الوقت_ مؤخراً، قامت سوريا بتعيين حسام الدين آلا مندوباً جديداً لدى جامعة الدول العربية، وذلك بعد استعادة مقعدها في مطلع أيار/مايو الجاري، وكان الرئيس السوري بشار الأسد، قد أصدر في شباط/فبراير الماضي، مرسوماً بتعيين السفير آلا معاوناً لوزير الخارجية للشؤون الأوروبية والمنظمات الدولية، عقب قطيعة عربية استمرت 12 عاماً على خلفية الأزمة التي عصفت بالبلاد ومن ثم تحولت إلى نزاع إقليميّ ودوليّ دام بحق هذا البلد وأبنائه، وذلك نتيجة موافقة سوريا على الحد من تجارة المخدرات وإنهاء تهريب المخدرات عبر حدودها مع الأردن والعراق، ما يعني أنّ العرب وضعوا خارطة طريق لإنهاء الصراع السوري المستمر منذ سنوات طويلة، حيث تتقارب العلاقات العربية مع دمشق بقوّة، وهذه الخطوات تمثل محاولة حقيقية من قبل تلك الدول لإعادة بناء العلاقات مع الدولة التي مزقتها الحرب، حيث إن دول الشرق الأوسط تركز الآن على إعادة بناء اقتصاداتها بعد سنوات من الصراع والفوضى التي خلفتها القوى الخارجية، بما في ذلك فشل المعارضة في سوريا في تقديم بديل قابل للتطبيق لحكومة الأسد، وباعتبار أن القوى الخارجية خلقت الكثير من الفوضى في الشرق الأوسط، تحاول دول الشرق الأوسط في فضائها الخاص وبوسائلها الخاصة بناء اقتصاداتها، فالحوار مع دمشق بات ضروريًا لمعالجة القضايا الإنسانية وعودة اللاجئين، ناهيك عن التأثير المهم لسوريا إقليميّاً.
علاقات متصاعدة مع سوريا
يجب التذكير بأن حسام الدين آلا شغل منصب سفير سوريا لدى إسبانيا، ثم أصبح دبلوماسياً في بعثة بلاده بالأمم المتحدة، وكان قبل ذلك مديراً لمكتب وزير الخارجية الحالي فيصل المقداد، ما يعني أن مشاركة الوفود الممثلة للحكومة السورية في اجتماعات الجامعة العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها بعد تعليق عضويتها لمدة طويلة بات في بداية صعود قوي، وقدأسهبت وزارة الخارجية السورية ووسائل الإعلام المحلية في الحديث عن أهمية التعاون العربي المشترك موضحين أنّ المرحلة المقبلة تتطلب نهجاً عربيا فاعلا وبناءاً يستند إلى قاعدة الحوار والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة للأمة العربية، وتتابع دمشق التوجهات والتفاعلات الإيجابية التي تجري حالياً في المنطقة العربية، وفي هذا الإطار تلقت باهتمام قرار الجامعة، التي تعد سوريا عضواً مؤسساً فيها.
ونعلم جميعاً أن سوريا استعادت عضويتها في جامعة الدول العربية، مطلع أيار/مايو، بعد أنّ وافق وزراء خارجية الدول العربية في اجتماع استثنائي على ذلك، في ظل الحديث عن أنّ المساعدات الإنسانية ستصل "لكل من يحتاجها في سوريا"، ويجري النقاش حول كيفية تطبيع العلاقات مع سوريا في إطار تسوية سياسية لحربها التي مزقت البلاد وقسمتها، وإنّ الأنباء تلك هي الأهم من نوعها بين الحكومة السورية والدول العربية منذ قرار تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في 2011 بعد بدء الأزمة في البلاد، بما ينعكس إيجاباً على العودة الطوعية لملايين النازحين السوريين إلى ديارهم وتنسيق الجهود لمكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية، مع تأكيد وزراء الخارجية العرب حرصهم على إطلاق دور عربي قيادي في جهود حل الأزمة في سورية وانعكاساتها.
