الوقت- شكلت عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر ضربة زلزلت كيان الاحتلال، وأصابته بحالة من الاضطراب انعكست في تطرفه بسلوكه الإجرامي سعياً وراء أهداف لطالما كانت هاجساً للكيان، إضافة إلى أهداف فرضها الواقع الجديد الذي صدمت به حماس الإسرائيليين.
الأهداف الإسرائيلية من العدوان على غزة
يعتقد جزء كبير من الإسرائيليين أن تحرير المحتجزين يجب أن يكون على رأس أولويات الحكومة، وأن أي تأخير في إعادتهم يعد بمثابة فشل كبير، فضلاً عن المطالبة بالقضاء على حركة حماس.
جيش كيان الاحتلال وعد الإسرائيليين بالقضاء على حركة حماس، وإعادة جميع المحتجزين، وإعادة بناء جميع المستوطنات الحدودية المدمرة وإزالة التهديد الأمني عنها، كما وضعت حكومة الاحتلال مجموعة أهداف تسعى لتحقيقها في حربها العدوانية على غزة، وهي القضاء على حركة حماس وإنهاء حكمها لقطاع غزة، وتدمير البنية التحتية للفصائل الفلسطينية، وتحرير الرهائن الإسرائيليين، وتهجير سكّان غزة إلى سيناء.
وقد أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أنه "سوف يسحق حماس ويدمرها"، في حين قال المتحدث باسمه: إنه يمكن إنهاء الحرب في غزة "بشرط تسليم قادة حركة حماس أنفسهم للجيش الإسرائيلي، وإعادة الأسرى من غزة".
وكذلك يسعى كيان الاحتلال لتحقيق مجموعة أهداف ذات أثر رجعي على المستوى الإسرائيلي الداخلي، وهي إعادة الثقة بالأمن والاستقرار، والإيمان بأن "إسرائيل" لا تزال وجهة مستقطبة للاستيطان اليهودي، إذ إن يوسي كلاين هليفي، من “معهد شالوم هارتمان”، يرى أن "إسرائيل" قد أصبحت أخطر دولة في العالم بالنسبة لليهود”، وهو الأمر الذي سيمهد لزوال الكيان فيما لو لم تتم معالجته.
فقادة الكيان يرون أن عليهم استعادة الأمن القومي من خلال إعادة الردع الاستراتيجي الذي تآكل بشدة في 7 أكتوبر، والأمن المادي الملموس في الجنوب، واستعادة شعور الإسرائيليين بالأمن والثقة في القيادة السياسية والمؤسسة الأمنية.
ولا يقتصر ذلك على استعادة “قوة الردع”، وإنما إعادة فرضها بشكل ملموس باعتبارها من أهم الدعائم لكيان الاحتلال للاحتفاظ بمكانته المهيمنة في الشرق الأوسط.
الواقع وضياع الأهداف
نشرت صحيفة هآرتس التابعة لكيان الاحتلال، تحليلا جاء فيه أنه لا توجد مؤشرات على أن حركة حماس قريبة من الانهيار، ولا تزال مقاومة الحركة شرسة في بعض المناطق، إذ توقع المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هارئيل في التحليل، أن الحرب الإسرائيلية على غزة ستنتهي دون تحقيق أهدافها، وأن هزيمة حركة حماس غير ممكنة حاليا، وسط استمرار تكبد جيش الاحتلال لخسائر خلال عمليته البرية بالقطاع، مؤكداً أنه يُنشر يومياً صور لقتلى الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، ومعظمهم من جنود الاحتياط.
وتدرك حكومة كيان الاحتلال صعوبة الوضع ورداءة المآل الإسرائيلي، لذا تصرح على الدوام أن العملية ستكون طويلة وصعبة، وأنه من السابق لأوانه تقييم النتائج، إضافة إلى أن رئيس وزراء الاحتلال وحكومته المتشددة لا يرغبون في إقرار وقف إطلاق النار بغزة، لأن ذلك لا يتفق مع مصالحهم، بل على العكس، يرغبون بإطالة الحرب لتحقيق مكاسب سياسية ولا سيما مع تأزم حالتهم السياسية في الكيان، ولكن قد لا يتسنى لهم ذلك، لأن الضغوط الدولية تتزايد مطالبة بتعليق القتال مؤقتا، أو وقف كلي لإطلاق النار.
