الوقت- في الفترة الماضية، زعم وزير الخارجية التركي أن بلاده تبذل كل الجهود لمنع أن تصبح سوريا ملاذاً للتنظيمات الإرهابية وساحة للحروب بالوكالة، وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في افتتاح الدورة الرابعة عشرة للسفراء الأتراك في العالم في أنقرة: "سنسرّع عملية العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين"،
وتحظى القضية السورية بتعقيد كبير، وتتضمن تداخلًا لعدة أطراف ولاعبين مختلفين، ويشتبه بتقديم الدعم التركي لبعض التنظيمات المعارضة في سوريا، وهناك تقارير وشهادات تشير إلى ذلك، وتركيا، على مر السنوات، قدمت دعمًا للفصائل المعارضة في سوريا التي تقاتل الدولة السورية، بما في ذلك الأسلحة والتدريب والدعم اللوجستي، وتاريخيًا، كانت هناك علاقة وثيقة بين تركيا وبعض الجماعات المسلحة في سوريا، مثل الجيش السوري الحر، ومع ذلك، لا يعني ذلك بالضرورة أن تكون التصريحات التركية المعروفة بتبدلها المستمر حقيقيّة.
دعم قديم للإرهاب في سوريا
تختلف التصنيفات والتصورات بين الدول المعنية والمجتمع الدولي بشأن أي جماعات يجب تصنيفها على أنها إرهابية، حيث يتم تصنيف بعض الجماعات من قبل بعض الدول على أنها إرهابية، بينما يراها آخرون على أنها فصائل معارضة فقط، إلا أن الجميع متفق على بعض الدول ومنها تركيا التي زجّت نفسها في المستنقع السوريّ، وتهدف تركيا وفقًا لمزاعم مسؤوليها إلى حماية حدودها ومصالحها الأمنية في المنطقة، والآن باتت تعتبر وجود التنظيمات المعارضة في سوريا تهديدًا لأمنها، وبالتالي، قد تواصل تقديم الدعم للفصائل التي تعتبرها موالية لمصالحها الاستراتيجية وليس مصالح سوريا، كما أن الأحداث والمصالح السياسية يمكن أن تؤدي إلى تحولات في السياسات والتحالفات، وتندرج قضية الدعم التركي للتنظيمات في سوريا ضمن سياق أوسع للصراع في البلاد، وتتأثر بالتنافسات الإقليمية والدولية.
وفي ظل حديث تركيا: "سنبذل قصارى جهدنا لمنع سوريا من أن تصبح ملاذاً للتنظيمات الإرهابية وميداناً للحروب بالوكالة، ولن نسمح للجماعات الإرهابية والقوات المساندة لها بأن تغض الطرف عن بلادنا"، لا يبدو أن سوريا تأخذ التصريحات التركية على محمل الجد وخاصة أنها تحتل الأراضي السورية وتدعم الإرهاب منذ بدء الصراع في سوريا في عام 2011 كجزء من أحداث ما سميّ "الربيع العربي"، ومع مرور الوقت، تحولت الاحتجاجات إلى صراع مسلح بين مجموعات تقاتل بالوكالة والجيش السوري، وقد تدخلت العديد من الدول واللاعبين الإقليميين والدوليين في الصراع السوري، ما أدى إلى تعقيد الوضع وتحوّل الصراع إلى حرب متعددة الجوانب، وتركيا كانت واحدة من الدول التي تدخلت في الصراع، وذلك للعديد من الأسباب بما في ذلك ادعاءات الأمن الحدودي والمصالح الجيوسياسية.
وبشكل صريح وواضح، أعلنت تركيا دعمها للمعارضة السورية وتقديم الدعم العسكري واللوجستي لبعض الفصائل المسلحة التي يوصف بعضها بالإرهابية، ومن بين هذه الفصائل، الجيش الحر السوري الذي كان أحد الفصائل التي حصلت على دعم تركي كبير، وتزعم تركيا أنه من خلال هذا الدعم تسعى إلى ضمان حماية حدودها من تهديدات محتملة، بما في ذلك الأكراد والتنظيمات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي دعمته وسهلت طريقه إلى سوريا، وهناك تقارير واتهامات تشير إلى أن بعض الفصائل التي تلقت الدعم التركي قد تم تصنيفها بأنها إرهابية من قبل بعض الدول والمجتمع الدولي، وتشمل هذه الفصائل جماعات مثل هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) ومجموعة حركة أحرار الشام، ويجب أن نلاحظ أن الصراع في سوريا معقد للغاية، ويتأثر بالتدخلات الخارجية والديناميكيات السياسية والاقتصادية والعسكرية المتشابكة، وتنظيمات مختلفة تنشط في الصراع، ويتم تصنيفها على أنها إرهابية.
