الوقت - كانت أهمية الاتفاقية التاريخية بين إيران والسعودية، من حيث أبعادها وآثارها، موضع تحليل وتساؤل من قبل العديد من المراكز العملية والبحثية الإقليمية والدولية خلال الشهرين الماضيين.
وفي هذا الصدد، قام معهد "أنديشه سازان نور" للدراسات الاستراتيجية بتسليط الضوء علی أبعاد وزوايا هذا التطور المهم في لقاء إعلامي. وخلال هذا الاجتماع الذي عقد يوم السبت الماضي في مبنى معهد "أنديشه سازان نور" للدراسات الاستراتيجية، تطرق الدكتور سعد الله زارعي رئيس هذا المعهد، بنظرة جديدة إلى القضايا المتعلقة بالاتفاق بين إيران والسعودية.
في بداية حديثه، وصف الدكتور زارعي إيران والسعودية من حيث الدين والتاريخ، وكذلك الموقع الجيوسياسي واحتياطيات الطاقة، بأنهما دولتان مهمتان في غرب آسيا والعالم الإسلامي، وقال إن دولتين تتمتعان بهذا المستوى من القدرات، إذا تم وضعهما في أجواء التعاون، فيمكنهما إحداث تغيير استراتيجي في المنطقة.
ما فصل السعودية عن إيران حتى الآن هو التدخل الأجنبي، وقد حاول الأمريكيون في العقود الأخيرة استخدام القدرة السياسية والاقتصادية للسعودية كأداة متضاربة في المنطقة، ولهذا السبب قاموا بتأجيج التوترات. لذلك، في معظم الملفات الإقليمية، لعبت السعودية دورًا مهمًا كطرف معادٍ.
واعتبر السيد زارعي أن الفكرة الشائعة بأن جميع التوترات في المنطقة مرتبطة بإيران والسعودية وأن المجموعات الأخرى تقاتل نيابةً عن البلدين، هي فکرة خاطئة، وأكد: هذا الموضوع غير صحيح، حيث إن السعودية لم تشارك في الاحتلال العسكري للعراق وأفغانستان من قبل أمريكا.
كما أن السعوديين لم يتدخلوا في الحروب التي دارت في فلسطين، وانحازت إيران إلى المظلومين في هذه الصراعات من منطلق رسالتها الدينية والثورية. وفيما يتعلق بالأزمة في سوريا أيضًا، على الرغم من أن بعض الجماعات تلقت دعمًا ماليًا وأسلحة من السعودية، لا يمكن القول إنها كانت تقاتل نيابةً عن السعوديين.
لا يقاتل الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني باسم إيران، بل يقاتلون الإرهابيين من أجل دعم شعب هذا البلد. لكن هذا المفهوم الخاطئ نشأ في المنطقة بأن أي توتر في المنطقة يحدث نيابةً عن إيران والسعودية. ولهذا السبب، عندما تم توقيع الاتفاق بين إيران والسعودية، توقع الكثيرون أنه بعد الاتفاق ستنتهي كل التوترات في المنطقة، لكن هذا ليس هو الحال.
ثم أشار السيد زارعي إلى الحرب في اليمن، والتي يعتبرها الكثيرون صراعًا بالوكالة بين إيران والسعودية، وقال: "الجمهورية الإسلامية ليس لها دور في هذه الحرب، والسعودية نفسها بدأت الحرب بمساعدة شركائها وغزت هذا البلد منذ أكثر من 8 سنوات، وسقط آلاف القتلى والجرحى. والآن يجب أن تكون السعودية مسؤولةً عن أفعالها وتدفع تعويضات لليمنيين، وهذه الحرب كانت أيضًا بين السعودية واليمنيين".
وشدد زارعي على أن الاتفاقات بين إيران والسعودية تشكلت بناءً على الاحتياجات، ولا يزال الاتصال بين مسؤولي البلدين مستمراً. وعلى عكس الماضي، عندما كانت المفاوضات تتعلق بالملف اليمني فقط، فإن العلاقات السياسية بين طهران والرياض مستمرة الآن وهي تعد بأجواء إيجابية، ومستوى العلاقات يعتمد على مدى تعاون البلدين في مسار محادثات.
