الوقت- لم تكن مشاركة سوريا في القمة الأخيرة لرؤساء الدول العربية في السعودية شأنا عربيا فحسب، بل امتدت تداعيات هذا الحدث أيضا إلى الكيان الصهيوني الذي ادعى في السنوات الأخيرة أنه قريب من الدول العربية وسيتم تسريع التطبيع في المستقبل. في الواقع، أظهر ترحيب القادة العرب ببشار الأسد أن الواقع يبعد أميالاً عن أحلام الكيان الصهيوني. لكن في خضم اهتمام الصهاينة الخاص بالتأثيرات التي لا يمكن إنكارها لإحياء العلاقات بين سوريا والعالم العربي على المصالح والأمن القومي للكيان، لم يبد المحللون الصهاينة الآراء نفسها حول هذا الحدث.
يعتقد ايتمار ايشنر المحلل السياسي في صحيفة يديعوت احرونوت ان "اسرائيل تتابع عودة سوريا الى الجامعة العربية بحذر شديد، لأنه جرت مؤخرا مناقشات مهمة حولها في الاجهزة الامنية لهذا الكيان ومع وزير الدفاع يوآف جالانت وقائد الجيش، وقال إن ترحيب الجامعة العربية بعودة سوريا بأذرع مفتوحة هو فشل أخلاقي غير مسبوق.
وقال في تقرير: إن عودة سوريا إلى الجامعة العربية جاءت بعد انفتاح العلاقات بين السعودية وإيران وتقارب السعودية مع تركيا، لكن كبار المسؤولين الإسرائيليين يرون أن هذه التطورات ليست بالضرورة سلبية [لمصالح الكيان] لأنه لا يزال من السابق لأوانه إجراء مثل هذا التقييم. يؤكد هذا التقرير أن مسؤولي الكيان يعتقدون أن الاتفاق بين إيران والسعودية ينصب على الحرب في اليمن، ومصلحة إسرائيل هي عدم تصعيد هذه الحرب وعدم تحويل اليمن إلى مصدر تهديد آخر للكيان.
من ناحية أخرى، يطرح هذا المحلل الصهيوني سؤالاً حول توجهات الأسد بعد إعادة بناء العلاقات مع الدول العربية، وينتقد هذه النظرة المتفائلة للغاية لدى بعض المسؤولين والمحللين الذين يأملون أنه من خلال تعزيز أسس شرعية الأسد الإقليمية والدولية، فإنه سيتحرك باتجاه تقليص اعتماده على إيران وحزب الله (يتحرك بعيداً عن المقاومة). على سبيل المثال، يعتقد روي كيس، مراسل الشؤون العربية في تلفزيون كان إسرائيل، أن نهج بشار الأسد، رئيس سوريا ودول الخليج الفارسي، قد يمنحه فرصة لتغيير سياساته.
يعتقد كارميت فالنسي، رئيس برنامج "نورثرن أرينا" في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، أن الترحيب بعودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى المجتمع العربي قد يكون بمثابة آلية للحد من نفوذ إيران في سوريا على المدى الطويل.. وقال إن ذلك قد يقلل من الحاجة إلى العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا. ويعتقد فالنسي أيضًا أن دفء العلاقات بين دول الخليج الفارسي وسوريا كان بسبب شكوكهم بشأن الولايات المتحدة. فإن دولا مثل السعودية "أصبحت لا تعتمد على أمريكا كقوة عظمى لإنقاذها من التهديدات الإقليمية. لذلك، يعتقدون أنه يجب عليهم التفاعل مع بعضهم البعض للحد من التهديدات الإقليمية.
لكن من ناحية أخرى، ينتقد إيشنر أولئك الذين يعتقدون في إسرائيل أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية ليست مهمة جدًا لمكانة هذا الكيان، ويرى أن هذه العودة يمكن أن تنجح على المدى الطويل فيما يسميه حرية إسرائيل في العمل (اعتداءات وضربات جوية) في سوريا. حيث سيجعل هذا الأمر صعبًا لأنه سيشكك في شرعية هذه الهجمات وسيؤدي إلى صراع وتوتر بين تل أبيب والعالم العربي، بل سيزيد من دافع سوريا لمواجهة الهجمات.
وأوضح: عودة سوريا إلى الجامعة العربية مرتبطة بالإجابة على السؤال عن مدى استعداد الأسد للاستمرار كمنصة لنقل منظومات الأسلحة الإيرانية إلى لبنان، ويبدو أن هذا ما سيفعله. في غضون ذلك تواصل إسرائيل هجماتها على سوريا في وضع غير مواتٍ لها، ويرافق استعادة دمشق للشرعية في العالم العربي رسائل واضحة من المجتمع الدولي ضد هذه الاعتداءات.
ساريت زهاوي، رئيسة مركز ألما للبحوث والتدريب وضابطة سابقة في إدارة المخابرات في الجيش الإسرائيلي، هي شخص آخر يقول إن "تطبيع العلاقات بين العالم العربي وسوريا لن يساعد في تقليص نفوذ إيران في سوريا. لأنه من وجهة نظر زهاوي "الاسد يفعل ما تفعله إيران في سوريا وهي ملتزمة".
كما يقول تسيفي باريل، محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، إن التقارب بين السعودية وإيران أدى إلى رسم "شرق أوسط جديد خارج خارطتهم للشرق الأوسط الجديد". في إشارة إلى نفوذ الصين المتنامي في المنطقة، ويعتقد هذا المحلل أن "التطور الجديد سينهي حلم إسرائيل بتحالف عربي دولي ضد إيران".
الغرض من هذه الصحيفة هو فشل الخطة الأمريكية الشهيرة المعروفة بـ الشرق الأوسط الجديد، والتي تم اقتراحها في عهد جورج بوش الابن بعد الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، بتشكيل شرق أوسط جديد بواقعيات جديدة لا تتعارض مع مصالح الكيان الصهيوني والغرب.
يصف معهد بروكينغز الشهير هذا الوضع على أن ما يُظهره الهيكل الأمني الناشئ في المنطقة هو كيفية استجابة الجهات الفاعلة الإقليمية للتغيرات الجيوسياسية الأوسع، ولا سيما الدور المتدهور للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والنظام الدولي متعدد الأقطاب الناشئ. وقد دفعت هذه التغييرات الدول العربية إلى تحمل نصيب أكبر من العبء الأمني في المنطقة وتقليص أولويات الولايات المتحدة في إدارة التهديدات الإقليمية. وهو موضوع زاد من إمكانية النظر إلى ما وراء الولايات المتحدة، بما في ذلك الصين، من أجل نزع فتيل النزاعات الإقليمية.