الوقت - الوضع الاقتصادي المتردي والافتقار إلى البنية التحتية المدنية والتنموية، بسبب عقود من الحرب وانعدام الأمن، جعل أفغانستان على رأس قائمة الدول التي هي في أمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية الدولية.
وحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فإن هذه هي المرة الثانية التي يزداد فيها عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في أفغانستان.
في بداية هذا العام، أعلنت الأمم المتحدة أن عدد الأشخاص المحتاجين إلى مساعدات إنسانية في أفغانستان بلغ 28.3 مليون شخص، لكن بعد الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية، أن عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية ارتفع إلى 28.8 مليون شخص.
حاليًا، في تقاريرها نصف السنوية، أعلنت المنظمات التابعة للأمم المتحدة أن عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، قد ارتفع إلى 29.2 مليون شخص، وفي الوقت الحالي، يبلغ عدد الأشخاص المحتاجين للمساعدات الإنسانية في أفغانستان أكثر من ثلثي سكان البلاد، ويعتبر عشرون مليونًا منهم عرضةً للخطر. ومن بين هؤلاء، هناك 15 مليون شخص لا يعرفون كيف وأين يعدون وجبتهم التالية.
وتظهر إحصاءات الأمم المتحدة أن الأزمة الإنسانية والفقر في أفغانستان يتسعان بسرعة، لكن في غضون ذلك أوقفت حكومة الإمارة الإسلامية بصمت أنشطة الإغاثة التي تقوم بها لجنة إغاثة الإمام الخميني، في خطوة غريبة.
وفي هذا الصدد، كتبت ميثم مهدي بور، نائب حسن كاظمي قمي، الممثل الخاص للرئیس الإیراني في شؤون أفغانستان، في تغريدة: إن لجنة الإغاثة، التي لديها أكثر من أربعة عقود من الخبرة في تقديم الخدمات في أفغانستان، متوقفة منذ ما يقرب من شهرين. ومن المؤمل أن تذكر طالبان بوضوح سبب هذا الإجراء.
في الأيام القليلة الماضية، أفادت بعض وسائل الإعلام بأن أنشطة مكاتب لجنة الإمام الخميني للإغاثة في كابول ومزار الشريف وهراة أوقفت من قبل طالبان، وقد أكد مصدر محلي الخبر، وأعلن توقف نشاط مكتب تمثيل لجنة الإغاثة في كابول قبل نحو شهر، وإيقاف مكاتب مزار الشريف وهراة في التاسع من آب بأمر من طالبان.
لجنة الإمام الخميني للإغاثة هي إحدى المنظمات الإغاثية المسجلة والمرخصة من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في أفغانستان، وتدفع الضرائب للحكومة الأفغانية، وقد توقف نشاط هذه المنظمة خلال الفترة الأولى من حكم طالبان في أفغانستان، لكنها استؤنفت في أربعة فروع من مزار شريف وكابول وهراة وزرنج منذ عام 2002.
أسباب اتخاذ هذا القرار، الذي يضر بعشرات الآلاف من المواطنين الأفغان الفقراء والمحتاجين، غير واضحة، ولكن بالنظر إلى أنشطة لجنة المساعدة لعدة سنوات، يمكن للمرء أن يفهم الدور القيم لهذه المؤسسة في خدمة شعب أفغانستان، وتأثيراتها غير الخفية على التقارب بين الشعبين الصديقين والمتجاورين، ومن المؤمل أن تعيد سلطات حكومة الإمارة الإسلامية النظر في قرارهم، الذي تفوح منه رائحة النوايا السياسية لمن يعارضون العلاقات بين البلدين.
تاريخ وأبعاد الأنشطة الإغاثية للجنة إغاثة الإمام الخميني في أفغانستان
بدأ عمل لجنة الإمام الخميني للإغاثة في أفغانستان في أوائل التسعينيات، عندما افتتحت مكتبين في كابول وواحداً في مدينة مزار الشريف الشمالية.
وبين عامي 1994 و 1995، أنشأت اللجنة فروعًا في مدينة باميان وفي منطقة ولسوالي یکاولنج بمقاطعة باميان، التي ينتمي معظم سكانها إلى الهزارة الشيعة، وبعد استيلاء طالبان على كابول في عام 1996، نقلت اللجنة مكاتبها في كابول إلى بل خمري، عاصمة إقليم بغلان الشمالي، ومنطقة البنجاب في مقاطعة باميان.
