الوقت- رواية الإعلام الغربي عن الحرب على غزة كانت متناقضة للغاية بشهادة علميّة، فالروايات تمهد الطريق للتغيير، ويمكن لوسائل الإعلام أن تلعب دورا رئيسيا في تعزيز وتعميق الانقسامات الاجتماعية، ما يمهد الطريق لارتكاب فظائع مروعة، الكلمات والسرد مهمة حقًا، وخاصة في الأزمات الاجتماعية، لأنها تشكل إطارًا لما نفكر فيه، وما نقرره، وتصف العديد من وسائل الإعلام الغربية حركة حماس بأنها "إرهابية" وتصرفاتها "إرهابية"، وإن افتراض وسائل الإعلام الغربية المستمر بأن حماس "إرهابية" وصمتها عن نظام الفصل العنصري الصهيوني وانتهاكاته لحقوق الإنسان، هو من بين المعايير المزدوجة لوسائل الإعلام هذه، وفي غضون ذلك، فإن بعض وسائل الإعلام مثل "أسوشيتد برس" و"بي بي سي" و"صوت أمريكا" وغيرها، لا تستخدم كلمة "الإرهاب" للإشارة إلى حركة حماس بناء على تعليماتها، إلا أن وسائل الإعلام المتخفية هذه وباستخدام تقنيات العمليات النفسية تقدم حماس بطريقة أو بأخرى على أنها السبب الرئيسي للحرب في غزة.
معايير مزدوجة للغاية
لا شك أن التحيز الإعلامي منتشر أيضًا في وسائل الإعلام هذه، بحيث يوجه الرأي العام مؤسسيًا نحو التعاطف مع الصهاينة، وعلى سبيل المثال، عند الإعلان عن عدد الشهداء الفلسطينيين، تستخدم وسائل الإعلام الغربية اسم وزارة الصحة "حماس" للتشكيك في "صحة" هذه الإحصائيات وتدمير التعاطف المحتمل مع الفلسطينيين، وفي هذا الصدد، قال رئيس الولايات المتحدة الشهر الماضي إنه "لا يصدق" تقديرات عدد الأشخاص الذين قتلوا على يد هذه المنظمة.
مثال آخر هو أن معظم الفلسطينيين الذين تتم دعوتهم للتحدث إلى شبكات الأخبار الغربية يُسألون عما إذا كانوا يدينون حماس، في حين نادراً ما يُطلب من الضيوف الصهاينة مناقشة السياسات العنصرية التي تنتهجها حكومتهم في الضفة الغربية أو الحصار والقصف على غزة، لا تسمع كلمة "ضحايا" بالنسبة للفلسطينيين، بينما تسمع الكلمة نفسها مراراً وتكراراً بالنسبة للقتلى في الجانب الصهيوني، وبدلاً من تغطية الخسائر البشرية في غزة، تشير العديد من شبكات الإعلام الغربية إلى الشهداء على أنهم "قتلى"، وبينما تعطي "الحق في الدفاع عن النفس" للنظام الصهيوني، فإنها تتهم حماس باستخدام المدنيين في غزة "كدروع بشرية".
وإن الأخبار الكاذبة وغير الموثقة مثل "قطع رؤوس 40 طفلا" والتي نشرت في وسائل إعلام مثل نيويورك بوست وفوكس نيوز وسي إن إن وإندبندنت وانعكست في تصريحات الرئيس الأمريكي، هي استراتيجية أخرى لوسائل الإعلام هذه لإثارة الرأي العام، دعم غزو النظام لغزة، إن ما تفعله وسائل الإعلام الغربية في الواقع من خلال التركيز على مثل هذه الادعاءات الكاذبة هو تبرير وحشية وعنف غزو الكيان، ومن ناحية أخرى، فإن تغطية هجوم النظام على المراكز المدنية والمستشفيات ومخيمات اللاجئين وغيرها في وسائل الإعلام هذه لافتة للنظر أيضًا.
وبالتالي، تتم تغطية هذه الأفعال التي تنتهك حقوق الإنسان في وسائل الإعلام الغربية بطريقة لا يتم فيها تحديد هوية النظام بشكل مباشر على أنه مرتكب الجريمة؛ وإن استخدام الأفعال المجهولة وتجاهل مسؤولية تل أبيب في هذا المجال له معنى في وسائل الإعلام هذه، وإن إغلاق التدفق الحر للأخبار والتغطية أحادية الجانب للقصة هي عيب كبير آخر في تغطية أخبار غزة في وسائل الإعلام الغربية، ولقد ذهب صحفيون غربيون إلى الأراضي المحتلة ونشروا تقارير مستفيضة عن حزن الأسر الصهيونية، لكن الكيان لم يسمح للصحفيين الأجانب بدخول غزة، وقد فاتهم جانب مهم من القصة.
