الوقت- مع مرور عدة أسابيع على المظاهرات في السويداء وعدم مشاركة مواطني المناطق السورية الأخرى في هذه الاحتجاجات، فإن كواليس هذه المؤامرة تتجلى أكثر فأكثر.
وحسب الخبراء، تسعى الولايات المتحدة إلى تقسيم سوريا من خلال إقامة الفيدرالية والحكم الذاتي للدروز في محافظة السويداء، وإن المظاهرات مستمرة في محافظة السويداء جنوب سوريا؛ مظاهرة تستخدم الظروف الاقتصادية غطاءً لتعزيز المؤامرة السياسية لعملاء أمريكا الغربية.
الاحتجاجات فتحت الطريق أمام واشنطن لمواصلة خطتها لتقسيم سوريا على شكل الفيدرالية، حيث إن الشيخ حكمت الهجري، أحد كبار العشيرة الدرزية في السويداء، شجع الأهالي على القتال ضد جبهة المقاومة وقال: يجب أن تكون الأسلحة نظيفة وجاهزة ومليئة، وإيران منذ أن وطأت أقدامها هذا البلد احتلته، ونحن نؤكد بوضوح أنه يجب محاربة هذه الميليشيات، وهي محتلة من وجهة نظرنا"، ما يشير إلى حربه المفتوحة على المقاومة.
خطة أمريكية في السويداء
تتمتع محافظة السويداء بموقع جغرافي مهم جداً، بسبب القرب من فلسطين المحتلة والحدود مع الأردن، ومن جهة أخرى مسافة قصيرة من منطقة التنف التي تحتلها الولايات المتحدة والتي أنشأت فيها واشنطن أحد أهم قواعدها العسكرية في سوريا.
وهذا الموقع الجغرافي الحساس جعل وسائل الإعلام العربية والغربية المناهضة للحكومة السورية تحاول بكل قوتها استفزاز مشاعر مواطني السويداء، ويتحدث نشطاء المعارضة بشكل علني عن المخطط المخصص للجنوب السوري، ويطلبون من أهالي درعا مرافقة هذه الموجة.
وفي هذا الصدد، يروي مراسل المعارضة السورية والمرتزق الأمريكي "سمير متيني" ما يلي: "هل تذكرون أنه قبل ثلاثة أشهر أظهرت لكم خريطة خلفي، وهناك أيضاً فيديوهات لها، وفي أحد الفيديوهات قيل إن شرق الفرات يتجه إلى توصيل التنف وسيتم تشغيل الطريق في البوكمال، وفي ذلك الوقت لم تكن القوات الأمريكية حاضرة ولم يكن هناك أي نقاش حول هذا الموضوع؛ قلت إن المعدات الجديدة تصل الآن ويتم نقل القاعدة من السيلية إلى عمان، وبعد هذه التحاليل ظل البعض يضحك ويضحك ويقول ستكون خفيفا، وبعد عشرة إلى خمسة عشر يوما وصلت أخبار أنهم يجتمعون مع قبيلة شمر وقبيلة شمر وكانوا مشغولين بتشكيل جيش عربي كردي لـ عملية البوكمال، بلغنا أن أمريكا حذرت من أنهم سيحتلون دير الزور بالكامل، ويريدون ربط منطقة البوكمال بالسويداء مع الميليشيات الموجودة هناك، وحينها لم تكن هناك أي مظاهرات في السويداء، بل كانت مظاهرة صغيرة تتشكل من وقت لآخر.
ولتقسيم سوريا، تبحث واشنطن عن نوع من الفيدرالية على شكل "حكومات محلية ذات حكم ذاتي" مقسمة على أساس قضايا عرقية وطائفية ودينية، الهدف من هذا المشروع هو التفكك النهائي لسوريا، والتوجه نفسه يمكن رؤيته في مظاهرات السويداء [التي أغلب سكانها من الدروز]؛ من تدمير المؤسسات الحكومية وحرق العلم الوطني السوري إلى ترديد الشعارات الطائفية والدينية.
