الوقت - بعد زيارة قادة طاجيكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان إلى طهران، سلكت أوزبكستان، العضو الوحيد المتبقي في المنطقة، طريق التكامل المتزايد، حيث وصل يوم الأحد الماضي شوكت ميرزاييف، رئيس هذا البلد، إلى طهران بعد توقف دام عشرين عامًا بدعوة من الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي، وناقش ميرزاييف مع رئيسي القضايا الثنائية والتطورات الإقليمية.
شدّد رئيسي في هذا الاجتماع على ضرورة إعداد خارطة طريق لتوسيع التعاون وتنفيذ التفاهمات بين إيران وأوزبكستان، ووصف حضور إيران القوي والناجح في المعرض الصناعي الدولي في طشقند، بأنه مؤشر على عزم طهران الجاد على تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية مع هذا البلد.
كما أشاد رئيسي بمضاعفة التبادل التجاري بين البلدين في الخطوة الأولى والتخطيط لزيادة حجمه إلى ثلاثة مليارات دولار، وفي إشارة إلى اتفاقية التجارة التفضيلية بين البلدين، طلب من الوزراء المعنيين من الجانبين الإعلان عن قائمة السلع للتعريفة التفضيلية بين البلدين خلال الأسبوعين المقبلين.
کما أشار رئيسي إلى أن إيران حولت التهديدات والعقوبات إلى فرصة للتقدم، وأكد استعداد إيران لنقل الخبرات في مختلف المجالات العلمية والاقتصادية إلى أوزبكستان.
وفي هذا الاجتماع، قال رئيس أوزبكستان أيضًا إن الفجوة الطويلة التي امتدت 20 عامًا لزيارة إيران، نتجت عن قلة الاهتمام والإهمال في الماضي لاستخدام القدرات المتبادلة بين البلدين.
وفي إشارة إلى أن أوزبكستان بحاجة إلى تجارب إيران الناجحة في طريق التقدم، شدّد على اهتمام بلاده بتطوير التعاون مع جمهورية إيران الإسلامية، في مجالات العلوم والتكنولوجيا والنقل والبنية التحتية للطاقة والطب والزراعة، داعياً الشركات الإيرانية ونشطاء القطاع الخاص الإيراني للمشاركة في المشاريع الاقتصادية الأوزبكية.
کما شهد اجتماع مسؤولي إيران وأوزبكستان التوقيع علی اتفاقية التجارة التفضيلية، النقل والعبور، التعاون الصيدلاني، برنامج التعاون في مجالات المعايير والتأمين، والبحث في إمكانية إنشاء مناطق حرة مشتركة، والبرنامج التنفيذي للتعاون في مجال التكنولوجيا والابتكار، والبرنامج التنفيذي للتعاون في القطاع الزراعي، ما يشير إلی أفق واضح لتطور العلاقات التجارية.
وتأتي زيارة ميرزاييف إلی طهران بينما سافر الرئيس الإيراني إلى أوزبكستان في 23 سبتمبر من العام الماضي، للمشاركة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون. وفي ذلك الوقت، تم توقيع 17 وثيقة تعاون بين طهران وطشقند في مجالات الرياضة والثقافة والطاقة والزراعة والصناعة.
التجارة بين طهران وطشقند آخذة في الارتفاع
على الرغم من إهمال الحكومات الإيرانية السابقة في دخول سوق آسيا الوسطى المزدهر، وفُقدت فرصاً مهمة أمام طهران لاستغلال فوائد التعاون مع هذه المنطقة، لكن الحكومة الإيرانية الثالثة عشرة اتخذت خطوات للتعويض عن أوجه القصور الماضية، من خلال إعطاء الأولوية للتجارة مع الجيران.
في العقود الثلاثة الماضية، كانت إيران أحد الموردين الرئيسيين لبعض سلع هذه الجمهوريات. وأهم البضائع التي تم تصديرها إلى أوزبكستان حسب البيان الجمركي الإيراني، تشمل الأسمنت ومواد البناء والبلاط والسيراميك، والمنشآت المدنية والإنشائية والمنظفات والمنتجات البتروكيماوية، وجميع أنواع الدهانات والمنتجات الزراعية بما في ذلك منتجات الألبان، مسحوق الحليب الصناعي والتمور والفستق والتفاح والبرتقال والكيوي والشاي وطعام الحيوانات المائية، وبفضل الاتفاقيات الموقعة في مختلف المجالات بين طهران وطشقند، ستسرع عملية التصدير إلى أوزبكستان.
وعلى الرغم من تحركات أمريكا لإبعاد جمهوريات آسيا الوسطى عن الشراكة السياسية والاقتصادية مع إيران، فقد أدرك الأوزبك دور إيران ومكانتها في الاقتصاد الإقليمي والعالمي، من خلال فهم المتغيرات والتطورات التي حدثت على الساحة العالمية، وبالتالي فهم يحاولون تطوير علاقاتهم التجارية مع طهران.
يمكن لإيران تقديم العديد من الخدمات للأوزبك، بسبب قدراتها في المجالات الاقتصادية والطاقة والنقل والشؤون الفنية والهندسية. بعد تركمانستان، تعدّ أوزبكستان أكبر شريك تجاري لإيران في آسيا الوسطى، وباتت هذه التفاعلات على منحدر تصاعدي في الحكومة الإيرانية الثالثة عشرة.
