الوقت- إن الخدمة العسكرية الإلزامية في الأرض المحتلة هي وسيلة لإدامة الجريمة واستخدام القوة ضد شعب مظلوم ومهجّر، وجنود هذا الكيان لا يرون فترة في حماية حدودهم وأرضهم، لكنهم يرون فترة للغزو والاستيلاء على أرض قديمة مع القتل، لعلهم يخلقون لأنفسهم أرضاً مغتصبة، وترسل بعض الدول الرجال الذين يصلون إلى سن معينة إلى الخدمة العسكرية؛ لكن في فلسطين المحتلة، جعلت "إسرائيل" الخدمة العسكرية إلزامية للنساء أيضًا، إلا أن بعض المستحقين لهذه الخدمة من حيث العمر يتم إعفاؤهم من الخدمة لأسباب مختلفة مثل كونهم متزوجين أو لديهم أمراض جسدية أو عقلية أو معتقدات دينية.
وبموجب القانون العسكري المطبق في الكيان الصهيوني، يجب على الأولاد بعد سن 18 عامًا الذهاب إلى الخدمة العسكرية الإجبارية لمدة 32 شهرًا على الأقل؛ وتتمتع الفتيات أيضًا بالخدمة العسكرية الإجبارية لمدة عامين بعد بلوغهن سن 18 عامًا، ويظل جميع هؤلاء الجنود في قوات الاحتياط حتى سن 45 عامًا بعد انتهاء الخدمة العسكرية الإلزامية.
الهروب من الخدمة العسكرية باللجوء للدراسة!
وعلى الرغم من التصور العام بأن معظم المواطنين الإسرائيليين مجندون، فإن حوالي 50% فقط من المجندين المحتملين يخدمون فعليًا في الجيش، وحسب مشروع القانون المنشور على الموقع الإلكتروني لبرلمان هذا الكيان، فإن "كل الذين يتفرغون لدراسة التوراة (الحريديم) هم مثل الذين يؤدون الخدمة الوطنية لإسرائيل"، إلا أن تعليم التوراة في جميع المدارس "هو نفسه"، "إنها قيمة أساسية من قيم الشعب اليهودي، وحقوق وواجبات الشخص الذي كرس نفسه لدراسة التوراة لفترة طويلة تساوي حقوق أولئك الذين يؤدون خدمة مهمة للدولة."
الحريديم هم مجموعة من المجتمع الإسرائيلي تؤمن بشدة بالشريعة اليهودية والتلمود وتريد تشكيل حكومة على أساس العرق والدين اليهودي، وبالنسبة للحريديم، الذين يشكلون 10% من سكان "إسرائيل"، تفرض عليهم الخدمة العسكرية أسلوب حياة يتعارض بشدة مع قيمهم ومعتقداتهم الأخلاقية، كما أن العرب الذين يعيشون في الأراضي المحتلة الخاضعة لإدارة "إسرائيل" لا يتم إدخالهم إلى الخدمة العسكرية لأسباب أمنية.
ويصف المؤرخون المنتقدون ل"إسرائيل" الأراضي المحتلة بأنها "جيش له حكومة"، في حين يرى ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لهذا الكيان، أن "الأمة كلها جيش"، ومن كلمات الشباب الإسرائيلي يمكننا أن نفهم مدى صحة اعتقاد بن غوريون، ويقولون الجيش في كل مكان في الشارع، بين الأصدقاء والعائلات، في المدرسة، في المسيرات والأماكن التي تحمل أسماء المحاربين القدامى، وفي بعض الأحيان يذهب الطلاب إلى قاعدة عسكرية مع المدرسة، وهو أمر ممتع بالنسبة لهم، بحيث يطلقون النار أيضًا؛ ويزحفون على الأرض ويقومون بعمل الجيش، وهذا يعني أن الجيش مهم في هذا الكيان، وهو يبذل قصارى جهده لزيادة عدد الجنود؛ لأن الوجود الدائم للعسكريين في كل مكان من هذه الأرض المحتلة ضروري للصهاينة.
لماذا تذهب إلى الجيش؟
السبب وراء هروب بعض الشباب من الجيش هو تجنب العنف، إنهم يعتقدون أنه لا يوجد شيء اسمه جندي جيد، لا يوجد شيء اسمه "احتلال أخلاقي" ولا عبارة "التغيير من الداخل" التي يؤمن بها كثير من الجنود، لا شيء يساعد إلا الامتناع عن الخدمة العسكرية، ويقول الشباب الذين لا يحبون الذهاب إلى الجيش إن الجهل بحقائق الاحتلال هو السبب الرئيسي لحماسة من يذهبون إلى الجيش.
