الوقت- بالتزامن مع الهجمات الوحشية على قطاع غزة، زاد رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، من لهجته العدوانية ضد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهو الإجراء الذي يظهر أن الهدف هو فتح مواجهة شاملة ضد الشعب الفلسطيني، خدمة لأهداف الحكومة اليمينية الأكثر تطرفا في تاريخ النظام الصهيوني والتي تهدف إلى تدمير القضية الفلسطينية.
وقال نتنياهو، الثلاثاء، في اجتماع لجنة العلاقات الخارجية والأمن في الكنيست، إنه يستعد لاحتمال الحرب مع السلطة الفلسطينية، وتعهد بمنع تسليم إدارة غزة لهذه المنظمة، وشبه نتنياهو "اتفاقات أوسلو" بعملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وزعم أن هذه المأساة أدت إلى سقوط ضحايا إسرائيليين في معركة طوفان الأقصى.
وأثارت هذه التصريحات ردود فعل حادة من مسؤولي السلطة الفلسطينية، حيث كتب حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عبر منصة "إكس": "تصريحات نتنياهو تثبت أن حربه هي ضد الفلسطينيين كافة"، ونقول لنتنياهو إن أوسلو مات تحت دباباته التي تهاجم كل مدننا وقرانا ومخيماتنا من جنين إلى رفح، وردا على تصريحات نتنياهو، قال نبيل بوردينة المتحدث باسم السلطة الفلسطينية، إن هذه التصريحات "توضح بوضوح نواياه المخططة مسبقا ووجود قرار إسرائيلي ببدء حرب في الضفة الغربية".
وردا على تصريحات نتنياهو، قالت حركة حماس إن هذه الكلمات تثبت أن نظام الاحتلال لا يعير أي اهتمام للحلول السياسية المزعومة، ويحاول تثبيت احتلاله، وخاصة في القدس والمسجد الأقصى. وطالبت حماس منظمات الحكم الذاتي والمؤسسات التابعة لها بالتخلي عن اتفاق "أوسلو" الذي لم يلتزم به العدو الصهيوني أبدا، ووقف التنسيق الأمني مع المحتلين، والتوجه نحو المقاومة الشاملة ضد الصهاينة.
انعكست تصريحات نتنياهو ووزرائه المتطرفين في حكومته ضد منظمات الحكم الذاتي على المشهد السياسي منذ بدء الغزو الغاشم لقطاع غزة، وقامت قوات الاحتلال بقتل وجرح المئات من الأشخاص واعتقال الآلاف من الأشخاص بشكل متكرر، من خلال الهجمات على الضفة الغربية، وإن تصريحات نتنياهو بشأن غزة والضفة الغربية هي نتيجة فشل حكومته وعجزها أمام فصائل المقاومة، وهو يحاول إقناع الرأي العام الداخلي الذي سئم سياسات الحكومة بأنها حققت العديد من الإنجازات ضد حماس والفلسطينيين.
نتنياهو الذي قال قبل عملية طوفان الأقصى إن عليهم تعزيز السلطة الفلسطينية، غير موقفه الآن ويسعى إلى قطع أي دور مستقبلي للسلطة الفلسطينية في غزة من خلال تصعيد التوترات، وخاصة أن الولايات المتحدة تعمل على اتفاق يقضي بتسليم إدارة غزة لمنظمات الحكم الذاتي، لكن نتنياهو يعارض هذه الخطة بشدة، الهدف الأساسي من تصعيد نتنياهو للتوترات ضد السلطة الفلسطينية هو التنسيق الكامل مع أجندة حكومة اليمين المتطرف التي تسعى إلى حل كامل للقضية الفلسطينية، وهي خطة لا يوجد فيها فلسطينيون ويجب أن تكون الأرض الفلسطينية قد أصبحت صهيونية بالكامل.
وحقيقة أن نتنياهو يصف اتفاق أوسلو بالكارثة على الصهاينة يظهر أن حكومته تريد إلغاء الاتفاق، ووضع أجزاء الضفة الغربية الثلاثة التي تم الاتفاق عليها في أوسلو تحت السيطرة الكاملة ل"إسرائيل"، وإخراج الدائرة الأمنية "أ" من أيدي السلطة الفلسطينية.
نتنياهو أوضح الحقائق للسلطة الفلسطينية
وكانت تصريحات نتنياهو بشأن الهجوم على منظمات الحكم الذاتي بمثابة تحذير لمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية من أن تفاؤلهم بتسليم النظام الصهيوني غزة لإدارته بعد احتلال غزة ليس أكثر من سراب، ولأن نتنياهو زعم مرارا وتكرارا أنه في اليوم التالي لتدمير حماس، لن يسمح بعودة غزة في أيدي الفلسطينيين، حتى لأيدي السلطة الفلسطينية، ويشعر رئيس الوزير الإسرائيلي بالغضب لأن عباس لم يدين عملية حماس واتهمها بالتعاون مع المقاومة.
