الوقت - إن مشروع فتح الجبهات المختلفة وإحكام حلقة الحصار علی الکيان الصهيوني، والذي حلم اللواء الشهيد قاسم سليماني بتحقيقه، تجسد اليوم في جميع المجالات وبكل أساليب المقاومة.
فبالتزامن مع تكثيف عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، بدأ أهالي الجولان المحتل سياسة المواجهة مع المحتلين في الأيام الأخيرة. وفي هذا الصدد، اندلعت منذ الثلاثاء الماضي اشتباكات بين دروز الجولان المحتل والجيش الصهيوني، وهي اشتباكات تتزايد يوماً بعد يوم.
كانت القصة أن الجيش الصهيوني خطط لتركيب توربينات هوائية في المناطق الشمالية من الجولان، الأمر الذي عبّر آلاف الدروز في هذه المنطقة عن معارضتهم له، ما أدى إلى نشوب صراع بين الجانبين. وحسب التقارير، أصيب 12 شخصًا من قوات الشرطة الصهيونية وأكثر من 50 شخصًا من المتظاهرين بجروح أو اختناق، بسبب استخدام القنابل السامة والغاز المسيل للدموع.
وبعد التجمع أمام مقر الشرطة الصهيونية، حاول أهالي الجولان المحتل الاستيلاء على هذه القاعدة الأربعاء الماضي، لكن في النهاية طردتهم قوات الاحتلال من هذا المركز. وجلب الجيش الصهيوني الكثير من قوات القمع لتطويق الأراضي الزراعية في منطقة "الحفائر" للاستيلاء على الأراضي ومنع المزارعين من الوصول إليها، وأغلقوا الطرق المؤدية إلى الأراضي الزراعية لمنع الناس من الوصول إلى مكان تركيب التوربينات.
واجه مشروع التوربينات الهوائية معارضةً شديدةً من أهالي الجولان، الذين يخشون الآثار السلبية على مزارعهم، من حيث الضوضاء من المولدات، والأضرار المحتملة على البيئة والطبيعة.
التوترات تصاعدت بشكل كبير، لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التقى بالشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية التوحيدية في فلسطين المحتلة. ونتيجةً لهذا الاجتماع، تم الاتفاق على ما وصفته وسائل الإعلام الصهيونية بـ "وقف إطلاق النار" يستمر بعد عيد الأضحى، بشرط إيقاف مشروع التوربينات الهوائية مقابل وقف الاحتجاجات.
وجاء الإجراء الاستفزازي الجديد للکيان الصهيوني في الجولان المحتل، فيما وافقت حكومة الاحتلال على مشروع بناء 25 توربينة هوائية لإنتاج الكهرباء في الجولان، بعد موافقة "لجنة التخطيط" بوزارة الداخلية.
وحسب هذه الخطة، ينوي الصهاينة تنفيذ هذا المشروع على مساحة 3674 هكتاراً من الأراضي الزراعية في قرى مجدل شمس ومسعدة وباغاثا، وعلى بعد كيلومتر ونصف من قرى عين قنية. وقبل ذلك، خطط الکيان الصهيوني لتأجير أراضي المزارعين لمدة 25 عامًا، لتنفيذ هذه الخطة التي عارضها أهالي الجولان المحتل.
الجولان السوري المحتل جزء من محافظة "القنيطرة" السورية، التي احتلها الکيان الصهيوني في حرب الأيام الستة عام 1967 وضمها عام 1982. ولم يعترف المجتمع الدولي بهذا الإجراء قط، بل إن جمعية الأمم المتحدة أصدرت العام الماضي قرارًا يدعو إلى عودة هذه المنطقة إلى الحكومة السورية.
يبلغ عدد سكان مرتفعات الجولان حوالي 50 ألف نسمة، أكثر من نصفهم من اليهود، وهي موطن للعرب الدروز، وكثير منهم يعتبرون أنفسهم سوريين ويرفضون الحصول على الجنسية الإسرائيلية.