وفي عام 1998، مع تقدم حركة طالبان شمالًا، أغلقت اللجنة مكاتبها داخل أفغانستان، لكنها واصلت تقديم المساعدة إلى المقاطعات الشمالية في أفغانستان، من خلال إنشاء مكاتب في طاجيكستان.
بعد الإطاحة بطالبان وغزو الولايات المتحدة وحلفائها لأفغانستان، ما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من الأفغان وأزمة إنسانية في هذا البلد، وفقًا للالتزامات الدينية والمسؤولية الأخلاقية والدولية، سارعت إيران على الفور لمساعدة المتضررين من الحرب من خلال لجنة إغاثة الإمام الخميني، وأُرسل حسن كاظمي قمي، بصفته قنصلًا عامًا لإيران في هراة، إلى هذا البلد كمنسق للمساعدات الإيرانية لأفغانستان.
أعادت لجنة إغاثة الإمام الخميني(رحمه الله) فتح مكاتبها في كابول، وفي عام 2003 فتحت فروعًا في مقاطعات هراة الغربية ومزار الشريف ونمروز، وبحلول عام 2007 كان لدى لجنة الإمام الخميني للإغاثة خمسة وأربعون مكتبًا في أفغانستان.
ومنذ ذلك الحين، إضافة إلى المساعدات الإنسانية مثل إرسال المساعدات الغذائية والبطانيات والوقود، تقوم لجنة الإغاثة بتنفيذ أنشطة ثقافية وتعليمية (مثل التدريب الفني والمهني وورش العمل، وعقد دروس الكمبيوتر، وإنشاء مكتبة، وما إلى ذلك)، والخدمات (مثل منح قروض دون فوائد لخلق فرص العمل والزواج للشباب المحتاجين، والخدمات الطبية، ومساعدة المعوقين جسديًا وكبار السن، وإرسال المرضى إلى إيران عبر مستشفى كابول، وما إلى ذلك)، وكانت واحدةً من أكثر منظمات المساعدة الخارجية فاعليةً في تخفيف معاناة الشعب الأفغاني.
کذلك، قامت لجنة إغاثة الإمام الخميني (رحمه الله) بتوسيع أنشطتها لتشمل المناطق الشرقية والجنوبية من أفغانستان في السنوات الأخيرة، بناءً على الواجب الديني ومساعدة المحتاجين من كل دين ومذهب، من أجل تغطية مجتمعات البشتون المحرومة.
وبينما كانت قوات التحالف تفرغ مليارات الدولارات من الأموال على شكل قنابل على أهالي هذه المناطق، كانت لجنة الإغاثة توزع مساعدات غذائية في كل من قندهار وجلال آباد، عاصمة ولاية ننجرهار شرق أفغانستان.
مسؤولو طالبان أنفسهم اعترفوا بهذه الأنشطة، حيث إنه في 4 مايو 2022، التقى مولوي مخدوم عبد السلام، نائب وزير العمل والشؤون الاجتماعية في طالبان، مع "لكزائي فرد"، رئيس مكتب تمثيل لجنة الإمام الخميني للإغاثة في أفغانستان، وبينما أعرب عن تقديره للنشاط والأداء الفعال للجنة إغاثة الإمام الخميني في أفغانستان، دعا إلى مزيد من التعاون لهذه المؤسسة في التعليم التقني والمهني وريادة الأعمال في هذا البلد.
وقال: إن جمهورية إيران الإسلامية كانت دائمًا واحدةً من جيراننا الطيبين، ونحن نقدر إيران وشعبها لاستقبال ملايين المهاجرين الأفغان في هذا البلد.
من جهته قال رئيس مكتب الإمام الخميني للإغاثة في أفغانستان في هذا الاجتماع: إن لجنة الإمام الخميني للإغاثة في أفغانستان، قدمت تدريبًا تقنيًا ومهنيًا إلى 37 ألف شخص في السنوات الإحدى عشرة الماضية وحدها.