ورغم تصاعد التوتر على المستوى الميداني والسياسي ووضع نتنياهو سيناريو الحرب على الطاولة، إلا أن السلطة الفلسطينية لم تعلق التعاون الأمني والاستخباراتي مع تل أبيب، ولم تتخذ ردا سلبيا على جرائم الاحتلال في غزة. لذلك، فقد تأكد الآن لمسؤولي المؤسسة أن حرب إسرائيل هي ضد كل الفلسطينيين، وبالنسبة للمحتلين لا فرق بين حماس والسلطة.
ولذلك، لو لم تلتزم منظمات الحكم الذاتي الصمت أمام عدوان تل أبيب على غزة وأبدت رد فعل قوياً، أو تركت أيدي فصائل المقاومة في الضفة الغربية حرة للتحرك ضد المستوطنين، لكان من الممكن أن تكون قادرة على توجيه ضربة قوية للعدو، لأن فتح الجبهة الثانية في الضفة الغربية هو كابوس المتطرفين الصهاينة.
وبسبب التعاون الاستخباراتي والأمني مع النظام الصهيوني، فقدت منظمة الحكم الذاتي شرعيتها بين سكان الضفة الغربية في السنوات الأخيرة، ويعتبر الفلسطينيون عباس مساوما يضحي بالمصالح الفلسطينية من أجل طموحاته الشخصية، ولذلك، مع تصريحات نتنياهو، سيزداد الضغط الشعبي على السلطة الفلسطينية لوقف التعاون مع العدو المحتل، لأن التعاون على أنقاض اتفاقية أوسلو خيانة لقضية القدس، ولن يقبل الفلسطينيون بأي أعذار.
وإذا تحققت الأهداف المعلنة للجيش الصهيوني، أي تدمير حماس، على افتراض استحالة ذلك، فإن نتنياهو سيصبح أكثر إلحاحا وسيحاول التخلص من تهديدات جماعات المقاومة الجديدة في الضفة الغربية أيضا، ولهذا الغرض، قد يستهدف الجيش الإسرائيلي جنين ومدن أخرى في الضفة الغربية ويكرر جرائم غزة في هذه المنطقة أيضًا، لأنه بالنسبة للمتطرفين في تل أبيب، فإن الاحتلال الكامل للقدس هو الأولوية الأولى، وهم يحاولون الاستيلاء على هذه المنطقة بأي وسيلة ممكنة وبناء أساس هيكل سليمان.
ولذلك، لكي لا تصبح السلطة الفلسطينية أكثر كراهية لدى الفلسطينيين، يجب عليها إنهاء كل تعاون مع تل أبيب ومساعدة فصائل المقاومة على تحرير الأراضي المفقودة، حتى لا تضيع ما تبقى من سمعتها.
حلم تسليم غزة للرياض وأبو ظبي
وبما أن نتنياهو لم يعد يثق في منظمة الحكم الذاتي ويعتبرها شريكة في حماس، فإن النسخة الجديدة معقدة بالنسبة لمستقبل غزة، في غضون ذلك، ادعى نتنياهو يوم الإثنين أنه بعد انتهاء الحرب، ستدفع السعودية والإمارات تكاليف إعادة إعمار غزة، وهو ادعاء لم يتفاعل معه حكام الرياض وأبو ظبي، لكن هذا هو حلم نتنياهو في تعزيز أسس تطبيع العلاقات، لفتح أقدام السعودية والإمارات على تطورات غزة.
فمن ناحية يريد نتنياهو أن يريح نفسه من تهديدات المقاومة ويضمن أمن المستوطنين من خلال إسناد إدارة غزة إلى السعودية والإمارات وتدمير جماعات المقاومة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، ومن ناحية أخرى، فإن لها هدفا بعيد المدى يتعلق بإحداث فجوة في الجبهة العربية، ورغم أن الصهاينة تمكنوا من إطلاق سراح بعض أسراهم عبر وساطة قطرية، إلا أنهم ما زالوا غاضبين من مواقف هذه الدولة من حرب غزة ودعم الفلسطينيين، وفي خضم اتفاقات وقف إطلاق النار في غزة، قال مسؤول في الموساد "سأنتقم من قطر بعد انتهاء الحرب"، ويعتقد بعض الخبراء أن الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية ربما أثاروا مسألة اغتيال قادة حماس في الدوحة، لكن القطريين عارضوا هذه الطلبات.
ولذلك فإن تورط السعودية والإمارات في إعادة إعمار غزة يهدف إلى قطع يد قطر عن لعب دور في الصراع الفلسطيني، ويحاول نتنياهو الانتقام من سلطات الدوحة بهذا الإجراء، وزيادة الفجوة في مجلس التعاون الخليجي، وزعزعة استقرار داعمي فلسطين الإقليميين.
ويرى المسؤولون في تل أبيب أن حرب 7 أكتوبر هي فرصة لحل القضية الفلسطينية، وهو الهدف الذي سيتم تحقيقه من خلال إزالة غزة من الخريطة الجغرافية واحتلال الضفة الغربية بالكامل مع تطوير المستوطنات لإقامة مجتمع يهودي موحد، ما يهم نتنياهو في هذه المرحلة ليس إعادة بناء السلطة الفلسطينية، بل إشعال مواجهة شاملة مع الفلسطينيين، إلى الحد الذي يمكنه من تنفيذ أهداف بناء "إسرائيل"الكبرى.