لطالما أكدت السلطات الصهيونية أنه حتى لو تغيرت وجهة نظر المجتمع الدولي ضد الحكومة السورية، فلن يؤثر ذلك على الوضع في الجولان، وستبقى هذه المنطقة إلى الأبد جزءًا من الأراضي المحتلة. لكن يبدو أنه بعد أكثر من خمسة عقود، فشلت سياسات الکيان لدمج السكان المحليين في سياسات تل أبيب.
إن تحرکات دروز الجولان المحتل ضد الکيان الإسرائيلي، جعلت سوريا وفصائل المقاومة مصممين على استعادة هذه المنطقة. حيث أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً أدانت فيه الاعتداءات الوحشية للجيش الإسرائيلي على أهالي الجولان المحتل، واعتبرتها امتداداً للسياسات العدوانية للکيان الصهيوني، وأكدت أن الجولان كان وسيظل جزءًا لا يتجزأ من الأرض السورية، وأن عودته إلى الوطن أمر لا مفر منه.
كما أدانت حرکة حماس وبعض الأطراف اللبنانية جريمة الصهاينة في الجولان المحتل، وأعربت عن تقديرها لمواقف أبناء هذه المنطقة ضد الاحتلال، وقالت إنها تقف إلى جانبهم.
الأهمية الاقتصادية للجولان بالنسبة للصهاينة
منطقة الجولان المحتلة ذات أهمية اقتصادية للکيان الصهيوني. فنظراً لارتفاعها وغزارة هطول الأمطار، توفر منطقة الجولان حوالي ثلث مياه نهر الأردن، وتعتبر مع بحيرة طبريا من المصادر المهمة لإمدادات المياه للأراضي المحتلة.
کما أن الجولان هي المكان الوحيد في المنطقة الذي يتمتع بالبرد والثلوج في معظم أشهر السنة، ويقع منتجع التزلج الوحيد في البلدان الأربعة المحيطة في الجولان.
وحسب الإحصائيات التي نشرها الکيان الصهيوني، فإن 21٪ من إنتاج كيرما(مادة يمكن استخدامها في الهندسة النووية والطب)، و 40٪ من لحم البقر، والأهم من ذلك فإن نصف احتياجات هذا الکيان من المياه المعدنية العذبة، يتم الحصول عليها من الجولان المحتل.
يُقال إن أزمة المياه في منتصف الستينيات، كانت أحد الأسباب الرئيسية للصراع الإسرائيلي السوري الذي أدى إلى حرب حزيران/يونيو 1967، وفي ذلك الوقت اتهمت دمشق تل أبيب بتحويل منابع نهر الأردن لصالحها.
وتمتلك مرتفعات الجولان العديد من الموارد الطبيعية، فهي أرض زراعية خصبة يشتهر العرب السوريون بزراعة التفاح فيها، بينما يستثمر الکيان الإسرائيلي في زراعة العنب لإنتاج أنواع مختلفة من النبيذ.
وبينما تعاني المنطقة بأكملها من نقص في الموارد المائية، يصف بعض المحللين الحروب المستقبلية بأنها حروب مياه، وهذه المنطقة لها أهمية كبيرة لجميع دول الجوار. لذلك، تحاول السلطات الصهيونية وضع هذه الموارد المجانية تحت تصرفها، لأنها تعلم أنه في حال حدوث أزمة، لن يأتي أي بلد في المنطقة لمساعدة الصهاينة. وبالتالي، فقد اعتمدوا على الجولان كمورد للمياه والطاقة المتجددة، ولا يريدون أن يفقدوا هذه المنطقة المليئة بالنعم الإلهية.