ويبدو أن موقف دمشق إيجابيّ تجاه اتخاذ الخطوات اللازمة لانهاء التهريب على الحدود مع الاردن والعراق والعمل لتحديد من ينتج وينقل المخدرات الى هذين البلدين، ويجب أن تكون هناك خطوات على الأرض تؤدي إلى تحسين الواقع الذي تعيشه سوريا والسوريون، وخاصة أن انخراط سوريا مع الدول العربية بشكل مشترك في خارطة الطريق خطوة بخطوة يؤدي إلى إنهاء الصراع، ومعالجة قضايا اللاجئين والمحتجزين وتهريب المخدرات وغير ذلك وكلها قضايا تؤثر على جيرانها، وبالتالي إن عودة سوريا بقوة إلى الجامعة العربية مهمة للغاية باعتبارها موافقة مبدئية من دمشق على التفاوض بشأن خطة سلام، بينما تحاول الدول العربية والدول الأكثر تأثراً بالصراع التوصل إلى إجماع حول وتيرة تحسين العلاقات مع الأسد عقب حضوره قمة الجامعة العربية.
وحاليّاً، يدور الإجماع العربيّ على دعم سوريا ومؤسساتها في أي جهود مشروعة لبسط سيطرتها على أراضيها، بعد أن أودت الحرب المستمرة بحياة أكثر من نصف مليون شخص وشرّدت أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، وتحولت الأراضي السورية إلى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية، في انتصار دبلوماسيّ كبير لدمشق وانتهاء كاملاً لعزلة سوريا وبشكل رسميّ، وخاصة أن غالبية الدول العربية أيدت عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة، من دون رفض أو تحفّظ، لتشارك فيما بعد في القمة العربية التي عقدت في 19 أيار/مايو الجاري، في السعودية.
نتائج مهمة ومؤثرة
بعد أن دخلت الحرب في سوريا عامها الثاني عشر، في ظل أوضاع معيشيّة واقتصاديّة مأساويّة لا يمكن وصفها إلا بـ "حرب لقمة العيش"، تقود بعض العواصم العربية مساع دبلوماسيّة كبيرة عبر أكثر من بوابة بنتائج نالت أصداءً ربما تكون مبشرة قليلاً لدى الشارع السوريّ المُنهك من الغلاء الفاحش والفساد والعقوبات التي تستهدف حياته وصحته ولقمة عيشه بشكل مباشر، وسط حديث عن آمال بقرب تسويّة ومفاجآت سياسيّة، ربما تضع حداً للحرب على البلاد بعد أن تحمل السوريون الكثير من المآسي في واحدة من أشد الحروب الدمويّة التي مرت عليهم.
وعقب عودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة، تتحرك العثرات أمام الحل السلميّ والسياسيّ، وإنَ توجه الدبلوماسيّة العربية تنشط بقوة لبحث قضايا المنطقة، وبالأخص الملف السوري، بما يوحي باتفاق دوليّ، سيمر عبر "بوابة عربية"، بما يُظهر رغبة عربية بدعم سوريا التي أصبحت عضواً كامل العضويّة في المجتمع الدوليّ وأن تعود بقوة إلى الأسرة العربيّة، وبالتالي استعادة مكانة سوريا المرموقة في جامعة الدول العربية، حيث إنّ العاصمة السورية كانت ومازالت من ركائز العمل العربيّ المشترك.
وعقب التركيز من أهم الدول العربية على حماية الأمن القوميّ العربيّ، ومواجهة التدخلات الخارجيّة في المنطقة، بالاستناد إلى ضرورة التعاون الإقليميّ لبدء مسار عودة سوريا إلى محيطها، وخاصة أنّ من الأدوار المهمة لعودة سوريا هو أن تعود إلى ألقها في الجامعة العربية، وهذا يتطلب جهداً أيضا من الجانب السوريّ كما يتطلب جهداً من المسؤولين العرب ودول الجامعة العربيّة، وأنّ الأمر يتعلق بمصلحة سوريا والمنطقة، ولا يمكن سوى العمل على عودة سوريا كما كانت في السابق إلى محيطها.
