الوقت- يظهر أن قيادات مهمة في الحزب الديمقراطي الأمريكي قد بدأت في إجراء مشاورات ومناقشات حيال تأثير بنيامين نتنياهو على انتخابات الحزب والمشهد السياسي الداخلي، وكذلك تأثيره على العلاقات الدولية، وتم رصد سلسلة غير مسبوقة من التحذيرات التي تصدرها لجان ناشطة تابعة للحزب الديمقراطي، بما في ذلك رابطة طلاب الحزب في الشمال، تحذر من التأثير السلبي المحتمل الذي قد يخلفه نتنياهو في مختلف الجوانب السياسية والداخلية، وبالإضافة إلى ذلك، بدأت لجان الحزب في النقابات المهنية، على عكس الدعم الذي قدمه الكتّاب المعروفون والمؤيدون للحزب الديمقراطي في مقالاتهم، في التحذير من تأثير دعم الرئيس جو بايدن الصريح لبنيامين نتنياهو على الديناميات الانتخابية، ووفقًا لتقرير أصدرته لجنة مختصة في استطلاعات الرأي وتحليلها، يبدو أن دعم بايدن لنتنياهو وللاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة قد بدأ يقلل من دعم الأصوات، وخاصة من الأقليات التي تمثل نسبة حوالي 15% من الناخبين، بالإضافة إلى بعض الفئات مثل البيض المتعلمين والشباب اليهود المناهضين لـ"إسرائيل"، ويتضمن هذا الانخراط في النقاش الأمريكيون الذين لديهم أصول عربية وإسلامية.
إدارة بايدن الخاسر الأكبر
يشير محللون وخبراء إلى أن قادة ورموز الحزب الديمقراطي بدؤوا يناقشون التداعيات المحتملة لمواقف بنيامين نتنياهو وكيفية تأثيرها على الحزب، وفي هذا السياق، أشار الباحث الناشط لؤي عمارة إلى أن بعض الشعارات داخل الحزب الديمقراطي تطلق عبارات تشير إلى "مصالح نتنياهو الشخصية ولا علاقة لها بإسرائيل" أو تعبر عن "مصلحة حزبنا فوق كل الاعتبارات"، ويتزايد الجدل وفقًا لعمارة، حيث بدأت بعض المنظمات والشخصيات الملتزمة بالحزب الديمقراطي في رفع أصواتها، محذرة من التداولات الحالية، وعلاوة على ذلك، يرى عمارة أن المنطق الذي كان يُستخدم لتبرير دعم الإدارة الحالية يفقد تأثيره على الجمهور والأنصار، ما يؤكد على انقسام داخلي يتسارع داخل الحزب.
وفي هذا السياق، يرد رموز الإدارة على انخفاض تأييد الرئيس جو بايدن بأنه يمكن تعويضه لاحقًا، وخاصة في أوساط الأقليات والطبقات المتعلمة والبيض، الذين لا يروجون لفكرة التصويت للمنافس دونالد ترامب، ويتزايد النقاش حول هذه الحسابات، ما يشير إلى تفاقم الانقسام داخل الحزب الديمقراطي، وعلى الجانب الآخر، يظهر أن نتنياهو، من خلال تصرفاته ومواقفه الشخصية، بدأ يؤثر على مسار الحزب ويجذبه إلى مناطق متأرجحة مليئة بالتحديات، و يبدو أن الحملة الانتخابية لترامب بدأت تستهدف فئات اجتماعية مختلفة، ما يعزز فرصه في الفوز في ست ولايات متأرجحة، فيما تزيد حملة ترامب من استراتيجيات جذب المتظاهرين والغاضبين.
ويزداد القلق والتوتر داخل أوساط الحزب الديمقراطي ولجان التحليل والتفكير العميق، حيث يظهر هذا الوضع المُربك قبل أقل من 11 شهراً على الانتخابات الرئاسية، ويعتبر هذا المشهد مؤشرًا حيويًا يوضح صعوبة تعويض الأصوات الخاسرة، وكشف عن نجاح الحملات الشعبية المحتجة على الرئيس جو بايدن نتيجة لعدوان "إسرائيل"، ويبرز هذا التطور الصعوبات التكتيكية والميدانية التي تواجهها الإدارة الحالية وتؤثر على شعبيتها.