فبعد ثلاثة أشهر على بدء العدوان حماس لا تزال تشنّ ضرباتها، ولم يتم تحرير الأسرى إلا في ضوء هدنة الأيام السبعة، ولا يزال هناك محتجزون بقبضة حماس، ولم يتم تدمير الأنفاق نتيجة اتباع الحركة السِّرية الشديدة بشأنها، والكثافة السكانية داخل القطاع، والركام الضخم للقصف الإسرائيلي الذي يعيق تحرّك قوات الاحتلال على الأرض.
إن كيان الاحتلال يدرك تماماً أن حماس لديها قاعدة اجتماعية كبيرة بين سكان القطاع، ويؤكد تسفي يحزكيلي، مراسل القناة 13 التابعة للاحتلال، والمقرب من الزمرة العسكرية الأمنية الإسرائيلية، أن المؤسسة العسكرية ترى أن “حماس” ليست مجرد “مجموعة من الملثمين” الذين يمكن اغتيالهم، وإنما هي تنظيم له امتداد جماهيري واسع ليس فقط في غزة، وإنما في الضفة الغربية، والداخل الإسرائيلي، ودول الجوار، ودول أخرى في العالم.
وبالتالي، يعمل كيان الاحتلال على تدمير حياة سكان القطاع لحثّهم على طرد “حماس” من تلقاء أنفسهم، لكن هذا أيضاً سيتطلب من الكيان حرباً طويلة الأمد، وغزواً برياً مكلفاً قد لا يكون قادراً على تحمله، إضافة إلى تصدع صورة الكيان في العالم، وتقليص التفاف العالم الغربي حوله في عدوانه على القطاع، إذ بلغ عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي المتواصل لليوم /92/ على القطاع /22722/ شهيدا و/85166/ جريحا بينهم 10 آلاف طفل و7 آلاف امرأة و7 آلاف مفقود جلهم من الأطفال.
لكن النتائج حتى الآن لم تكن كما أرادها كيان الاحتلال، وأبرزها انقسام الرَّأي العام في الداخل الإسرائيلي بعد إخفاق الكيان في تحقيق أهدافه ضمن زمن منطقي، إضافة إلى إفشال الدبلوماسية المصرية والأردنية لهدف تهجير سكان غزة، من خلال وقوفها موقفاً حازما تجاه التهجير لما لذلك من ارتدادات على الداخل المصري والأردني.
إن قتل بعض قيادات الجهازين السياسي والعسكري لحماس، لم يكن ليعني أبدا القضاء على الحركة، أو إضعافها، فما زالت تشنّ هجمات قوية باتجاه كيان الاحتلال.
وقد تسبب توسيع دائرة القتال مؤخرا في زيادة الضغوط الدولية والإقليمية على كيان الاحتلال لوضع مخطط زمني قصير المدى للحرب، وسط تخبط حكومة الاحتلال واضطرابها مع زيادة الانقسامات في الداخل الإسرائيلي، إذ أفاد مسؤولون أمريكيون، بأن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قال لمسؤولين في حكومة الاحتلال، إن إدارة بايدن تعتقد أن الصراع يجب أن ينتهي خلال أسابيع لا أشهر، كما نقل موقع "بوليتيكو" عن 3 مسؤولين من الكيان قولهم إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أمهلت "إسرائيل" حتى نهاية العام لإنهاء حربها في غزة.
وترجع تلك الضغوط الأمريكية على كيان الاحتلال إلى تصاعد الغضب الشعبي في الداخل الأمريكي نتيجة الدعم المطلق للحكومة الإسرائيلية منذ بداية حربها على قطاع غزة.
إن الواقع على الأرض يدل بوضوح على أن كيان الاحتلال سيفشل فشلا ذريعا في حربه على غزة، فأهدافه منها لم ولن تتحقق، ولا سيما مع صمود مقاتلي حماس، وتصديهم للإسرائيليين، واستهدافهم، وإصابتهم إصابات بالغة الأثر.