الأهمية الجغرافية والأمنية
تعتبر مرتفعات الجولان ذات أهمية استراتيجية استثنائية لمن يسيطر عليها، حيث إن جغرافيتها الفريدة وقممها العالية تسمح لها بإطلالة على جميع المدن في وسط وغرب الأراضي المحتلة من دمشق. كما أن الجولان المحتل يطل على مناطق في الأردن ولبنان، ومن يسيطر على هذه المنطقة عسكريًا يمكنه الوصول إلى أي مكان، حتى بأبسط الأسلحة التقليدية.
وهذه المساحة التي تبلغ 1800 كيلومتر مربع، تعتبر منطقةً استراتيجيةً لأن ارتفاعها أعلى من المساحات المطلة عليها في 4 دول. لأنه من هذه المنطقة، يمكن مراقبة جميع النقاط الحدودية للدول الأربع لعشرات الكيلومترات، بحيث يمكن رؤيتها بالعين المجردة من مرتفعات الجولان في مدينة دمشق. ولهذا السبب، فإن هذه المنطقة مهمة جداً من الناحية العسكرية والأمنية.
منذ قيام الکيان الصهيوني عام 1948 وحتى احتلال هذه المنطقة عام 1967، نفذت سوريا هجمات بقذائف الهاون على الأراضي المحتلة من الجولان، وكانت مهمةً للعرب من حيث الموقع العسكري.
من ناحية أخرى، يعتبر الجولان بمثابة حاجز بين الکيان الصهيوني وسوريا، ويسعى الکيان إلى منع إيران وحزب الله اللبناني، الداعمين لدمشق، من تشكيل جبهة هناك وتعزيز وجودهما في المنطقة. ولذلك، نفذ الطيران الإسرائيلي في السنوات الأخيرة عدة هجمات على بعض مواقع فصائل المقاومة في سوريا.
کذلك، اكتسب الجولان المحتل أهميةً كبيرةً بالنسبة لتل أبيب بعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011، وتم نقل مئات الإرهابيين من هذه المنطقة إلى الأراضي المحتلة لتلقي العلاج. لأن سلطات تل أبيب قلقة من أن الجولان، مثل الضفة الغربية وغزة، ستصبح جبهةً جديدةً ضد الکيان الإسرائيلي، ما دفع الصهاينة إلى مضاعفة سيطرتهم ومنشآتهم الأمنية العسكرية في هذه المنطقة.
كان الصهاينة يعلمون جيداً أنه إذا قضت الحكومة السورية علی الإرهابيين، فإنها ستولي اهتماماً خاصاً بالجولان. ولهذا السبب، طلبوا في عام 2019 من الحكومة الأمريكية الاعتراف بسيادة "إسرائيل" على الجولان المحتل، حتى يحذو الآخرون حذو واشنطن، لكن المجتمع الدولي لم يتخذ أي خطوات بهذا الصدد.
الجولان المحتل منطقة متنازع عليها بين الکيان الصهيوني وسوريا منذ أكثر من خمسة عقود، ويعتبرها الصهاينة جزءًا لا يتجزأ من الأراضي المحتلة. لأن خسارة هذه المنطقة الاستراتيجية، ستؤدي إلى فقدان هذا الکيان الإشراف على الأراضي العربية والموارد المائية الوفيرة.
كما أن حكومة تل أبيب المتشددة، المهتمة بـ "تهويد" جميع الأراضي المحتلة، تعتبر الجولان جزءًا من هذا المشروع. لكن بما أن الحكومة السورية تخلت عن التهدئة مع العدو، فستكون هذه المنطقة حبلی بتطورات جديدة في المستقبل.
لذلك، فإن هذه التحركات المسببة للتوتر في الجولان المحتل تضع سلطات الاحتلال أمام منطقة توتر جديدة، إضافة إلى جبهات مقاومة مفتوحة أخرى، وستؤثر بالتأكيد على قادة تل أبيب وتقلب حساباتهم، وستجبر قادة الصهاينة الراديكاليين على اتخاذ إجراءات تفيد المقاومة.