وبعد مرور حوالي 36 يومًا على حرب الإبادة المستمرة في محرقة القرن الـ 21، حيث ارتفع عدد الشهداء إلى 12 ألفًا وعدد المصابين إلى 30 ألفًا، وتسببت الحرب في نزوح قسري للمدنيين من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، واستمرار حرب الإبادة والتطهير العرقي، انتظر العالم 36 يومًا لعقد قمتهم بسبب تباين دول مطبعة ومهرولة للتطبيع، و في هذا السياق، عجز النظام العربي عن كسر الحصار وإدخال شاحنات المساعدات إلى شعب غزة النازف، واستمرار قوات الاحتلال في ارتكاب مجازر، حيث بلغ عددها حتى نهاية الأسبوع الخامس 1130 مجزرة متنقلة، وذلك أمام مرأى ومسمع النظام العربي والإسلامي.
ومع استمرار قطع إمدادات الماء والكهرباء، وتدهور وضع الغذاء والدواء والوقود، وتكدس شاحنات المساعدات على حدود رفح المصرية مع استمرار إغلاق معبر رفح، تصعد "إسرائيل" بقصف المستشفيات بعد قطع التيار الكهربائي ومنع إدخال الوقود، ما أدى إلى خروج 20 مستشفى عن الخدمة، ويعيش السكان في وضع مأساوي وغير مسبوق أمام أعين العالم بأسره، وسط عجز عربي وتواطؤ دولي، حيث يشاهدون ويصمتون أمام مجازر حرب الإبادة في أسبوعها السادس.
ووصلت الحالة البائسة في غزة إلى مرحلة خطيرة حيث يتعرض السكان للقصف العشوائي المجنون، ومن لم يمت بفعل القصف، سيواجه الموت نتيجة للأمراض والجوع وفقدان المياه والغذاء الملوث، ويزداد الوضع سوءًا مع استمرار الهجمات على المستشفيات، حيث بدأ الأطفال الخدج يفارقون الحياة نتيجة نفاد وقود المولدات، و يقوم الصهاينة بشن حرب على المستشفيات عمدًا، ويبدو أنهم يسعون إلى تكريس "نكبة ثانية" في ذكرى النكبة الأولى، من خلال نقل الفلسطينيين من شمال غزة إلى جنوبها، وذلك في إطار محاولات لطردهم إلى سيناء وتصفية غزة بهدف محاولة القضاء على حركة حماس.
عبء ثقيل على بايدن
بالفعل، تحول نتنياهو وحربه المفتوحة إلى عبء ثقيل على بايدن، حيث قبل بموافقته على القضاء على حماس والإفراج عن المحتجزين، ووفقًا لمسؤولين أمريكيين، فإنه كلما طال أمد الحرب، زادت عزلة أمريكا وإفلاسها الأخلاقي، وزاد الغضب العربي والإسلامي من إدارة بايدن، وتم كشف مراسلات من سفارات أمريكية في دول عربية تحذر من أن دعم إدارة بايدن لحرب "إسرائيل" على غزة سيؤدي إلى خسارة أمريكا للرأي العام العربي لجيل كامل، وتظهر دبلوماسية العلاقات العامة جهود وزارة الخارجية في تعيين ناطقين باللغة العربية في دبي للدفاع عن سياساتها ومواقفها لكسب الدعم، في حين تخسرها بالوقت نفسه.
وتشهد إدارة بايدن تصدعًا وتمردًا داخليًا في وزارة الخارجية، وذلك من قبل المراسلين والإعلاميين، بالإضافة إلى غضب الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، وقد وصل الأمر إلى تصويت مجلس النواب الأمريكي لتوبيخ النائبة الفلسطينية رشيدة طليب، والتي تعتبر الوحيدة في مجلس النواب، حيث اتُّهِمَت بالتحريض ضد "إسرائيل" بسبب ترديدها لمقولة "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر!"