وفي هذا الصدد قال محللون إن خطة أمريكا لا تقتصر على منطقة معينة في سوريا، ويمكن القول إن تركيزهم في هذه الفترة الزمنية ينصب على المناطق الشرقية التي يستخدمون فيها نشاط جماعة "داعش" أو نشاط ميليشيات قاصد التي تعتبر أداة في يد الغزاة الأمريكان أيضا، وباعتبارها رافعة الضغط الأمريكي لتقسيم سوريا، فشلت هذه الخطة في المناطق الشرقية، والآن يركز الغرب، وخاصة أمريكا، على خيار آخر، وهو السويداء، التي تتمتع بموقع جغرافي ذي أهمية، ومن جهة هناك المنطقة الحدودية، ومن جهة أخرى فهي قريبة من درعا التي يريد الغرب أن تكون نقطة انطلاق لأهدافه في سوريا، وربما هو مشروع تقسيم خاص يطبقه الغرب.
وفي دراسة نشرها معهد واشنطن للدراسات، توصلت إلى أن أحداث السويداء هي ورقة رابحة تتيح لواشنطن وشركائها الإقليميين استخدام الضغوط والعقوبات الاقتصادية لإجبار الحكومة السورية على تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات، وتحاول أمريكا وحلفاؤها الحصول على ما لم يتمكنوا من الحصول عليه في منطقة الجزيرة شرق سوريا، لقد نسوا أن دمشق وحلفائها يتصرفون بقوة أكبر من ذي قبل ضد المخططات الاستعمارية الأمريكية.
خطرٌ كبير على سوريا
تشهد محافظة السويداء في جنوب سوريا حاليًا تجددًا لدعوات استئناف التظاهرات الشعبية، بعدما شهدت تراجعًا في الفترة السابقة، يأتي هذا في سياق تزايد الدعوات للتحضير لعقد مؤتمر سياسي مقترح، يهدف إلى مناقشة إقامة هيئة إدارية لامركزية. ورغم تلك الدعوات، إلا أن هناك تأكيدًا من جانب بعض أبناء المحافظة على رفضهم ومعارضتهم لهذا الاقتراح، إضافة إلى ذلك، يشير مراقبون إلى بداية ظهور الدور الأمريكي بوضوح في الأحداث الجارية في جنوب سوريا، ما يثير استفسارات حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة في تلك المنطقة في المستقبل. تم تجديد الدعوات مؤخرًا لتنظيم تظاهرة حاشدة في ساحة الكرامة وسط محافظة السويداء، بعدما شهدت الأيام الأخيرة تظاهرات اقتصرت على مجموعات صغيرة من المشاركين، وتأتي هذه الدعوات في سياق استمرار الاحتجاجات في جنوب سوريا، حيث دخلت الاحتجاجات في المنطقة أسبوعها الخامس.
وشهدت الاحتجاجات في محافظة السويداء تراجعًا ملحوظًا في حيز الاهتمام والمشاركة، وفقًا لمصادر سورية، يُعزى هذا التراجع إلى ظهور مشاريع وتحركات سياسية لا تتماشى مع جوهر مطالب السكان، ووفقًا لمصادر متعددة، شهدت مدينة السويداء نشاطًا اقتصاديًا عاديًا، حيث استمرت عمليات البيع والشراء كالمعتاد، وفُتحت أبواب جميع المؤسسات والدوائر الحكومية لاستقبال المراجعين، ويعكس ذلك عودة الحياة في المحافظة إلى وضعها الطبيعي.
إضافة إلى ذلك، أطلق قادة بعض التجمعات الاحتجاجية في محافظة السويداء جنوب سوريا دعوات لعقد مؤتمر سياسي بهدف مناقشة تشكيل سلطة "لامركزية إدارية"، والتي تنبثق عن حركة الاحتجاج.
تُظهر هذه الدعوات النوايا الحقيقية للاستثمار السياسي المخطط له من قبل الولايات المتحدة في حركة الاحتجاج، ويبدو أن حالة الاستياء الشعبي في السويداء، والتي تعكس الوضع في سوريا بشكل عام، ناتجة عن الظروف الاقتصادية الصعبة وسوء الإدارة والفساد والعقوبات، وتهدف هذه الدعوات إلى التنبيه إلى مشاريع انفصالية يفترض أن تكون وراءها الولايات المتحدة و"إسرائيل".
نشاطُ أمريكيّ واضح
القلق تجاه التوجه الذي قد تأخذه هذه المشاريع التي قد تنجم عنها عواقب غير متوقعة، إن هذه المشاريع تشكل تهديدًا للانزلاق نحو عملية تقسيم وتفتيت، معرضة وحدة البلاد ومستقبلها للخطر، وتأتي بين الأدوات المستخدمة لإغراء الأفراد مقولات تشير إلى أن الإدارة الذاتية لن تقتصر على محافظة السويداء فحسب، بل ستمتد لتشمل جميع المناطق الجنوبية في سوريا، وهذا يشمل إنشاء المعابر الرسمية مع الأردن وضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، إضافة إلى ذلك، ستُخصص للإدارة الذاتية موارد تمكنها من تقديم الخدمات بشكل مستقل عن الحكومة في دمشق.
