الوقت - كشفت السلطات القضائية الفرنسية ملابسات قضية وقعت بين عامي 2017 و2018، تتعلق بجماعة يمينية متطرفة كانت تحاول استهداف المسلمين.
ووفقاً لوكالة "فرانس برس"، فقد طلبت النيابة الفرنسية لمكافحة الإرهاب محاكمة (13) رجلاً و(3) نساء، يشتبه في تخطيطهم لأعمال عنف تستهدف مسلمين، منها هجمات على المساجد أو تسميم الطعام الحلال.
ويشير مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب إلى أنّه يريد أن يحاكم هؤلاء الأعضاء الـ (16) من مجموعة "عمل القوات العملانية" السرّية التي أسسها شرطي سابق، أمام محكمة جنائية بتهمة الانتماء لشبكة إرهابية.
ويعود القرار النهائي إلى قاضي التحقيق المسؤول عن هذا الملف، الذي يعكس تنامي التهديد الإرهابي من اليمين المتطرف بقوة في فرنسا.
وتتراوح أعمار المتهمين في هذه القضية بين (37 و74) عاماً، وهم من خلفيات اجتماعية متنوعة. ويشتبه في أنّ المشتبه بهم الـ (16)، بدرجات متفاوتة، أتوا بأسلحة أو شاركوا في تصنيع متفجرات أو استطلاع مساجد لشنّ هجمات، كما يمكن أن يكونوا قد خططوا لاستخدام نساء المجموعة لتسميم الطعام الحلال في متجر كبير بمكوّن من سمّ الفئران، إضافة إلى استهداف عدد من الأئمة.
وتمكن التحقيق في القضية من التقدّم بفضل شرطي متخفٍّ شارك في عدة اجتماعات تحضيرية. والعديد من المشتبه بهم لديهم خلفية عسكرية، ومن بين مهنهم السابقة أو الحالية هناك تاجر أثريات، ودبلوماسي معتمد في السفارة الفرنسية لدى السلفادور، ومتلقي اتصالات هاتفية ليلاً، ومستشار موارد بشرية، وصاحب مطعم، ومحاسب، وعاطل عن العمل، ومعلم في مدرسة ثانوية.
وعُثر على أسلحة نارية وآلاف الذخائر أثناء عمليات مداهمة في منازل المشتبه بهم، بما في ذلك العناصر المستخدمة في تصنيع متفجرات من نوع (تي إي تي بي).
ومؤخرا ذكرت صحيفة "ميديا بارت" الفرنسية أن أجهزة الاستخبارات في مونبلييه وتولوز طلبت من العشرات من مديري المدارس الإبلاغ عن عدد الغائبين خلال عيد الفطر.
وأضافت الصحيفة إن عشرات المدارس في منطقة مونبلييه وتولوز، تلقت طلباً في أبريل الماضي يثير التساؤلات، إذ طُلب منهم في رسائل إحصاء عدد الغائبين في يوم عيد الفطر، وهو عيد إسلامي صادف يوم 21 أبريل.
وتابعت: "في تولوز، أُرسل بريد إلكتروني في 26 أبريل 2023 إلى نحو 100 مدير مدرسة"، حيث استهدف هذا البريد المدارس الثانوية والكليات وكذلك الابتدائية ورياض الأطفال.
وأوضحت أن أجهزة الاستخبارات "تريد إحصاء عدد الطلاب المسلمين في المدارس"، مضيفة إنه "يمكن رؤية أن هناك شكلاً من أشكال الاستهداف الديني لسكان معينين.. إنها ممارسة تسيء إلى فرنسا كثيرا".
وقالت الصحيفة إن هذا الطلب "بقدر ما يأتي من أجهزة الاستخبارات، فإنه يفترض أنه يربط بين ممارسة الدين والأمن الداخلي، مستهدفاً المجتمع المسلم”، ما يعني أن ارتفاع أعدادهم، وفق الاستخبارات، هو هجوم حقيقي على العلمانية.
ويشكل المسلمون 10% من سكان فرنسا، وتُعد فرنسا من أكبر الدول الأوروبية من حيث حجم الجالية المسلمة، التي تحولت في هذا البلد الأوروبي إلى أحد أبرز الملفات خلال السنوات الأخيرة، لما تعرضت له من استهداف ممنهج بسبب تنامي خطاب الكراهية وحزمة القرارات والإجراءات التي اتخذها الرئيس إيمانويل ماكرون ضدهم.
ويقول الناشط الحقوقي ياسر لواتي المقيم في باريس: "إذا كنت فرنسيا مسلما يبحث عن وظيفة، فمن المرجح أن تواجه التمييز خمس مرات أكثر من غير المسلم".
ويضيف لواتي وهو أيضا محلل سياسي: "أما المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب، ففرص حصولهن على عمل لا تزيد على واحد بالمئة".
ويردف: "إذا تقدمت بطلب للحصول على سكن، فالأمر يستغرق ضعف الوقت الاعتيادي، لأنه تم وصمك على أنك إما إفريقي أو شمال إفريقي أو مسلم". ويتابع لواتي: "إذا كنت شابا مسلما في فرنسا، فإن وحشية الشرطة تستهدفك أولا".
ويشير إلى أنه على "المسلم أن يكافح كل يوم، حتى لو كان لديه حقوق على الورق، فلن يتم منحها له أبدا".
ويلفت لواتي إلى أن إعادة انتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2022 "لم تكن أخبارا جيدة للمسلمين وللفرنسيين عامة".
ويوضح أن ماكرون "فشل بمعالجة الفقر والفساد والتمييز، وبدلا من التركيز على السياسات الاجتماعية والاقتصادية اعتمد في حملته الرئاسية على سياسات الهوية".
ويضيف: "لقد جعل ماكرون أساس ولايته الثانية حول تأديب المسلمين بالأدوات المناسبة والمتطرفة".
ويرى أن "هذا يعني أن الرئيس الفرنسي يمكنه إغلاق أي منظمة دون الذهاب إلى المحكمة، ويمكنه تجريم الباحثين إذا تحدثوا عن الإسلاموفوبيا".
بدوره يشير عبد النور تومي، الخبير بمركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام) ، إلى أن فترة ولاية ماكرون "قطعت العلاقات بين الدولة والمسلمين".
ويضيف تومي: "مع الأسف، أضر ماكرون سياسيا وبشكل كبير بالعلاقة بين المسلمين وفرنسا بشكل عام".
ولا تزال عقلية المسلمين في فرنسا رهينة لحالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة بعد الهجمات الإرهابية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 وأودت بحياة 130 شخصا.
ويرى خبراء أن قانون "مناهضة الانفصالية" الذي قدمته الحكومة عام 2021 "يعيق بشكل منهجي الحرية الدينية والممارسات الإسلامية". وقال لواتي إن "تجريم المسلمين مستمر، ما دام قانون مناهضة الانفصالية ساريا".
على ما يبدو إن هذه الإجراءات الفرنسية تطرح في سياق التصدي لمعاداة الإسلام، لكن يوما بعد آخر، يواجه المسلمون في فرنسا المزيد من التحديات التي تجعل حياتهم أكثر صعوبة مع وجود التمييز والعنصرية والعنف.
وغالبا ما تصنف فرنسا في تقرير الإسلاموفوبيا في أوروبا، واحدة من أكثر الدول معاداة للإسلام.