الوقت- وقعت إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، منتصف الأسبوع الماضي، على اتفاقية التجارة الحرة التي طال انتظارها، وكان توقيع هذه الاتفاقية الحدث الأكبر في هذه الجولة من اجتماع المجلس الاقتصادي الأعلى لأوراسيا في سان بطرسبرج.
وتم اتخاذ الخطوة الأولى لاندماج إيران في السوق المشتركة للاتحاد الاقتصادي الأوراسي في 17 مايو 2018، بتوقيع اتفاقية مؤقتة لإنشاء منطقة تجارة حرة بين الجانبين، ودخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ في 27 أكتوبر2019، وخلال هذه الفترة، شهدت التجارة بين إيران وأعضاء هذه المنظمة نموًا سنويًا، بحيث وفقًا للإحصاءات الجمركية لجمهورية إيران الإسلامية، وصل حجم التجارة بين إيران والدول الأعضاء في أوراسيا إلى رقم قياسي قدره 4.2 مليارات دولار هذا العام.
الآن، مع الانتهاء من هذه الاتفاقية (بعد الموافقة عليها في برلمانات الدول الأعضاء)، من المتوقع أن يتم تسريع عملية التبادلات الاقتصادية والتجارية وربط السوق الإيرانية بدول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بشكل أسرع، هذه الطريقة تسمح لها بمضاعفة حجم التجارة مع إيران ثلاث مرات، والذي من المتوقع أن يرتفع من المستوى الحالي إلى 18-20 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة.
وتشكل المعادن غير الحديدية ومنتجات النفط والغاز والسلع والآلات الخشبية ومنتجات النسيج والفواكه والخضروات حاليًا الحصة الأكبر من سلة التجارة بين الطرفين، ويقول السياسيون الروس إن إبرام هذا الاتفاق أمر منطقي بالنظر إلى الضغوط الناجمة عن موجة العقوبات غير المسبوقة التي فرضها الغرب على موسكو.
وفي هذا الصدد، قال رئيس وزراء روسيا الاتحادية، أليكسي أورشوك، عقب مراسم توقيع الاتفاقية: "هذه فرص جيدة للغاية لتنمية وتحسين اقتصاد الدول الخمس"، لقد وقعنا على اتفاقية التجارة الحرة التي تعتبر استمرارًا منطقيًا لجهودنا الكبيرة في السنوات القليلة الماضية منذ توقيع اتفاقية التجارة الحرة المؤقتة، وخلال هذه الفترة، زادت التجارة بين الدول الأوراسية وجمهورية إيران الإسلامية ثلاث مرات، لقد توصلنا إلى تفاهم متبادل بأننا وصلنا إلى مستوى يتطلب اتفاقاً كاملاً لفتح أسواق دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الخمس وجمهورية إيران الإسلامية، لقد فعلنا ذلك اليوم، وتستطيع جمهورية إيران الإسلامية الوصول إلى السوق التي تضم 190 مليون شخص، وقد اكتسبت الدول الأعضاء الخمس إمكانية تصدير السلع إلى سوق تضم حوالي 86 إلى 87 مليون شخص.
كما قال مكسيم تشيريشيف، عضو مجلس الأعمال العام الروسي ورئيس مجلس إدارة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي: إن اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الأوراسية وإيران ستفيد روسيا لأن البضائع الروسية تمثل في المتوسط 70% من تجارة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي مع دول ثالثة، ووفقا له، فإن السوق الإيرانية "كبيرة جدا، وعلى عكس الأسواق الأخرى، فإن الشركات من الدول الأجنبية الأخرى لديها تمثيل ضعيف، ونتيجة لذلك، فإن ذلك يقلل من مستوى المنافسة للشركات الروسية".
كما ترى ناتاليا نيكونوروفا، عضو مجلس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأعلى لروسيا الاتحادية أنه: "على الرغم من أن إيران تخضع للعقوبات منذ ما يقرب من 45 عاما، إلا أن لديها ما تقدمه، حيث تم تطوير جميع القطاعات الاقتصادية في البلاد تقريبًا بشكل صحيح... إيران هي واحدة من أكبر منتجي الغاز [في العالم] وواحدة من الدول الرائدة في إنتاج النفط. وصناعتها الثقيلة فعالة للغاية، ويمكن للسيارات المصنوعة في إيران أن تخلق لنفسها مكانة قوية في السوق الروسية، ويمكن أيضا إطلاق المشاريع المشتركة، كما أن هذا البلد لديه قطاع متطور للغاية في إنتاج الأدوية."