وتشهد الولايات المتحدة ارتفاعًا في وتيرة وأعداد المظاهرات في معظم المدن الكبرى، وخاصة في العاصمة واشنطن ونيويورك ولوس أنجلوس، وشهدت شعبية الرئيس بايدن انخفاضًا بين الناخبين العرب والمسلمين، حيث انخرطت الدعوات لإنهاء تأييد الرئيس من 74٪ إلى 29٪ اليوم، ومع اقتراب بدء دورة الانتخابات الرئاسية والتي ستبدأ في يناير المقبل، يتوقع مراقبون تكرارًا لمشهد انتخابات الرئاسة عام 2020، ويتنافس الرئيس بايدن على فترة ولاية ثانية مع الرئيس السابق ترامب، رغم الفضائح والقضايا الجنائية التي تطارده على مدى العامين الماضيين، حيث تواجهه أربع قوائم اتهامات تتعلق بـ 91 تهمة جنائية.
باراك أوباما، الرئيس السابق الذي شغل منصب نائب الرئيس لجو بايدن لمدة ثماني سنوات (2009-2017)، صدم اللوبي الأمريكي-الإسرائيلي (AIPAC) وإدارة بايدن وقادة الاحتلال الإسرائيلي بمطالبته بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتوفير أمان حقيقي لـ"إسرائيل" وتحقيق سلام يستند إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية واحترام حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، و هذه المطالب تتماشى مع رؤية الإدارات الأمريكية السابقة، بما في ذلك إدارة بايدن، التي تدعم حلاً يقوم على مفهوم "حل الدولتين"، وأوباما أكد على ضرورة الاعتراف والتعامل مع البعد الأخلاقي للجميع نتيجة لعقود من الفشل في تحقيق سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويشير هذا إلى اعترافه بأهمية التفكير بعمق حول الجوانب الأخلاقية للصراع وضرورة تحمل المسؤولية عن فشل الجهود السابقة في تحقيق السلام.
والموقف المتقدم الذي اتخذه الرئيس السابق باراك أوباما بشأن القضية الفلسطينية يثير تساؤلات حول كيفية تأثيره على الرئيس جو بايدن وإدارته الحالية، ويُطرح سؤال حول مدى تماشي رؤية بايدن مع المواقف السابقة لأوباما، وخاصةً فيما يتعلق بالجوانب الأخلاقية والتسامح في التعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومن غير الواضح كيف ينعكس موقف أوباما على بايدن وإدارته بشكل مباشر، وخاصةً مع تطوُّر الأحداث والتحولات في المنطقة، ويُلاحظ أيضًا تباين المواقف داخل النظام السياسي الأمريكي بشأن القضية الفلسطينية، حيث تظهر اختلافات في المواقف بين الأحزاب والتوجهات الداخلية للمرشحين وأعضاء الحكومة.
ومن المهم متابعة موقف بايدن ونائبه من القضية الفلسطينية وكيف يتعاملون مع التطورات الجارية في المنطقة، ويبدو أن هناك تشددًا واضحًا في بعض التصريحات والمواقف، ما يظهر اتجاهًا معينًا يعبر عن تأثرهم بالتوجهات الإسرائيلية في التعامل مع النزاع، والتقسيم الواضح والتقديم للصهاينة يظهران في مواقف إدارة بايدن، ويعكسان تحالفًا وثيقًا مع "إسرائيل" وحلفائها في الغرب، ويُلاحظ الإهمال الواضح للأوضاع المؤلمة وجرائم الحرب، ما يفتح المجال أمام نشوء جيل جديد من الفصائل الفلسطينية، يزداد تصميمًا وتشددًا، وخاصةً في مواجهة جرائم الاحتلال وداعميه.
ويثير هذا التوجه تساؤلات حول فهم الإدارة للواقع في المنطقة وتأثيرها المحتمل على العلاقات الدولية، ويتساءل البعض عن سبب استمرار هذا التزلف رغم الانتقادات والضغوط، وعما إذا كانت الإدارة تدرك العواقب المحتملة لهذا الموقف على مستقبل السلام والاستقرار في المنطقة، وإن اتخاذ إدارة بايدن للمواقف المثارة يمكن أن يؤثر على صورة الولايات المتحدة في العالم العربي والإسلامي، ما يزيد من التحفظ والانقسام بين الأمم والشعوب.