الوقت - قال نابليون بونابرت: "حاول ألا تقاتل عدوك لفترة طويلة، لأنه يتعلم عملياً كل حيلك ويفكر في اتخاذ إجراءات خاصة وفعالة ضدك"، يمكن رؤية الانعكاس الموضوعي لهذه القضية في ساحات القتال في غزة، بعد حادثة 7 أكتوبر وبدء الهجمات الواسعة للجيش الإسرائيلي على قطاع غزة.
في خضم أزمات دولية تتدخل فيها مصالحهم بشكل بارز، اعتاد الکيان الإسرائيلي والحكومات الغربية المتحالفة معه دائمًا سرد عملية التطورات برمتها بطريقة ما، بالاعتماد على أدواتها الإعلامية، لتوفير الأسباب اللازمة لإضفاء الشرعية على أعمالهم غير القانونية وغير المشروعة، إلی جانب الإقناع واسع النطاق للرأي العام الدولي.
وعلى هذا الأساس، رأينا أن فصائل المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة بأكمله في منطقة غرب آسيا، قامت وما زالت تقوم باستثمارات كبيرة في الإعلام والدعاية، وهي المعادلة التي جعلتنا نشهد الآن أنه في خضم حرب غزة، لم يعد الکيان الإسرائيلي هو الذي يروي قضايا الحرب وتطوراتها، وللجبهة المقابلة أيضاً أصوات مهمة تروي التطورات المذكورة.
في الأساس، تسببت هذه القوة الناشئة حديثًا في كشف ادعاءات الإسرائيليين المختلفة في وقت قريب جدًا، مثل الادعاء بقطع قوات حماس رؤوس الأطفال الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، أو اغتصاب النساء الصهيونيات من قبلهم، وكذلك تنظيم مركز قيادة حركة حماس تحت مستشفى الشفاء بغزة، ووضع زيف ادعاءات "إسرائيل" في هذه المجالات أمام أعين الرأي العام الدولي.
ومن المثير للاهتمام أنه، على سبيل المثال، فيما يتعلق بقطع رؤوس الأطفال الذين يعيشون في الأراضي المحتلة على يد قوات المقاومة، وصل الأمر إلى حد أن مراسل سي إن إن اعتذر رسميًا للجمهور الدولي عن نشر هذا الخبر.
وفي مثال آخر، واجه الجيش الإسرائيلي صدمات كبيرة في حملته العسكرية ضد قطاع غزة، حتى الآن، تعرضت حوالي 400 مركبة مدرعة ودبابة تابعة للجيش الإسرائيلي لأضرار، أو دمرت خلال الهجوم البري على قطاع غزة.
والنقطة المثيرة للاهتمام هي أنه قبل هجومهم البري على قطاع غزة، كان الإسرائيليون يقومون بمناورة واسعة النطاق تركز على قوة دباباتهم وعرباتهم المدرعة، وأكدوا أنه من خلال الاعتماد على هذه المعدات، يمكنهم تسجيل تقدمات برية فعالة في قطاع غزة.
ومع ذلك، فإن معرفة المقاومة الفلسطينية بالأمر ودراسة الاستعدادات اللازمة له من خلال تدمير المدرعات بـ"صواريخ ياسين المضادة للدروع"، شكلت صدمةً خطيرةً للجيش الإسرائيلي، وهي مسألة تناولتها حتى المنشورات والمحللون العسكريون الإسرائيليون.
وبسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بوحدة دبابة ميركافا، قرر الجيش الإسرائيلي إحضار الدبابات القديمة إلى ساحة المعركة في غزة، لمنع المزيد من الأضرار.
وبعيداً عن كل هذا، فإن إحدى النقاط التي أشار إليها مؤخراً العديد من المراقبين والمحللين العسكريين، هي انخفاض خسائر حركة حماس في خضم المعركة مع الکيان الإسرائيلي.
ولذلك، يبدو أن المنظرين والقادة العسكريين في حماس قد درسوا النموذج الحربي للجيش الإسرائيلي جيدًا، وقد أعدوا أنفسهم لسيناريوهات مختلفة في شكل الحرب مع هذا الجيش والابتعاد عن الأضرار المحتملة في هذه الحرب.
وكل هذه الأمور جعلت أحد ما تسمى الجيوش الأكثر تقدماً في العالم، تسجل تقدماً بطيئاً للغاية في ساحات القتال في غزة، ولا توجد آفاق واضحة لتحركاته العسكرية المستقبلية، ومن المثير للاهتمام أنه حتى في منتصف الحرب، نرى أن الکيان الإسرائيلي يوافق على وقف مؤقت لإطلاق النار، والذي يتضمن إلى حد كبير المطالب التي أرادتها حماس.
ولذلك، لا بد من الاعتراف بأن الکيان الإسرائيلي يواجه فعلياً أزمةً حذر منها نابليون بونابرت منذ زمن طويل: "حاولوا ألا تقاتلوا خصمكم لفترة طويلة، لأنه يتعلم كل ما تبذلونه من الحيل والخداع!".