وتعكس هذه "المعايير المزدوجة" الاتجاه الأوسع للمؤسسات الإعلامية الغربية لتصوير المسلمين والعرب على أنهم "أقل من البشر"، وما نشهده حاليًا هو تكرار لما رأيناه في 11 سبتمبر، حيث تم تشويه سمعة العرب والمسلمين، ورغم أن هذا النوع من الإبداع السردي من قبل وسائل الإعلام الغربية، بسبب تأثيره على شبكات التواصل الاجتماعي، يمكن أن يثير في بعض الأحيان شكوكًا لدى جمهور المنطقة حول أصالة فلسطين، إلا أنه بالتأكيد الإلمام بهذه التقنيات وزيادة مستوى الثقافة الإعلامية لدى جميع الأمم، والمنطقة فعالة في الحد من هذه العواقب.
وعلى الرغم من تنوع وتباين توجهات وسائل الإعلام الغربية حيال الحرب في قطاع غزة، يمكن تحديد بعض الاتجاهات التي طبعت تغطيتها لهذا الصراع، يبرز من بينها توجه واضح لمصلحة الكيان في هذه الوسائل، حيث يُبرر ذلك بأن "إسرائيل" تدافع عن نفسها ضد هجمات من جماعات مسلحة في قطاع غزة، وتستخدم قوة متناسبة لحماية سكانها، في هذا السياق، تم التركيز على الصواريخ التي تستهدف "إسرائيل" من قبل حماس، مع التشديد على أن هذه الصواريخ لا تشكل تهديدًا حقيقيًا على سكان "إسرائيل"، يُشير الإعلام الغربي إلى أن بعض الوسائل المضللة والتي تؤيد الإبادة الجماعية تقدم هذه المعلومات بطريقة غير دقيقة وتروّج لرؤية مشوهة تجاه الشعب الفلسطيني.
سياسة متحيزة لأبعد الحدود
يؤكد الإعلام الغربي امتلاكه سياسة متحيزة لأبعد الحدود تجاه فلسطين من خلال سلوكه الممنهج والمؤيد للصهاينة على استخدام حماس للأطفال والمدنيين كدروع بشرية، وكذلك استغلال المستشفيات والمدارس كأماكن لتخزين الأسلحة، ينتج عن هذه التكتيكات وفقاً لهم حدوث ضحايا من المدنيين، ويُبرَّر هؤلاء الأفراد فعلتهم بقتل الأطفال والنساء وإلحاق الأذى بهم، وذلك بعد الدمار الذي لحق بهم على يد هؤلاء الأفراد، ويتحدثون عن حوادث حرق جثث الأطفال من قبل الطائرات الصهيونية المفخخة، ورمي الفوسفور الأبيض المحظور دوليًا على الضحايا، وتقطيع أجساد الأطفال الذين لم يتبق منهم إلا أحشاؤهم، ما يجعلهم غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم، ويُظهِرُونهم كأشخاص مكتوفي الأيدي ومحروقي القلب، وقليلي الحيلة الذين لا يستطيعون فعل شيء إلا الدعاء.
ويُعزى هذا السيناريو إلى أفكار صنعتها سياستهم، التي تنصُّ على إبادة الشعب الفلسطيني بأكملها، ومسح المناطق الفلسطينية من الخريطة تمامًا، وقلع جذور الشعب الفلسطيني من أرضه، ويُشيرون إلى أن هذه هي السياسة التي يتبعونها، والتي كانت قد تم التخطيط لها مسبقًا بدعم من الغرب الصهيوني الأمريكي المطبع، لذلك، يُعتبر التحيز الذي ظهر في التقارير والمقالات الصحفية الغربية نمطًا شائعًا ومتعارضًا مع مفهوم الحياد الذي يجب أن تتسم به وسائل الإعلام والصحافة.
وتفيد العديد من الأصوات الإعلامية بوجود تحيز واضح من قبل العديد من وسائل الإعلام الغربية لمصلحة "إسرائيل" في كل مواجهة أو حرب تشمل الفلسطينيين، وفي سياق متصل، ظهر هذا التحيز بشكل واضح ومكثف، وبأشكال متعددة، حيث تم استخدام خطاب مؤيد لأفعال "إسرائيل" تظهر فيه سمات خطاب الإعلام الغربي تجاه حرب "إسرائيل" على غزة، بما في ذلك الوصف الوحشي، واستخدام مصطلحات ولغة مضللة في نقل الأحداث، مع التركيز على هجمات حماس والضحايا المدنيين الإسرائيليين.
ويُلاحَظ هذا التحيز حتى في وسائل الإعلام التي تفتخر بالالتزام بمعايير صحفية صارمة، مثل هيئة الإذاعة البريطانية BBC، التي تبدو منحازة بشدة للرواية الإسرائيلية، حيث نشرت تغريدة على صفحتها على موقع إكس تشير إلى أن الإسرائيليين "يتعرضون للقتل"، وعلى النقيض، يتم وصف الفلسطينيين بأنهم "يموتون" ببساطة، ما يمكن أن يخلق انطباعًا بأن بعض الوفيات قد تكون عرضية أو غير متعمدة، أو غير مفسرة، بينما يُصوَّر وفيات الإسرائيليين كنتيجة لأعمال عنف أو قتل محدد ومتعمد.