من ناحية أخرى، وحسب فاطمة أشرفي، رئيسة مجلس أمناء جمعية حامي، حول أنشطة لجنة الإغاثة في أفغانستان، فإن أحد الأنشطة المهمة لهذه المنظمة هو "مساعدة الإيرانيات المتزوجات من رجال أفغان، والذين هم للأسف من أفقر الفئات الاجتماعية وأكثرها ضعفًا في أفغانستان، وفي بعض الأحيان تكون ظروفهم المعيشية أضعف من المجموعات الأفغانية الفقيرة".
غضب أمريكا المستمر من أنشطة لجنة الإغاثة... الخوف من نفوذ إيران أم الصداقة بين الشعبين؟
تعرضت أنشطة لجنة الإغاثة في أفغانستان لانتقادات من قبل الولايات المتحدة على مدار العشرين عامًا الماضية.
لطالما أشار الإعلام الغربي وقادة واشنطن إلى أنشطة إيران الإنسانية في أفغانستان، ولا سيما من خلال منظمة ناجحة مثل لجنة الإمام الخميني للإغاثة، والتي رحب بها الأفغان، على أنها تأثير ناعم، وذلك لإثارة الشكوك حول الأنشطة الإنسانية لإيران بين رجال الدولة والرأي العام الأفغان، وهي سياسة يمكن رؤية نتائجها في الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها كابول، للحد من أنشطة لجنة الإمام الخميني للإغاثة.
على سبيل المثال، في نوفمبر 2012، كتبت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير عن أنشطة لجنة إغاثة الإمام الخميني في هراة، أنه إضافة إلى قروض الإسكان، توزع المنظمة حصصًا شهريةً من الزيت والسكر والشاي والأدوية بين سكان، ويقول رجل أفغاني يدعی علي: "كبشر ، نتلقى المساعدة من أي شخص يساعدنا... والأميركيون غائبون هنا".
ومن المستفيدين من لجنة إغاثة الإمام الخميني، شابة اسمها معصومة كريمي، قبل الزواج، تلقت هذه المرأة وخطيبها مساعدةً من هذه المنظمة، لتغطية نفقات الزفاف وجزء من الأثاث وأدوات المطبخ، ويقول زوجان آخران تلقيا تكلفة حفل زفافهما من هذه اللجنة: "الإيرانيون يقدمون المساعدة ويقومون بالنشاط أكثر من أمريكا، والآن إيران في جميع جوانب حياتنا".
يعيش هذان الزوجان في أحد أحياء مدينة هراة المسماة "جبريل"، وإن جزءاً كبيراً من سكان هذا الحي من قبيلة الهزارة، وهم، مثل غالبية سكان إيران، من الشيعة، وقد قامت لجنة الإمام الخميني للإغاثة ببناء مدرسة ومكتبة وعيادة وطرق معبدة في هذا الحي، والتي لا تزال ظاهرةً نادرةً في أفغانستان.
لكن هدف هذه اللجنة الخيرية ليس بسيطاً، كما هو الحال في لبنان والأراضي الفلسطينية، غالبًا ما يتم استفزازها في أفغانستان من قبل أعداء مشتركين مثل الولايات المتحدة والکيان الإسرائيلي.
فعلى الرغم من أن هذا التقرير الهادف نفسه لوسائل الإعلام الأمريكية، يظهر أيضًا أن الشعب الأفغاني راضٍ عن الأنشطة الإغاثية الإيرانية ودعمها من خلال لجنة الإغاثة، إلا أن محاولة وسائل الإعلام هذه بثّ الانقسام بين الشيعة والسنة وخلق خلافات في العلاقات بين كابول وطهران، واضح تمامًا.
كانت إيران الدولة الأولى التي نظرًا لإيلائها الأهمية لقضايا أفغانستان ومحاولة المساعدة في حل الأزمات الاقتصادية والسياسية لهذا البلد، قدمت السفارة الأفغانية في طهران إلى حرکة طالبان وأبدت عمليًا حسن نيتها في محاولة الحفاظ على العلاقات وتحسينها مع الإدارة السياسية الجديدة لهذا البلد، حتى تتمكن من مساعدة الشعب الأفغاني في المرحلة الجديدة والصعبة من تطورات البلاد.
كما قال المرشد الأعلى للثورة في إيران في خطابه في سبتمبر 2021: "المهم بالنسبة لإيران هو شعب أفغانستان، نحن نؤيد الشعب الأفغاني، لأن الحكومات تأتي وتذهب كما في الماضي، لكن الشعب الأفغاني باقٍ".