسية لا تزال تعترض هذه الخطوة التاريخية في منطقة الشرق الأوسط، وقد أكد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" قبل بدء حرب الكيان على غزة أن المحادثات تتقدم يوماً بعد يوم نحو تحقيق نتائج قد تعيد ترتيب الأوضاع في المنطقة، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أن "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية أصبحتا على أعتاب "سلام تاريخي".
ومع ذلك، قلبت جرائم الكيان في غزة الموازين، فقبل الحرب الإجرامية للكيان على قطاع غزة، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يتطلع إلى التوصل إلى اتفاق قبل انتخابات الرئاسة القادمة، ووفقًا لمسؤولين مطلعين على المحادثات، وأكد جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، أن الجانبين قاما بوضع هيكلية أساسية تمهيدًا للتقدم في الاتجاه المنشود، وأشار إلى أنه تم التوصل إلى إطار أساسي يمكن أن يكون أساسًا لاتفاق مستقبلي، ولكنه لم يقدم تفاصيل إضافية حول هذه الهيكلية أو الاتفاق المحتمل، ومع ذلك، قد تغيرت تلك التطورات الآن بسبب جرائم العدو في غزة.
وقد استمرت التصريحات التحفيزية من البيت الأبيض لفترة طويلة، حيث تحدثت عن تقدم يتم تحقيقه في عمليات التفاوض بين الكيان والمملكة العربية السعودية، وعن جهود مستمرة لتطوير إطار أساسي لأي اتفاق مستقبلي بين الطرفين، وقد قدمت معلومات تشير إلى أن السعودية تسعى إلى التوصل إلى اتفاق عسكري مع الولايات المتحدة يلزمها بالدفاع عن المملكة، وبالمقابل، تنوي السعودية النظر في تطبيع العلاقات مع تل أبيب، والآن كل ما جرى الحديث عنه يعتبر من الماضي.
وحتى قبل الهجوم الإرهابي الإسرائيلي على غزة، لم تعلن السعودية شروطًا رسمية ومفصلة للتطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومع ذلك، هناك بعض التوجهات والتكهنات التي قد تسلط الضوء على الشروط المحتملة، وتاريخيًا، ألقت السعودية باللوم على الكيان الإسرائيلي لعدم حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعدم تحقيق حقوق الفلسطينيين، وأكدت على ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل بين الجانبين قبل أي تطبيع، ومع ذلك، تشير بعض التقارير إلى أن هناك بعض التغيرات في الموقف السعودي في السنوات الأخيرة.
ومن المحتمل أن تشمل شروط السعودية المحتملة ضرورة إنشاء دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967، مع القدس الشرقية كعاصمة لها، وقد يكون السلام العادل والشامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو شرط رئيسي للتطبيع، ويمكن أيضًا أن تشمل الشروط المحتملة مساعدة دولية لإعمار قطاع غزة وتحسين وضع اللاجئين الفلسطينيين، ويجب مراقبة المستجدات والإعلانات الرسمية من السعودية و"إسرائيل" لمعرفة الشروط النهائية لأي اتفاق تطبيع محتمل بينهما، وتصر السعودية على ضرورة التوصل إلى حل عادل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين، وتعويضهم وفقًا للقرارات الدولية ذات الصلة، وتشترط السعودية وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وسحب المستوطنين الإسرائيليين من تلك المناطق، وتشدد السعودية على ضرورة تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وتوفير ضمانات أمنية لكل الأطراف المعنية.
السعودية قد تطلب تقدمًا في العلاقات مع دول عربية أخرى وتعزيز التعاون الإقليمي في مجالات متعددة قبل الاعتراف الكامل بكيان الاحتلال، مع توفير ضمانات أمنية للأطراف المعنية، وتأكيد الحاجة إلى تحقيق الأمان والاستقرار في المنطقة، وقد تتطلب السعودية تعزيز العلاقات مع دول عربية أخرى كجزء من عملية التطبيع، وإن التصريحات والتوترات المتباينة التي تظهر في المشهد السياسي حول عملية التطبيع المحتملة بين السعودية و"إسرائيل" تعكس تحديات كبيرة وصعوبات في التوصل إلى اتفاق، بعد الحرب الوحشية على غزة، تزداد التحديات بشكل غير متوقع.
في الختام، إنّ التطبيع مهم جداً لأمريكا والكيان لدرجة أنهما على استعداد للمجيء عبر هذا المعبر المهم والوقوف على دماء الشعب الفلسطيني والذهاب نحو التطبيع بهذه العروض، لكن الأحداث الإرهابية الحالية للكيان في غزة، قد تؤثر على مرونة الجهود للتوصل إلى اتفاق، وإن الأحداث الأخيرة والمواقف بين الجانبين تجعل التوصل إلى اتفاق شامل أمرًا صعبًا، وخاصةً بعد الأحداث الدامية في غزة.