الوقت- من بين الاحتياجات الملحة لتركيا تعطى الأولوية للاحتياجات التي تمت الموافقة عليها في الاجتماع الأمني والسياسي والدبلوماسي الخاص الذي عقد مؤخرًا برئاسة أردوغان نفسه، كما أنّ أنقرة تجري منذ سنوات محادثات مع حلفاء دمشق، أيّ طهران وموسكو، في إطار مسار أستانا الهادف الى إيجاد تسوية سياسية للحرب، بموازاة جهود الأمم المتحدة في جنيف، وأدت اتفاقات تهدئة ضمن هذا المسار حسب تقارير لوقف حملات عسكرية واسعة للجيش السوري وخصوصاً في إدلب، وتنفي تركيا وجود أيّ تواصل مباشر في الوقت الراهن بين الرئيس التركي ونظيره السوري، رغم مطالبة روسيا بذلك منذ زمن طويل، لكن التواصل مؤخراً بين الأجهزة الدبلوماسيّة والاستخباراتيّة عاد بين البلدين بعد انقطاع لسنوات، على حد قولهما.
"إيران وسوريا وتركيا وروسيا تتفق جميعها على مواصلة المفاوضات على أساس خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين البلدين"، وهذه الدول الأربع تخطط لعقد اجتماع على مستوى نواب وزراء الخارجية في هذا الإطار، وإذا لزم الأمر، سيعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، هذا ما جاء على لسان كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، كما أعلن "ميخائيل بوغدانوف"، نائب وزير خارجية روسيا والمبعوث الخاص لرئيس هذا البلد لشؤون غرب آسيا، في وقت سابق، أن دبلوماسيي إيران وتركيا وروسيا وسوريا سيلتقون في 21 حزيران (يونيو) في أستانا، عاصمة كازاخستان، وتعتبر دمشق أن "الحل السياسي هو السبيل الوحيد للخروج" من الأزمة"، وتؤكد في الوقت ذاته على ضرورة "القضاء على الإرهابيين"، وتلوّح تركيا منذ أيار/مايو الفائت بشنّ هجوم على منطقتين تحت سيطرة المقاتلين الأكراد في شمال سوريا، وتؤكد أنها "ستواصل قتالها ضد الإرهاب في الميدان في سوريا"، بموازاة جهودها للتوصل الى حل سياسيّ.
خفض التصعيد بين البلدين
"إن الوساطة بين دمشق وأنقرة لخفض التصعيد من أجندات هذا الاجتماع"، هذا ما قاله بوغدانوف الذي أعرب عن أمله في أن تنجح، حيث تدور معلومات متكررة حول رغبة روسيا في مصالحة الطرفين، وهي رغبة لا تنتهي بعقد لقاء بين أردوغان ونظيره السوري بشار الأسد، وتم الاتفاق في موسكو على عقده بعد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية، وتم تأجيله لكن الخيار لا يزال مطروحاً على الطاولة، وموسكو تريد من سوريا وتركيا إقامة علاقات سريعة وتكتيكية واستراتيجية، ومن الواضح أن الروس يعولون على تفهم وخبرة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وهو أبرز ممثل لنخب البلاد بشأن القضية السورية، وعلى تسريع عملية المفاوضات الجوهرية، التي قد تنتهي بدرجة من الانفتاح والتقارب، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تحول إقليمي كامل، وتجاوز المستوى الأمني واستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بل أكثر من ذلك، يمكن أن يؤدي إلى اتفاق استراتيجي بين أنقرة ودمشق حول القضايا العالقة، مثل فتح المعابر، وأمن الحدود، وموقف سوريا من الأكراد.
إضافة إلى ذلك، لا يريد الروس ولا الأتراك أن يكون اللقاء المقبل بين الأسد وأردوغان مجرد لقاء بروتوكولي، لكن مصادر ومعلومات روسية مقربة من هاكان فيدان تقول إنها تريد أن يكون هذا الاجتماع أكثر من مجرد مصافحة أمام وسائل الإعلام، ويبدو أن رغبة هاكان تتماشى مع إصرار روسيا، وقد قرر مجلس الأمن القومي التركي مؤخرًا تعيين إبراهيم كالين، رئيس جهاز المخابرات الوطنية، وهاكان وكيلًا مفوضًا للعلاقات مع سوريا في أقرب وقت ممكن، وعلى الرغم من أن تفويض الصلاحيات هذا إجراء شكلي، لكنه قانوني وسياسي وعميق، والهدف من هذين الوزيرين حل المشاكل القابلة للحل مع سوريا بشكل أسرع.
ومن الجدير بالذكر أنّه فيما يتعلق بالسياسة التدريجية التي تمت مناقشتها بعد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، يقدم هاكان فلسفة دبلوماسية جديدة في إدارة ملف العلاقات مع سوريا ويتحدث عن حقيقة أنه بعد إرساء الخطوة الأولى، فإن الخطوة التالية هي: إزالة القضية التي تتطلب فترة من المفاوضات، والتي على الرغم من إحراز تقدم كبير تحت إشراف روسيا وإيران، لم تنته بعد، ومع ذلك، لا تريد تركيا تزويد الجميع بكل التفاصيل حول علاقاتها مع سوريا، لكنها تحاول الحفاظ على العلاقات الثنائية والمعقدة الخاصة بهاتين الجارتين وحدودهما الملتهبة ومشاكلهما.
ولطالما كانت العلاقات بين سوريا وتركيا متوترة منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، ودعم أنقرة للمعارضة السورية، وتدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا، حاول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إحياء العلاقات بين دمشق وأنقرة إلى حد ما، والاجتماع بالرئيس السوري بشار الأسد قبل إجراء الانتخابات الرئاسية لهذا البلد في نيسان / أبريل، لكن الحكومة السورية لم تسمح بلقاء الزعيمين قبل انسحاب قوات الجيش التركي من سوريا، ومنذ عام 2016، شنت تركيا موجة من الهجمات ضد سوريا، استهدفت الميليشيات الكردية وعناصر داعش والجيش السوري، وفي السنوات الأخيرة، استخدمت روسيا وتركيا وإيران عملية تسمى "عملية أستانا للسلام" لبحث القضية السورية من أجل حل الأزمة في سوريا سياسيًا، وتنعقد الجولة الجديدة من اجتماع أستانا في وضع كادت فيه الحرب في سوريا أن تنتهي لصالح الحكومة، وعادت دمشق إلى هذه المنظمة بدعوة من جامعة الدول العربية، وتحاول الدول العربية إعادة إقامة علاقات دبلوماسية مع سوريا.
خلاصة القول، يتعيّن أن يكون هناك سلام دائم بين البلدين، وخاصة أن مسار أستانا موجود من أجل التوصل الى حلّ عبر الدبلوماسية والسياسة في سوريا، حيث إنّ التقارب بين سوريا وتركيا يعد سابقة في مجريات الأحداث السوريّة لأنّ الأخيرة كانت من أكثر الدول عدواناً على السوريين، كما مولت الجماعات الإرهابيّة هناك، وسعت بكل قوتها لإسقاط النظام الحاكم في البلاد، وبالطبع فشلت كل التحالفات السياسيّة والعسكريّة في مشاريعها التدميريّة، وهذا ما جعلهم اليوم يعودون إلى طريق الصواب، ومنطقتنا بلا شك بحاجة إلى نبذ كل الخلافات لبناء الاقتصادات، لأنّ العيش بسلام مرهون بسلام كل الدول في منطقتنا.