الوقت - حكومة آل سعود، التي اشتهرت دائمًا بالتمييز ضد الأقليات الدينية وخاصةً الشيعة في العالم، في الأيام الأخيرة ومع إعدام عدد من المواطنين الشيعة، نشرت مرةً أخرى الخوف والقلق من بدء جولة جديدة من الضغوط والاعتقالات والإعدامات في نفوس المجتمع الشيعي السعودي.
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الداخلية السعودية، الاثنين الماضي، إعدام ثلاثة شبان من مدينة "القطيف" شرق هذا البلد. وحسب وزارة الداخلية السعودية، فإن هؤلاء الشبان الثلاثة من القطيف متهمون بالتدرب على العمل بالسلاح وصنع القنابل في ثكنات خارج هذا البلد، والانتماء إلى إحدى الجماعات المناهضة للسعودية، لكن مصادر المعارضة السعودية اعتبرت القضية سياسيةً بحتةً.
واستمرارًا لمزاعمهم، اتهم السعوديون هؤلاء الشباب الشيعة الثلاثة بجمع أسلحة وذخائر، ومحاولة إخراج مطلوبين في السعودية إلى خارج هذا البلد. وأعلنت وزارة الداخلية السعودية، الثلاثاء الماضي، إعدام شاب شيعي من المنطقة الشرقية الشيعية، وادعت أن هذا الشخص كان يتجسس لصالح دولة معادية.
السعودية، التي يحكمها هيكل سلطوي للغاية، تستخدم دائمًا أداة الاتهامات المتعلقة بالإرهاب للقضاء على المعارضة، ما تسبب في إثارة الشکوك من قبل السلطات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بشأن ادعاءات الحكومة.
المنطقة الشرقية للسعودية ذات أغلبية شيعية، وعادةً ما يتم اعتقال ومحاكمة سکانها لأسباب سياسية. هذه المنطقة، حيث توجد معظم موارد النفط في السعودية، مهمة جدًا للحكام السعوديين وقد حاولوا دائمًا إبقاء الشيعة تحت السيطرة.
وعلى الرغم من أن قادة الشيعة السعوديين لم يدعموا قط انتفاضة مسلحة ضد النظام السياسي الحاكم، من أجل تحقيق حقوق المواطنة والقضاء على التمييز السياسي والاقتصادي، ويؤکدون بشكل أساسي على النضال المدني، لكن الكثيرين يعتقدون أن تجذر الأفكار الوهابية في الجسم السياسي والاجتماعي وحتى في الحكومة، تسبب في وجود نظرة قمعية للمطالب المشروعة للشيعة.
يعتبر الفكر الوهابي الشيعة مرتدين وخارجين عن الدين، وأنه يجوز سفك دمائهم، وبهذه المعتقدات السلفية القاسية، تم إعدام مئات الشيعة الأبرياء في العقود الماضية.
وحسب التقارير، فإن قصة السجون والتعذيب الممنهج والاعتقالات القاسية والمحاكمات غير القانونية، هي جزء من الروتين الحالي لنهج الحكومة السعودية تجاه المواطنين الشيعة، والذي ينتهي عادةً بإعدامات علنية في الشوارع ودفن جثثهم في مقابر جماعية غير محددة.
وقد انتشرت عمليات الإعدام هذه على نطاق واسع، لدرجة أنه أثار حفيظة منظمات حقوق الإنسان الدولية. وفي هذا الإطار، أصدرت "المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان" بياناً، الثلاثاء الماضي، أعربت فيه عن قلقها إزاء تكرار إعدامات الأشخاص المعتقلين على خلفية قضايا حرية التعبير، وقالت إن هذه الإعدامات تظهر زيف ادعاء السلطات السعودية وإن عقوبة الإعدام تقتصر على الجرائم الخطيرة للغاية. وإعدام أربعة أشخاص من المتهمين بحرية التعبير، يضاعف هذا القلق.
الوضع السيء للشيعة في السعودية
منذ بداية ما سمي الربيع العربي في عام 2011، بدأ شيعة السعودية أيضًا احتجاجاتهم للتخلص من الوضع الاستبدادي في هذا البلد، لكن السعوديين قمعوا هذه الاحتجاجات بعنف واسع النطاق من أجل تثبيت الأسس الهشة لحكومتهم. كما تم اعتقال وسجن المئات من المتظاهرين الشيعة ورجال الدين، وتم إعدام بعضهم، وحكم على بعضهم بالسجن لفترات طويلة.
وعلى الرغم من أن الشيعة هم مواطنون سعوديون، إلا أنهم يعتبرون مواطنين من الدرجة الثالثة من وجهة نظر الحكومة، حتى أنهم محرومون من العديد من الحقوق الأساسية والمواطنة بسبب التمييز المنهجي.
نادرًا ما يتم توظيف الشيعة في السعودية في الوظائف الرسمية، كما أن فرص التواجد في مؤسسات مثل الشرطة والجيش والمؤسسات الأمنية والبلدية والمناصب الجامعية ونائب بسيط لرئيس مدرسة، محدودة للغاية بالنسبة للشيعة، وإذا تم توظيف شخص في مثل هذه المؤسسات، فستكون فرص ترقيته الوظيفية محدودةً للغاية.