بالنسبة لموسكو، التي تعاني من قيود تجارية، تمثل إيران بديلا يسهل الوصول إلى أسواق الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، تهتم روسيا بمشاريع طويلة الأمد مع إيران، لأن الأراضي الإيرانية يمكن أن تساعد أذربيجان على تسهيل الوصول إلى جمهورية ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي دون المرور عبر نقاط التفتيش الأرمينية، ولذلك، فإن السكك الحديدية والطرق السريعة قيد الإنشاء عبر منطقة ناختشيفان القوقازية، ستوفر إمكانية الاتصال بممر النقل بين الشمال والجنوب في المستقبل القريب.
ومن ناحية أخرى، تسعى إيران أيضًا إلى الحصول على العديد من المزايا القصيرة والطويلة الأجل من هذا الاتفاق، وبينما يسعى الغرب إلى ممارسة الضغوط على صادرات النفط الإيرانية من خلال العقوبات، فإن اكتساب أسواق جديدة للسلع غير النفطية يشكل ضرورة حيوية وفرصة عظيمة لإيران لإحباط سياسات العقوبات الغربية، وهو الهدف الذي من المؤكد أن الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي سوف يسهله، فإيران، على سبيل المثال، سيكون لديها خط سكة حديد يصل إلى روسيا عبر الاتحاد الأوراسي.
مؤشرات الأداء الاقتصادي للاتحاد الأوراسي
وتبين نظرة على الإحصائيات أن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي لعب دورًا مهمًا في تعزيز التجارة بين الأعضاء والنمو الاقتصادي وتسهيل التجارة مع القوى الاقتصادية الدولية.
ووفقا لبوتين في الاجتماع الأخير في سان بطرسبرج، في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، زادت التجارة بين الدول الأوراسية الخمس بنسبة 8.9 في المئة، وفي السنوات التي تلت إنشاءها (2014)، تضاعفت التجارة بين الدول الأعضاء في أوراسيا تقريبا، وارتفع ناتجها المحلي الإجمالي مجتمعة من 1.6 تريليون دولار إلى 2.5 تريليون دولار.
وقال: من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 3.5% بنهاية عام 2023، وسيرتفع هذا الرقم في دول الاتحاد الأوراسي الأخرى أيضًا.
وحسب وكالة تاس الروسية للأنباء، فإن التجارة بين الدول الخمس الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (أرمينيا، بيلاروسيا، كازاخستان، قيرغيزستان، روسيا) نمت بنسبة 87% منذ عام 2014، بينما زادت التجارة مع دول ثالثة بنسبة 59%، وفي الوقت نفسه هناك ثلاث دول أخرى تتمتع بوضع مراقب لعضوية الاتحاد: مولدوفا وأوزبكستان وكوبا.
ويعد حجم وديناميكيات التجارة بين أعضاء الاتحاد والشركاء الأجانب الآخرين مؤشرات اقتصادية مهمة في تقييم أداء هذه المنظمة المنشأة حديثًا.
ووصل حجم التجارة الخارجية للدول الأعضاء في أوراسيا مع الدول الأجنبية إلى مستوى قياسي بلغ 844.2 مليار دولار في عام 2021، بزيادة 35.1% عن عام 2020، كما ارتفعت صادرات السلع في هذا الاتحاد لتصل إلى 525.7 مليار دولار بنسبة زيادة 44.1%، كما ارتفعت الواردات بنسبة 22.6% إلى 318.5 مليار دولار، وحسب البيانات الرسمية للجنة الاقتصادية الأوراسية، حقق الاتحاد فائضا في التجارة الخارجية قدره 207.2 مليار دولار، مقارنة بـ 105 مليارات دولار في 2020، وفي عام 2021، مقارنة بعام 2020، زادت الصادرات من بيلاروسيا بنسبة 47.8%، ومن روسيا بنسبة 47%، ومن كازاخستان بنسبة 25.8%.
وفي عام 2021، أصبحت أوروبا المشتري الرئيسي للسلع التي تصدرها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوراسين وبلغت حصة الصادرات إلى هذه الدول 42.2%. وتم تصدير 24.7% من إجمالي البضائع إلى الدول الآسيوية، منها 15.1% تم تصديرها إلى الصين و3.6% إلى كوريا الجنوبية، كما بلغت الصادرات إلى الولايات المتحدة 3.6 بالمئة فقط.