رغبة تركية بإعادة اللاجئين
سمعنا الكثير عن أن ما تسمى "المنطقة الآمنة" التي تهدف إلى توفير مأوى آمن للسكان السوريين المهجرين داخل البلاد، وإطلاق العنان لعمليات إعادة الإعمار وتحسين الأوضاع المعيشية، ويعتبر هذا الإجراء جزءًا من الجهود التي تبذلها تركيا لمساعدة اللاجئين السوريين في العودة إلى بلادهم التي كانت جزءا من الحرب فيها، وتخفيف الضغط على موارد تركيا لكسب المزيد من الشعبية عند الشعب التركي، وبالتالي بات على عاتق أردوغان وحزبه الإخواني الفائز بالرئاسة تطبيق ما يطلق عليها "العودة الطوعيّة"، وقد شاهدنا جميعا زيارة الرئيس التركي التي شملت ثلاث دول خليجيّة، السعوديّة، قطر، الإمارات، والتي أدلى خلالها بتصريحات جديدة حول اللاجئين، حيث قال إن عدد العائدين من السوريين وصل إلى مليون شخص، مؤكّداً أن عددهم سيزيد في المُستقبل، ما يعني هُنا أن وعود الرئيس التركي فيما يخص إبقاء اللاجئين، وعدم التخلّي عنهم قد ذهبت أدراج الرياح، فالعلاقات مع الخليج باتت الأهم بالنسبة لأنقرة اليوم.
وتتضمن خطة أردوغان دعمًا ماليًا وإنشائيًا لبعض المناطق السورية التي تقع تحت سيطرة القوات التركية المحتلة لأجزاء من الأراضي السورية، من خلال توفير المياه والكهرباء والطرق والمدارس والمستشفيات والمساكن، ومن المهم الإشارة إلى أن بعض المنظمات الإنسانية تعارض هذه الخطة، مشيرة إلى أن إعادة اللاجئين السوريين بالقوة إلى بلادهم قد تعرضهم لخطر الاضطهاد والعنف، وتضعهم في خطر الترحيل القسري، لذلك، يجب أن يتم تنفيذ أي خطط لإعادة اللاجئين إلى سوريا بشكل يحترم حقوق الإنسان ويحافظ على سلامتهم ورفاهيتهم.
وتستمر تركيا في تنفيذ خطة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وتعمل على توفير الظروف المناسبة وغير المناسبة لتخفيف أو إنهاء وجودهم ربما في تركيا، وقد أعلنت الحكومة التركية في عام 2021 عن خطة جديدة لإعادة توطين مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في مناطق مختلفة من سوريا، وتعمل تركيا أيضًا حسب مزاعمها على تحسين الأوضاع المعيشية داخل الأراضي السورية، وذلك من خلال توفير الدعم المالي والإنشائي، وقد بدأت تركيا في إنشاء مدارس ومستشفيات ومساكن وطرق في المناطق السورية الواقعة تحت احتلال الجيش التركي، بهدف تحسين الحياة قليلا في تلك المناطق وجذب اللاجئين للعودة إلى بلادهم.
وتعتبر إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم أمرًا مهمًا بالنسبة لأردوغان على ما يبدو، والدليل على ذلك الحملات العنصريّة البشعة التي تطال اللاجئين الذين كانت الحكومة التركية منخرطة في حرب بلادهم، وقد بدأت الشرطة التركيّة بإزالة جميع لوحات المحلات التجارية المكتوبة باللغة العربيّة في بلد يوصف بأنه "مسلم"، فيما تتحدّث تقارير إعلامية محليّة كثيرة، عن خوف اللاجئين السوريين من الخُروج من منازلهم، في قلق شديد يظهر مدى عدم الرّاحة، وخوفا من العودة الإجبارية، فالشرطة التركية تُلاحق حتى اللاجئين “النظاميين” الذين يملكون حق الإقامة حسب معلومات موثقة، بغرض ترحيلهم بشكل تام، وبالفعل أعلن فعليّاً وزير الخارجيّة التركي علي بردلي أن أجهزة الشرطة والأمن في تركيا كثفت من عمليّات التفتيش بشأن اللاجئين التي ادعت أنهم غير شرعيين، في وقت تحذر فيه منظمات حُقوقيّة وإنسانيّة من انتهاكات صارخة بحق اللاجئين الذين استقبلتهم تركيا بالأحضان لأسباب تخص مصالحها الدنيئة، كما يقول بعض السوريين.
وبالتزامن مع الهجمة الحكومية الشّرسة التي تطال اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، وأمام أعين الرئيس التركي، تسعى أنقرة لتخفيف الضغط عن الحكومة التركية التي استضافت أكثر من 3.7 ملايين لاجئ سوري في السنوات الأخيرة، كما أن تركيا تزعم أن الحل الوحيد للأزمة في سوريا هو السلام والاستقرار ، وبالتالي فإن إعادة اللاجئين إلى بلادهم تعد جزءًا من هذا الحل، متناسية كل تدخلاتها التي دمرت محافظات بأكملها ونشرت الإرهاب والقتل والخراب في الكثير من الأرجاء السورية، ومن الجدير بالذكر أن هذه الخطة تواجه بعض التحديات والصعوبات، بما في ذلك الأوضاع الأمنية غير المستقرة في سوريا والتحديات الإنسانية التي يواجهها اللاجئون السوريون في تركيا، لذلك، يجب أن يتم تنفيذ أي خطط لإعادة اللاجئين إلى سوريا بشكل يحترم حقوق الإنسان ويحافظ على سلامتهم ورفاهيتهم، وهذا بعكس ما تقوم به الحكومة التركية تماماً.