كما يمنع الشيعة من دخول ما لا يقل عن 50٪ من الجامعات السعودية، ويحرمون من حق الشهادة في المحاكم، ولا يوجد قضاة شيعة، وهذا النوع من التمييز السياسي والاجتماعي تسبب في تهميش الشيعة.
وعلى الرغم من أن الشيعة يشكلون أكثر من 15٪ من سكان البلاد، إلا أن الحكام السعوديين ينظرون إلى هذه الأقلية الشيعية على أنها العدو الأكبر للأمن القومي والحكومة، ولهذا السبب فإن العديد من السجناء والمعدمين هم من الشيعة.
کما تسببت الرقابة وانعدام الشفافية من جانب الحكومة، في عدم توافر إحصائيات دقيقة عن عدد السجناء الشيعة وعدد المحكوم عليهم بالإعدام. ومع ذلك، تشير تقديرات منظمات حقوق الإنسان إلى أن مئات المراهقين الشيعة الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا، قد حُكم عليهم بالإعدام لأسباب غير معروفة واتهامات باطلة. حتى بين هؤلاء هناك أطفال تقل أعمارهم عن 10 سنوات، وهذا يدل على أن آل سعود يخافون حتى من الأطفال الشيعة.
سجل السعودية المروع في الإعدام
أدى أداء الحكومة السعودية في قضية الشيعة، إلى تسجيل هذا البلد رقماً قياسياً أسود في مجال حقوق الإنسان، وفي إعدام المعارضين المحليين، احتلت السعودية دائمًا مرتبةً عاليةً على القائمة السوداء العالمية، وفي عام 2021 كانت في المرتبة الثانية بعد مصر.
ويقول مراقبو الشؤون السعودية، إن سجل الرياض في التعذيب والإعدام والقتل خارج نطاق القضاء واختفاء الأشخاص والاعتقالات القاسية، دفع المنظمات الدولية إلى تصنيف السعودية على أنها أسوأ دولة في العالم.
ورغم وجود انتقادات واسعة النطاق لأوضاع حقوق الإنسان في السعودية، فإن حكام آل سعود يواصلون عمليات الإعدام دون الالتفات إلى الضغوط الدولية، وحتى في بعض الأحيان، أصبح الشيعة ضحايا تسوية الحسابات الدولية للحكومة السعودية مع الحكومات المتنافسة.
في عام 2021 وحده، أعدمت السعودية 100 شخص لارتكابهم جرائم مختلفة، معظمهم من الشيعة في البلاد، مما تسبب في موجة من الانتقادات في العالم. وأعلنت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في تقرير، أن عدد الإعدامات في السعودية وصل في النصف الأول من عام 2022 إلى حقبة ما قبل انتشار فيروس كورونا، وهي في طريقها لتجاوز الرقم القياسي البالغ 186 إعدامًا في 2019.
وحسب هذا التقرير، أعدمت السعودية 120 شخصًا في الفترة من يناير إلى يونيو 2022، وهو ما يمثل زيادةً بنسبة 80٪ مقارنةً بإجمالي عدد الإعدامات خلال عام 2021.
وفقًا للقانون السعودي، فإن عقوبة الإعدام تسري على جرائم مثل القتل العمد والمخدرات والردة والسحر والإرهاب. ونظرًا لعدم وجود قوانين مقننة في الهيكل القضائي للسعودية، فلا توجد محاكمة عادلة، ويصدر القضاة أحكامهم في تنفيذ الحكم بناءً على التفسيرات الخاصة عن الشريعة حسب رأيهم، وهي مجموعة كاملة لتعاليم الوهابية.
وعلى الرغم من أن ابن سلمان حاول تنقية الهيكل السياسي للحكومة من الأفكار الوهابية إلى حد ما بما يتماشى مع السياسات الإصلاحية، لكن في موضوع الشيعة وتعريف التهديدات للأمن القومي، حافظ البعد الأيديولوجي للنظرة الوهابية على سيطرته على القوانين القضائية.
تثير الجولة الجديدة من إعدامات الشيعة في السعودية، التساؤل عن سبب توجُّه آل سعود نحو هذا التوتر في الوقت الحالي، الذي تتجه فيه المنطقة نحو الاستقرار باتفاق إعادة العلاقات بين طهران والرياض.
فهل إجراء ابن سلمان هذا هو لتخويف المعارضة وإرسال إشارة عدم التليين في مواجهة التوقعات السياسية والقانونية المتزايدة للمجتمع، أو هو تحذير من عدم تأثُّر الرياض بأجواء خفض التصعيد في المنطقة لإحداث تغييرات في الوضع الداخلي وخاصةً فيما يتعلق بالشيعة؟
مهما كانت الإجابة، فإن المؤكد أن استمرار قمع الشيعة يثبت أنهم خارج دائرة إصلاحات ابن سلمان، ولا يمكنهم أن يأملوا في حدوث تغيير كبير في وضعهم.