كل هذا، يؤثر بطبيعة الحال على ما يُسمى "العمل العربيّ المشترك" إيجاباً، ما يعطي الجامعة صبغة أكثر تماسكاً وانسجاماً في هذا الموقف، في ظل الضعف الكبير للدور العربيّ في إيجاد حلول سياسيّة للأوضاع المتأزمة منذ سنوات طويلة، ولا بد للدول العربيّة أن يكون لها تدخل ايجابيّ واضح في هذا الملف، وأن توفر مظلة عربية جيدة لسوريا بما يمكّنها من تجاوز عثرتها الحالية، وخاصة أنّ الملف السوري من الملفات الأكثر تعقيداَ بالمنطقة، بالنظر إلى تواجد قوات عسكريّة لعدّة دول على أراضيها، ويجب التكاتف لمساعدتها، وإن عودة سوريا بقوة إلى مقعدها بالجامعة العربية لاحتلال مقعدها الطبيعيّ باعتبارها من الدول المؤسسة للجامعة، ما يعود بالنفع على تكامل التعاون بين الدول العربيّة وتضافر الجهود لدعم العمل العربيّ المشترك، لأنّ عودة سوريا لممارسة دورها السابق سينعكس بأهميّة على العالم العربي بأكمله، كما أن لذلك انعكاسات إيجابية بإحياء فكرة النظام الإقليميّ العربيّ في مواجهة النظام شرق الأوسطي التي تدعو إليه بعض الدول الأخرى.
وإنّ عودة سوريا بدبلوماسيّ رفيع إلى الجامعة العربية مهمٌة للغاية في الدفاع عن مصالح الدول العربية وزيادة تضامنها وتعاونها في مختلف المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، إضافة إلى التحرر من السيطرة الأجنبيّة وتحقيق الوحدة بين الدول الأعضاء، وإن تطبيق ذلك يحول الشرق الأوسط إلى منطقة تتشكل من خلال الدبلوماسية الإقليمية وليس التطورات الدولية، وإن تواصل الدول العربية بقوة مع الرئيس بشار الأسد جزء من ذلك، لكن ما يجري ضروري للغاية وقد أنهى عزلة سوريا، كما أنّ رفض بعض الدول العربية المحدودة إقامة علاقات مع دمشق هو مؤقت وظاهريّ فقط.
نتيجة لكل ذلك، يُظهر التحرك السوري السريع أن سوريا تعول على عودتها وتريد أن تكون أكثر فاعلية، وبالتأكيد مع هذا الوجود ستصبح سوريا لاعباً مهماً في جامعة الدول العربية، حيث تحتاج المنطقة اليوم إلى مثل هذه الدول المؤسسة والمحوريّة، على الرغم من آثار الدمار المتعدد الأوجه الذي سببته الحرب، وباعتبار أنّ سوريا أصبحت ساحة للصراع الإقليميّ والدوليّ، تحتاج إلى مزيد من الجهد العربيّ لإعادتها إلى دورها المحوريّ السابق، فميثاق "جامعة الدول العربيّة" ينص في بعض جوانبه على ميثاق الدفاع المشترك والتعاون الاقتصاديّ، بالتزامن مع الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بالبلاد بعد كل هذا الاستنزاف الاقتصاديّ للدولة السورية، وبعيداً عن الحالة العسكريّة المعقدة بشكل كبير، تحتاج سوريا إلى تضافر الجهود العربيّة لاستقرار الوضع الاقتصاديّ وتجنيبها المزيد من الانحدار والويلات لشعبها، فضلاً عن ضرورة تفعيل العمل الإنسانيّ لإنقاذ الشعب السوريّ، حيث تحتاج سوريا أكثر من أي وقت مضى إلى تفعيل هذا الجانب الذي سيؤدي الى مواجهة تداعيات الحرب، التي لم تترك سعادة في أيّ منزل سوريّ، كما يقول السوريون.