وتلك المقولات التي يتم ترويجها بين أبناء السويداء تأتي من الجانب الأمريكي، ولم تعد الولايات المتحدة تكتفي بالدور الخفي في المحافظة أو تقتصر على إصدار بيانات تدعم حركة الاحتجاج كما كانت تفعل في السابق، بل قامت السفارة الأمريكية الافتراضية في سوريا مؤخرًا بإصدار بيانات داعمة للحركة قبل أسبوعين، وقد بدأت الولايات المتحدة بالتواصل مباشرة مع قادة مشروع الإدارة الذاتية وبعض الشخصيات ذات الاعتبار في المحافظة، ويشير ذلك إلى التزام الولايات المتحدة الكبير والمباشر بالمناطق والأحداث في المنطقة، وذلك في إطار جهودها لدعم مشروع الإدارة الذاتية وتعزيز الحضور الأمريكي في الجنوب السوري.
وتلقى أحد كبار المشايخ الروحيين للموحدين الدروز في محافظة السويداء، الشيخ حكمت الهجري، اتصالاً من المبعوثة البريطانية لسوريا، آن سنو، حيث أكدت التزام بلادها تطبيق القرار الأممي رقم 2254.
وفي الاتصال الذي جرى، تمت مناقشة الاحتجاجات السلمية التي تشهدها المحافظة منذ نحو 42 يومًا، يأتي هذا الاتصال بعد يومين من اتصال تلقاه الشيخ الهجري من نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، إيثان غولدريتش، حيث أكد دعمه لحرية التعبير للسوريين، بما في ذلك الاحتجاج السلمي في السويداء، ومكالمتين هاتفيتين في غضون أسبوع واحد، الاتصال الأول جاء من النائب الجمهوري الأمريكي فرينش هيل، فيما جاء الثاني من عضو مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الديمقراطي برندن بويل. ويبدو أن الولايات المتحدة تظهر اهتمامًا بزيادة التوترات في المحافظة بهدف تعجيل تنفيذ مشروعها في جنوب سوريا.
يُفهم أن هذا المشروع يخدم مصالح الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وقد يثير تساؤلات حول مدى توافقه مع مصالح سكان السويداء.
لكن بالمقابل، تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية الرئيسية عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي وصلت إليها سوريا. يُعزى ذلك جزئياً إلى قانون العقوبات الشهير "قيصر"، الذي يؤثر بشكل كبير على حياة المواطن السوري وسبل معيشته، دون أن يطال المسؤولين السياسيين والحكوميين في البلاد، إضافة إلى ذلك، يُعزى تدهور الأوضاع أيضًا إلى نهب الولايات المتحدة للنفط والغاز السوري واستيلائها على مساحات واسعة من حقول القمح والقطن والمساحات الزراعية في شرق الفرات، هذا التحكم في الموارد الاقتصادية السورية أثر بشكل سلبي على مصدر رزق الشعب السوري وحرمهم من الاستفادة منها.
ومن الجدير بالذكر أنّ رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني والزعيم الدرزي، طلال أرسلان، أكّد في بيان موجه إلى مشايخ وأبناء جبل العرب، أن الموحدين الدروز لا يضيّعون البَوصلة، وأن الأفعال العدوانية والمغرضة من قبل القلة لن تنجح في سحب السويداء ومشايخها وأهلها إلى مستقبل مجهول.
وكانت لافتة زيارة السفير الروسي في "إسرائيل"، أناتولي فيكتوروف، إلى الزعيم الروحي لطائفة الدروز في فلسطين، الشيخ موفق طريف، ويمكن تفسير هذه الزيارة في سياق تنبيه الروس لخطورة المشروع الأمريكي في جنوب سوريا.
وفي الوقت نفسه، بدأت تظهر تصاعدًا في التوترات العسكرية بين كيان الاحتلال الإسرائيلي والجيش السوري على الحدود الجنوبية. وقام الجيش الإسرائيلي بقصف مواقع سوريا بزعم انتهاك الجيش السوري لخطوط الهدنة.