الوقت- يوماً بعد يوم، بدأت تنكشف مخططات الدولة التركية فلطالما تغنت بالدفاع عن قضايا الأمة الإسلامة وخاصة قضية الشعب الفلسطيني والقدس الشريف. ففي الأيام القليلة الماضية جاهرت أنقرة بتطبيع العلاقات مع أعداء الأمة معلنة عن مبادئ الإتفاق بينهما، فقد أعلن وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" أن المباحثات بين تركيا والكيان الإسرائيلي جارية على قدم وساق وأن هناك شروطاً للجانب التركي للموافقة على تطبيع العلاقات بين البلدين. سنتناول في هذا المقال تطبيع العلاقات بين البلدين، فما هي أسبابه ونتائجه المحلية والإقليمية؟ وما هي نظرة الشعب التركي إلى هذا التطبيع؟
كانت الصحف العربية والإسلامية سابقا، تصف موقف الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" من الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بالمبدأ، فقد كان مناصرا للقضية الفلسطينية، وداعما قويا لحركة "حماس" وكل التنظيمات الاسلامية بما فيها حركة “الاخوان المسلمين” التي تتخذ من الاراضي التركية مقرا لانشطتها السياسية والاقتصادية والاعلامية بعد اطاحة حكم الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي.
فاليوم خارطة مصالح تركيا تغيرت، فها هي توطد علاقاتها بالكيان الإسرائيلي والغرب بعد الأزمة مع روسيا، والفشل العسكري على جميع الجبهات. وانتهى الود الذي كان يجمعها مع دول الممانعة وعلى رأسها جمهورية إيران الإسلامية بعد جلاء حقيقة مواقفها. فقد نشرت صحيفة «دايلي صباح» التركية أن: «العلاقات التركية-الإيرانية خصوصاً بعد الاتفاق النووي الإيراني تمر بسلبية وتوتر ملحوظ خصوصاً بسبب الأزمة السورية ومشكلة الأكراد حيث أن كردستان ملعب توتر بين إيران وتركيا». إلى ذلك فإن تعاظم القوة الإيرانية وتموقعها الجديد بعد الاتفاق النووي وتسوية أزماتها وقتياً مع الغرب قد يجعل مصالحها تتعارض مع مصالح تركيا .
وبعد تأكيد الأنباء التي تحدثت عن إتفاق إسرائيلي - تركي بتطبيع العلاقات بين الجانبين، وإعادة التبادل الدبلوماسي، قام رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل بزيارة متوقعة إلى إسطنبول، التقى خلالها بالرئيس التركي "رجب طيب اردوغان" في قصر يلدز الرئاسي تعبيرا عن قلق الفلسطينيين، خاصة وأن الكيان الإسرائيلي يريد أن يشل حركة المقاومة وحصارها في تركيا، كما يحاصرها في غزة.
أما الداخل التركي فقد عبّر عن إستنكاره لسعي الدولة التركية لتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، وفي بيان نشرته هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH)على موقعها الرسمي على الإنترنت، جاء فيه: "لا ينبغي لتركيا نسيان ما حدث للسفينة "مافي مرمرة" عام 2010، في سبيل الحصول على الغاز الطبيعي من إسرائيل ". ورأت الهيئة، أن "أي اتفاق سيوقع بين تركيا والكيان الإسرائيلي هو اتفاق معادٍ لتركيا وفلسطين وشعوب الشرق الأوسط ".
وكان نائب رئيس حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا عمر جليك، أكد أنه لن يكون هناك أي تطبيع للعلاقات مع الكيان الإسرائيلي، ما لم يعتذر الأخير عن اعتدائه على سفينة “مافي مرمرة”، وما لم يرفع حصاره عن قطاع غزة .
أما وسائل إعلام الكيان الإسرائيلي فقد تناولت خبرا نهار الجمعة الفائت، عن دبلوماسي إسرائيلي قوله: إن لقاءً حصل الخميس في 17 كانون الأول في زيوريخ بسويسرا، بين مبعوث رئيس الحكومة الإسرائيلية للاتصالات مع تركيا "يوسف تشيخانوفر"، وكذلك مستشاره لشؤون الأمن القومي رئيس الموساد "يوسي كوهين"، وبين نائب وزير الخارجية التركي "فريدون سينيرلي أوغلو"، واتفقوا على مبادئ الاتفاق.
وتنص مسودّة الاتفاق على البنود التالية:
1- دفع الكيان الإسرائيلي تعويضات قدرت بـ 20 مليون دولار لعائلات المواطنين الأتراك الذين قتلوا وأصيبوا أثناء مهاجمة الكوماندوس البحري التابع للكيان الإسرائيلي لسفينة "ما في مرمرة".
2- يعود التمثيل الدبلوماسي إلى سابق عهده قبل حادثة السفينة "مافي مرمرة"، ويعود سفيرا البلدين إلى عملهما.
3- يقوم البرلمان التركي بسنّ قانون يلغي كافة الدعاوى القضائية، ضد جنود وضباط في الكيان الإسرائيلي شاركوا في مهاجمة "ما في مرمرة"، ويُمنع تقديم دعاوى في المستقبل.
4- فرض قيود على نشاط حركة حماس في تركيا، منع دخول القيادي في كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة "حماس"، صالح عاروري، إلى الأراضي التركية.
وينص الإتفاق على بحث التعاون بين الجانبين في مجال الغاز الطبيعي وشراء تركيا للغاز من الكيان الإسرائيلي، ومد أنبوب غاز يمر بالأراضي التركية بعد التوقيع على الصيغة النهائية للإتفاق.
وفي الختام يجب أن نؤكد على أن الشعب التركي سيدعم دائما الشعب الفلسطيني وقضيته، كما هو دائما في صف المواجهة ضد الكيان الإسرائيلي. والشعب والأحزاب التركية غير راضين عن إقامة علاقات مع الكيان الإسرائيلي. فالحكومة تسعى للتقرب من الكيان الإسرائيلي لتعويض ما خسرته، من جراء سياستها الفاشلة في المنطقة. فهل سيرضخ أردوغان للضغوط الشعبية في تركيا؟ وهل بدد الرئيس التركي قلق حركة حماس والفلسطينيين أم أنه يسعى خلف مصالحه على حساب القضية الفلسطينية؟