السعوديون فهموا التطورات العالمية جيداً
وحول ما جرى من تطورات في تسريع الاتفاقية بين إيران والسعودية في الصين، قال السيد زارعي أيضاً: أصبح السعوديون يعتقدون أن الأوضاع في المنطقة والعالم تتغير، وإذا استمروا في سياسات الماضي، فسوف تتضرر مصالحهم.
وكانت إحدى هذه القضايا المهمة هي بناء الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب، وتوسيع التعاون الاقتصادي بين موسكو وطهران، فضلاً عن الإنجازات النسبية لروسيا في حرب أوكرانيا.
وكانت التطورات الداخلية في الأراضي المحتلة، وصعود أنصار الله إلى السلطة، واحتمال تكرار الهجمات الصاروخية على السعودية وعدم قدرتها علی الدفاع عن نفسها، من القضايا الأخرى التي أجبرت السعوديين على إعادة النظر في سياساتهم السابقة.
الأزمة في اليمن مرتبطة بالجانب السعودي واليمني
وبخصوص ما تتوقعه السعودية من إيران في قضية اليمن، والقول إن الجمهورية الإسلامية تبادلت اليمن بالاتفاق مع الرياض، قال السيد زارعي: هناك وجهة نظر مختلفة بين الجمهورية الإسلامية والآخرين، وهي أن إيران تعتقد أن الاستقلال والحرية والسيادة الوطنية يجب أن تكون موجودةً لجميع البلدان، وليس لأنفسنا فقط.
لا تتدخل الجمهورية الإسلامية إطلاقاً في الشؤون الداخلية للدول، وتدعم المظلومين فقط، ولا تسعى إلى النفوذ في أي دولة. لذلك، بناءً على التصورات الموجودة في المنطقة ضد إيران في دعم اليمنيين، تتوقع السعودية أن تتخذ طهران إجراءات في الشأن اليمني أيضًا. هذا على الرغم من حقيقة أن الجمهورية الإسلامية ليس لديها مصالح على الإطلاق في هذه القضية حتی تقدِّم ضمانات نيابةً عن اليمنيين، ولم يسمح اليمنيون لإيران بمواصلة المفاوضات نيابةً عنهم.
في مفاوضات بكين، أصرت إيران على حل قضية اليمن، ورفع السعوديون مطالب ردَّت عليها طهران منطقيًا. لقد أعلنت إيران ترحيبها بالحوار بين اليمنيين، وستدعم الاتفاقات بين السعوديين وحكومة صنعاء، وستدعم الحكومة التي سيتم تشكيلها في اليمن بالاتفاق العام. كما أنها تدعم أي إجراءات إنسانية تفيد اليمنيين، وهذا هو موقف الجمهورية الإسلامية الواضح ولن تدخل في هذا الملف أكثر.
لن يتغير شيء مع وصول ترامب
وحول ما إذا كانت هناك تغييرات في العلاقات بين السعودية وإيران إذا فاز دونالد ترامب، الرئيس السابق للولايات المتحدة، مرةً أخرى في انتخابات عام 2024، قال السيد زارعي: بالطبع، أخذت السعودية ومحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، في الحسبان احتمال أن يصبح ترامب رئيسًا للولايات المتحدة مرةً أخرى.
لأن السعوديين ساعدوا الجمهوريين دائمًا على الفوز، ولأن ابن سلمان يتوقع فوز الجمهوريين في الانتخابات القادمة، وعلى الرغم من هذا الاستنتاج، فقد تم التوصل إلى اتفاقات مع إيران، وبالتالي لا يمكن لترامب تغيير هذه المعادلات.
كان شعار ترامب أن أمريكا ليست الضامن لأمن الدول العربية، وإذا أراد العرب الدعم فعليهم أن يدفعوا ثمنه، ما يعني أن دعم ترامب لم يعد يشجع العرب. من ناحية أخرى، فإن الضعف العسكري الأمريكي الذي ظهر في السنوات الأخيرة لا يتعلق فقط بالديمقراطيين، ولكن بأمريكا بأكملها، مثلما تم إسقاط طائرة "غلوبال هوك" والهجوم على قاعدة عين الأسد في عهد ترامب.
لذلك، لن تكون هناك أحداث خاصة في التطورات الإقليمية، رغم أنه قد تكون هناك تغييرات في المشهد الفلسطيني ويزداد الضغط على الفلسطينيين، لكن بشكل عام لن يكون هناك أي تغييرات كبيرة.