لذلك، يجب التمييز بين المفهومين "القتل" و"الوفاة" عند تغطية الأحداث في الصحافة، إذ يُستخدم مصطلح "الوفاة" للإشارة إلى فقدان الحياة بشكل عام ومحايد، كمثال حالات الموت الطبيعي والحرائق والكوارث، بينما يُستخدم "القتل" للإشارة إلى فقدان الحياة نتيجة لأعمال عنف، كما هو الحال في حالات الهجمات الإرهابية، ويبرز استخدام مصطلح "القتل" طابع العمل العنيف ويعزز المسؤولية الواقعة على الجناة، فيما يُفترض أن يكون مصطلح "الوفاة" أكثر عمومًا في وصف فقدان الحياة البشرية.
ومن ينسى المقابلة التي أُجريت مع سفير فلسطين لدى المملكة المتحدة، حسام زملط، على قناة BBC، حيث تميزت أسئلة المذيع بتركيزها على إدانة هجمات حركة حماس، في حين تم تجاهل الضحايا الفلسطينيين نتيجة للقصف الإسرائيلي، وفي رده على المذيع، أشار السفير الفلسطيني إلى أن وسائل الإعلام الغربية كانت دائمًا تنحاز للرواية الإسرائيلية، وأشار إلى أنه يُدعى للحديث على التلفزيون عندما يكون هناك قتلى إسرائيليون فقط، فيما لا تستضيفه وسائل الإعلام عندما تشن "إسرائيل" هجماتها على الفلسطينيين.
ويظهر تحيز الإعلام الغربي أيضًا في قناة فوكس نيوز، التي تعرف بتوجهاتها اليمينية والمؤيدة لـ"إسرائيل"، استضافت القناة مايكل ألين، مساعد الأمن القومي السابق في البيت الأبيض، حيث انتقد وكالات الأخبار العالمية التي تقوم حسب زعمه "بتحويل اللوم عن حركة حماس إلى إسرائيل"، ووصف الأمر بأنه "مثير للاستهجان"، داعيًا إلى ضرورة الضغط على وسائل الإعلام لإيقاف ذلك، في السياق نفسه، تصوغ ABC NEWS الأخبار غالبًا بطريقة لا تُحدد مسؤولية من نفذ الهجوم مباشرة، حيث استخدمت مصطلح "القصف الذي يستهدف قطاع غزة"، يتم استخدام مصطلحات مثل "تعرض لأضرار" أو "دمر" دون توضيح سياق القصف بدقة.
وعلى صعيد متصل، أشارت الوسائل الإعلامية الغربية في تغطيتها للأحداث التي تلاحقت بعد عملية طوفان الأقصى إلى فتح آفاق جديدة تُعرض فيها "حقائق تاريخية" حول ما حدث في فلسطين، مع ذكر مفاهيم للجهات المشاركة في الأحداث، إلى جانب الأخبار، مثل حركة حماس، ونشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية أيضًا أخبارًا تشير إلى انحيازها الشديد لحرب الصهاينة في غزة، غير موثقة بشكل صحيح حول عمليات اغتصاب قام بها المقاتلون الفلسطينيون، على الرغم من أن الصحيفة الأكثر انتشارًا في الولايات المتحدة تراجعت عن الخبر.
ما يعني أن الإعلام الغربي يتعامل بشكل محدد مع الأحداث، حيث يتجاهل تماما المذابح الجماعية التي تحدث بواسطة الطائرات وإبادة الأحياء السكنية بأكملها، يركز بشكل رئيسي على حادثة تتعلق بفتاة ألمانية زُعِمَ أن الفلسطينيين قتلوها، ولكن تبين لاحقًا أنها على قيد الحياة، وأن أهل غزة قاموا بإنقاذ حياتها، وأصبح الإعلام الغربي جزءًا من الحرب على غزة، حيث أصبح شريكًا أصيلاً يتضامن مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من خلال تشويه الرأي العام وإخفاء المجازر الإسرائيلية، يركز بشكل خاص على هجمات حماس كمبرر للضربات الإسرائيلية التي تؤدي إلى مقتل المدنيين.
في النهاية، يبدو أن الغرب لا يكتفي بكل تلك المجازر والإبادة، ولا يبدو أنه يروم تخفيف معاناة موت الأطفال وفقدانهم لأحبائهم، سواء كان أولئك أمهم أو أبوهم أو إخوتهم، ولا يكفيه سماع صرخات وآهات الآباء والأمهات الذين فقدوا أحباءهم، كل هذا يحدث تحت إشراف الإعلام الغربي، الذي يتجاوز أبسط قواعد ممارسة المهنة الإعلامية، حيث دخل في خضم المعركة ضد العرب والفلسطينيين، ويميل بشكل دائم إلى تبني الروايات والأكاذيب الإسرائيلية، متجاوزًا أبسط قواعد المهنة التي يُلقى عليها الضوء كثيرًا.