أثناء دراستهم، يتساءل الطلاب الإسرائيليون لماذا يجب أن نذهب إلى الجيش؟ وفي سن الرابعة عشرة، يبدأ برنامج عسكري يسمى "جادنا" (كتائب الشباب) في إعداد الأطفال للخدمة العسكرية. ويتساءل طلاب المدارس الثانوية الذين لا يوافقون على الالتحاق بالجيش: إذا سجلنا في الجيش، ماذا سنخدم ومن سنخدم؟ ما هو الواقع الذي نخلقه من خلال الخدمة في الجيش؟ نريد السلام والسلام الحقيقي يتطلب العدالة، وتتطلب العدالة إجراء إصلاحات على شكل إنهاء الاحتلال، وإنهاء الحصار المفروض على غزة، والاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
جزء آخر من الصعوبات التي تواجه حضور الدورة العسكرية هو الظروف القاسية لهذه الدورة، ويخضع الجنود الإسرائيليون لأشد الدورات التدريبية العسكرية كثافة على يد مدربين أمريكيين، ويجب على كل جندي إسرائيلي أن يخضع لتدريب عسكري أو أن يكون حارساً من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل، إنهم في حالة تأهب وليس لديهم راحة البال خلال الفترة العسكرية بأكملها، ومن ناحية أخرى، لديهم إجازات محدودة، وقد يكون من المثير للاهتمام معرفة أن 45% من الجيش الصهيوني ليس من "إسرائيل" نفسها، بل يأتي إلى "إسرائيل" من دول أخرى، ولذلك ليس لديهم أهل يزورونهم في الإجازة وعليهم أن يخدموا سنتين وثمانية أشهر كاملة (للرجال) وسنتين (للنساء).
وقد دفع الصراع الحالي في الأراضي المحتلة "إسرائيل" إلى استدعاء أكثر من ثلاثة بالمئة من إجمالي سكانها لتعزيز قواتها الدفاعية، ومع تصاعد الصراع مع حماس، استدعت "إسرائيل" 350 ألف جندي من قوات الاحتياط لمساعدة قوات الدفاع في البلاد، والتي، بالنظر إلى القوات العسكرية العاملة التي يبلغ عددها 150 ألف جندي، ركزت 500 ألف جندي على هذا الصراع.
فمن ناحية، تفقد "إسرائيل" عدداً كبيراً من جنودها كل عام بسبب غزو الأراضي الفلسطينية والتعدي عليها، ومن ناحية أخرى، فإن عدم رغبة الشباب ومشاركتهم في الحرب ترك "إسرائيل" تعاني من نقص في الجنود، ما يعوض هذا النقص جزئيا، وفي أوقات الأزمات يعوض باستدعاء أو الاستعانة بقوات دول أخرى مثل أمريكا وأستراليا وأوكرانيا وغيرها.
استخدام الجثث هو وسيلة للتعويض عن نقص الجنود
ومن أجل التعويض جزئيًا عن هذا النقص في الجنود، قضت "إسرائيل" في إحدى المحاكم بأنه يمكن لعائلة الجندي القتيل استخدام حيواناته المنوية لتلقيح امرأة لم تقابله من قبل، جزء كبير من جنود "إسرائيل" يتبرعون بحيواناتهم المنوية قبل كل حرب لاستخدامها في حالة قتلهم، وهم يعتقدون أن هذه ثورة إنسانية ولم يكن أحد يعتقد أن الإنسان يمكن أن يستمر في الحياة بعد موته وهذا شيء عظيم بالنسبة للإنسانية، هناك اتجاه غريب يتشكل في "إسرائيل"، وتأمل عائلات الجنود القتلى أن يستقر جيلهم بهذه الطريقة، حيث تخبر الحكومة الإسرائيلية هذه العائلات أنه يجب على الجندي خدمة بلدك وفقًا للقانون.
على الرغم من الميزانية التي تبلغ عدة مئات من مليارات الدولارات التي خططها نظام القدس المحتل لجيشه من أجل استقطاب المزيد من الجنود مع العديد من المرافق وزيادة قوته العسكرية، إلا أن جنوده يتناقصون يوما بعد يوم، من بين إجمالي 241,000 شاب إسرائيلي في عام 2050 سيبلغون 18 عامًا ويدخلون سن الخدمة العسكرية الإلزامية، 99,200 فقط سيؤدون الخدمة العسكرية؛ كما سيؤدي 15 ألفاً و300 شخص خدمتهم العسكرية خارج الجيش على شكل أوامر؛ في المقابل، سيرفض 126 ألف شخص الخدمة العسكرية، 57% منهم من الشباب الحريديم، و35% من الشباب الفلسطيني الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، ونحو 8% من اليهود غير الحريديم، ويحاول هذا الكيان بكل قوته ضمان بقائه، لكن مصداقيته أمام العالم ومواطنيه تتضاءل يوما بعد يوم، وسرعان ما تتجلى الطبيعة السرية لهذا الكيان.