وتدعي تركيا العمل على تطوير آليات لتحقيق إعادة توطين اللاجئين السوريين بطريقة آمنة ومستدامة، وذلك من خلال التنسيق مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية، من خلال إنشاء برامج لتوفير الدعم المالي للأسر السورية المتضررة، وتوفير المساعدات الغذائية والطبية والإغاثية للمناطق المتضررة في سوريا، كما تتضمن خطة تركيا إعادة اللاجئين السوريين والتخلص من عبئهم وخاصة مع استقبال عدد كبير من اللاجئين السوريين.
إضافة إلى ما سبق، يجب التنبه إلى أن عملية إعادة توطين اللاجئين السوريين كما يصفها أردوغان، تتطلب وضع كرامة أبناء هذا البلد الذي دمره الإرهاب ويعيش أصعب ظروف إنسانية في العالم نصب أعين أنقرة، وتوفير الظروف الأمنية والإنسانية اللازمة لاستقبال اللاجئين وإعادة بناء حياتهم، وينبغي أن تتم هذه العملية بالتنسيق مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية، وبمشاركة جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة السورية والمجتمع المدني والمجتمع الدولي، ومن المهم أيضاً أن تتم عملية إعادة التوطين بشكل تدريجي، وأن تكون متوافقة مع القانون الدولي ومعايير حماية اللاجئين، ويجب أن يتم احترام حقوق اللاجئين وتوفير الحماية الكافية لهم، بما في ذلك الحماية من الاعتقال التعسفي والتعذيب والإذلال والتمييز والتهجير القسري.
المصالح التركية في سوريا
مصالح تركيا في سوريا تعتبر متعددة ومتشابكة، وتتأثر بالعديد من العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية، وإليك بعض المصالح الرئيسية لتركيا في سوريا وفقًا لادعاءات المسؤولين الأتراك:
ادعاءات الأمن الحدودي: تركيا تولي أهمية كبيرة للحفاظ على أمن حدودها مع سوريا، وتهدف إلى منع تهديدات محتملة من الجماعات المتطرفة والأكراد المسلحين وتدفق اللاجئين عبر الحدود، لذلك، تتخذ تركيا إجراءات مثل إنشاء مناطق آمنة ونفاذ مسلحي السوري الحر لمنع تقدم هذه التهديدات.
النفوذ الإقليمي: تركيا تسعى للحفاظ على دورها الإقليمي وتعزيز تأثيرها في الشرق الأوسط، وترغب في التأثير على مستقبل سوريا وتشكيل القوى المعارضة الموالية لها لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة، وتهدف على حد زعمها إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي في سوريا ومنع انتشار الصراع الذي يمكن أن يشكل تهديدًا لأمنها واستقرار المنطقة بشكل عام.
تركيا تسعى لدعم جهود التوصل إلى حل سياسي للصراع السوري من خلال المشاركة في عمليات السلام والمفاوضات الدولية.
القضية الكردية: تركيا تعتبر الأكراد المسلحين في سوريا، مثل وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) وقوات سوريا الديمقراطية (SDF)، تهديدًا لسيادتها ووحدة أراضيها، وترى أنهم يمثلون فرعًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا، لذا، تركيا تتخذ إجراءات لمكافحة التمرد الكردي في سوريا وتهدف إلى إضعاف نفوذ الأكراد وتقييد توسعهم.
اللاجئون: تركيا استضافت عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريين الفارين من النزاع، وتعتبر توفير الرعاية والدعم لهؤلاء اللاجئين أحد أولوياتها، ومع ذلك، فإن الأعداد الكبيرة لللاجئين والضغط الذي يفرضونه على البنية التحتية والاقتصاد التركي يشكل تحديًا كبيرًا للبلاد.
الاقتصاد: تركيا تسعى لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع سوريا والاستفادة من فرص الأعمال والتجارة في البلاد بعد انتهاء الصراع، وتركيا تأمل في الاستفادة من إعادة إعمار سوريا وتطوير التجارة والاستثمارات في القطاعات المختلفة مثل البناء والبنية التحتية.
مزاعم مكافحة الإرهاب: تشعر تركيا بالقلق إزاء وجود جماعات متطرفة في سوريا، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومنظمات جهادية أخرى، وقد شاركت بنشاط في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب ومنع انتشار الأيديولوجيات المتطرفة، وقد نفذت تركيا عمليات عسكرية في شمال سوريا، مثل عملية درع الفرات وعملية غصن الزيتون، بهدف استهداف "داعش" وغيرها من المجموعات المتطرفة.