السوق الأوراسية آخذة في التوسع
إلا أن فرض العقوبات الغربية على روسيا، باعتبارها أهم عضو في الاتحاد، وما ترتب على ذلك من انخفاض في تجارة هذه المجموعة مع الدول الأوروبية، لم يتسبب في معاناة هذه المجموعة من قيود خطيرة في توسيع صادراتها إلى الأسواق الخارجية، بل على العكس من ذلك اتجهت نحو تطوير الشراكات الخارجية.
وفي هذا الصدد، أعلنت وسائل الإعلام الروسية مؤخرًا أن الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي على استعداد لبدء المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة (FTA) التي تهدف إلى تعزيز صادرات الهند إلى المنطقة، وخاصة في مجال الهندسة والإلكترونيات والسلع الزراعية.
خلال الأسبوع الماضي، ناقش وزير الخارجية الهندي جايشانكار ونائب رئيس الوزراء الروسي دينيس مانتوروف تعزيز تفاعل الهند مع الشرق الأقصى الروسي في اجتماع في موسكو، وشددا على خططهما بشأن مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة.
بدأت المحادثات حول اتفاقية التجارة الحرة بين الهند والاتحاد الأوراسي في أوائل عام 2020 لكنها تأخرت بسبب جائحة كوفيد-19. وقال وزير خارجية الهند عن ذلك: "إن العلاقات بين نيودلهي وموسكو مستقرة وقوية للغاية وتقوم على التقارب الاستراتيجي والمصالح الجيوسياسية".
ولكن بالإضافة إلى القوى الشرقية الناشئة، وضع الاتحاد الأوراسي أيضًا توسيع التفاعلات التجارية مع الشرق الأوسط والدول العربية على جدول الأعمال، وبالتالي، بعد إبرام اتفاقية مهمة جدًا مع إيران، كجسر للوصول إلى الشرق الأوسط. والخليج الفارسي والأسواق العربية وأفريقيا، كما أعلنت موسكو بدء مفاوضات مماثلة مع مصر للتوصل إلى اتفاق تفضيلي.
ووفقا لبوتين، يتم وضع اللمسات النهائية على هذه الوثيقة والمفاوضات جارية مع الدول الأخرى، وقال بوتين: في الوقت الحالي، يتم التفاوض على اتفاقيات مهمة مع الدول التي تتمتع بإمكانات اقتصادية كبيرة، ومصر أحد شركائنا الرئيسيين في العالم العربي والقارة الأفريقية.
الاتحاد الأوراسي والصين ومشروع الحزام والطريق
عند تحليل آفاق تنمية التعاون الاقتصادي الأوراسي، لا يمكن تجاهل تفاعله مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، وقد تمت مناقشة هذه القضية بجدية منذ عام 2014 بسبب تدهور علاقات موسكو مع الدول الغربية، ركزت روسيا على تطوير علاقاتها الاقتصادية مع الدول الآسيوية، والأهم مع الصين، التي أصبحت الآن أقرب حليف لروسيا في العديد من مجالات النشاط - من الاستثمار المشترك في مشاريع تطوير الهيدروكربوني في سيبيريا والشرق الأقصى إلى إنشاء مشاريع نقل بحري جديدة على طول طريق بحر الشمال في القطب الشمالي، ومن الواضح أن التعاون بين الصين وروسيا يجب أن تكون له بعض التأثيرات على التعاون بين مبادرة الحزام والطريق الصينية والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
وفي مايو 2015، اقترح فلاديمير بوتين مواءمة مشروع الحزام والطريق مع التكامل الاقتصادي لمجمع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومن ثم وقعت روسيا والصين اتفاقية خاصة لتنفيذ هذا الاقتراح.
وبناء على هذه الاتفاقية، قررت الصين والاتحاد الاقتصادي الأوراسي العمل في مشاريع البنية التحتية وتسهيل التجارة الثنائية، ومن المثير للاهتمام أن الوثيقة تم توقيعها من بوتين نفسه، وليس من ممثل رئيس الاتحاد الأوراسي، ما يشير بشكل مباشر إلى اهتمام الكرملين بتطوير مثل هذا التعاون.
ثم تم تطوير الفكرة وإدراجها بالتعاون مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، وفي هذا الصدد، قدم بوتين عام 2016، في اجتماع منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، اقتراحًا آخر لربط الاتحاد الأوراسي بالأسواق الخارجية تحت عنوان "الشراكة الأوراسية الكبرى"، والذي يضم الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والصين والهند وباكستان وإيران ورابطة الدول المستقلة (CIS).