ووفقًا لغلام رضا شافعي، رئيس غرفة التجارة الإيرانية، فإن مستوى العلاقات بين إيران وأوزبكستان يتطور، ومن المتوقع أن يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين بنهاية عام 2023 إلى مليار دولار بينما يبلغ حالياً 400 مليون دولار، وهو ما يظهر زيادةً بنسبة تزيد على 100٪. وحسب الإحصائيات الرسمية، بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين في الربع الأول من العام الجاري 113 مليون دولار فقط.
حالياً، تعمل 397 شركة برأسمال مستثمرين إيرانيين في أوزبكستان، بما في ذلك 212 شركة مشتركة و 185 شركة برأسمال إيراني 100٪، وقد نما مستوى التفاعلات عدة مرات خلال رئاسة ميرزاييف. ووفقاً للتقارير، يتم حل مهمة تعميق التعاون الصناعي بين رجال الأعمال في أوزبكستان وإيران.
تعتبر القطاعات الزراعية والصناعية وإدارة الموارد المائية وإنتاج مواد البناء والتعدين وبناء الآلات والصناعات الخفيفة والطب، من المجالات ذات الأولوية في هذا المجال. من ناحية أخرى، تحتاج أوزبكستان إلى موارد النفط والغاز لتطوير اقتصادها، ويمكن لإيران توفير جزء كبير من احتياجات أوزبكستان نظرًا لقدراتها في مجال الطاقة.
كما أن القواسم التاريخية والثقافية المشتركة بين إيران وأوزبكستان تساعد على توسيع التعاون الثقافي، وحاليًا يُظهر إقامة المهرجانات الثقافية والحرفية في أوزبكستان، حيث يتواجد النشطاء الإيرانيون على نطاق واسع، تقوية العلاقات في هذا المجال.
آمال أوزبكستان في ممرات إيران
تبحث أوزبكستان، التي لديها أضعف اقتصاد وأكبر عدد من السكان بين جمهوريات آسيا الوسطى، مثل البلدان المجاورة الأخرى، عن طرق للخروج من قيودها الإقليمية حتى تتمكن من الوصول إلى المياه المفتوحة.
كما تأثرت أوزبكستان بشدة من تداعيات الحرب في أوكرانيا، وتحاول الاستفادة من ممر الشمال-الجنوب الإيراني وتطوير تجارتها مع مناطق أخرى من العالم.
إن أهم مجالات التعاون بين إيران وآسيا الوسطى هو النقل والسكك الحديدية، والذي ظل على جدول الأعمال لسنوات، ومع تطوير ممر الشمال-الجنوب، ستتمكن بلدان آسيا الوسطى غير الساحلية من الوصول إلى الأسواق العالمية، من خلال أقصر طريق وفي أقصر وقت ممكن.
إن بلدان آسيا الوسطى، التي كانت تبحث دائمًا عن فرصة للتخلص من القيود الجيوسياسية، ستتابع بجدية تنفيذ وتطوير ممر الشمال-الجنوب بعد أزمة أوكرانيا. ولذلك، تعتبر موانئ إيران الجنوبية في الخليج الفارسي والمحيط الهندي ذات أهمية استراتيجية لأوزبكستان، التي لا تمتلك منفذًا إلى البحار المفتوحة، ولهذا السبب تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع إيران.
وإضافة إلى العلاقات الثنائية، أدت عضوية أوزبكستان وإيران في منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة التعاون الاقتصادي وغيرها من المنظمات، إلى تحسين مستوى العلاقات بين الجانبين في إطار التحالفات الإقليمية.
لإيران وأوزبكستان أيضًا أهداف مشتركة في القضايا الإقليمية، وهو الأمر الذي يقود الجانبين إلى مزيد من التقارب. حيث يشعر البلدان بقلق بالغ إزاء حالة عدم الاستقرار السياسي التي بدأت قبل عامين في أفغانستان، واستضافا خلال هذه الفترة اجتماعات إقليمية لإنهاء هذه الأزمة.
کما أعربت طهران وطشقند عن قلقهما من انتشار حالة انعدام الأمن في أفغانستان إلى حدودهما، وتحاولان التعامل مع ظاهرة الإرهاب التي تهدد المنطقة أكثر من أي وقت مضى.
کذلك، للجانبين مخاوف مشتركة فيما يتعلق بالنزاعات الإقليمية بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا في ناغورنو كاراباخ. تعارض إيران سياسة التغييرات الجيوسياسية في القوقاز التي تنتهجها حكومة باكو، وأوزبكستان قلقة من تصاعد التوترات بسبب تقاربها اللغوي مع أذربيجان.
يذكر أن أوزبكستان جزء من مشروع "العالم التركي" للرئيس التركي، والذي سيمتد من تركيا إلى آسيا الوسطى، وسيؤدي اشتعال منطقة القوقاز إلى تعطيل تنفيذ هذه الخطة، ولذلك تحاول سلطات طهران وطشقند إطفاء نيران الحرب في القوقاز.
لا شك أن زيارة شوكت ميرزاييف لطهران ستحدث نقلةً كبيرةً في العلاقات بين البلدين وتعمق التعاون في مختلف المجالات، واستراتيجية "التوجه شرقاً" للحكومة الإيرانية الثالثة عشرة، والاجتماعات العديدة للمسؤولين الإيرانيين وآسيا الوسطى، ستحوِّل كلا الجانبين إلى لاعبين فاعلين ومؤثرين في التطورات العالمية، وخاصةً في مجال الترانزيت والنقل.