الوقت- بعد تسعة أيام من اندلاع أول الصراعات الدموية في السودان، تتواصل الجهود لإنهاء الأزمة ومنع نشوب حرب أهلية، وفي هذه الأثناء رغم وقف إطلاق النار المؤقت المعلن بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك والموقف العدائي للأحزاب وفشل جهود الوساطة، فقد أظلمت آفاق إنهاء الأزمة. ولقد أعلنت وزارة الصحة السودانية، وفق آخر إحصائيات الاشتباكات الدامية في الأيام الماضية، أن عدد القتلى في هذا البلد بلغ 425 قتيلاً. ووفقًا لهذا التقرير، أصيب ما لا يقل عن 3730 شخصًا حتى الآن.
انتهاكات وقف إطلاق النار والنزاعات المستمرة
وعلى الرغم من إعلان الجيش السوداني استعداده لتمديد وقف إطلاق النار مع قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دغلو المعروف باسم "حميدتي"، إلا أن قوات الدعم السريع السودانية زعمت أن مقاتلات ومروحيات الجيش استهدفت مواقع هذه المجموعة بمنطقة الكفوري بالخرطوم. وفي الوقت نفسه أفادت بعض المصادر الاخبارية بتجدد الصراع بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في أم درمان غرب الخرطوم.
وفي الأيام الأولى من الصراع، حاولت قوات الرد السريع السيطرة على مطار الخرطوم والقصر الرئاسي والتلفزيون، لكن قوات الجيش أعلنت سيطرتها الكاملة على هذه المناطق. وبينما أشار عبد الفتاح البرهان إلى أن حميدتي ربما غادر الخرطوم بعد الفشل الأولي في احتلال المراكز الاستراتيجية، إلا أنه أظهر مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي يوم الأحد "حميدتي" لأول مرة بالصوت والصورة داخل عربة عسكرية على ما يبدو في محيط القصر الرئاسي، وبالطبع، الوقت المحدد لهذا الفيلم غير معروف. وفي وقت سابق، أكد حميدتي، ردًا على عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، الذي قال إنه لا يعرف مكان حميدتي وعناصره، أنه وقوات الرد السريع في الخرطوم.
إخلاء السفارات من السودان
مع استمرار حالة انعدام الأمن في العاصمة، تستدعي معظم الدول سفراءها ودبلوماسييها ومواطنيها العاديين من السودان، وهو ما يظهر القلق من تصاعد الصراعات في الأيام والأسابيع المقبلة. وبعد إعلان مصر إصابة موظف بسفارة البلاد في السودان، أجلت الولايات المتحدة 70 موظفًا من سفارة البلاد في السودان باستخدام 6 طائرات نقل عسكرية ومروحيات هجومية. وذكرت شبكة "سي بي إس" أن هذه العملية شملت فقط موظفي السفارة الأمريكية ولم تشمل مواطنين آخرين من هذا البلد في السودان. هذا على الرغم من حقيقة أن يوم أمس وفي الوقت نفسه الذي استمرت فيه الاشتباكات بين القوات العسكرية السودانية في مناطق متفرقة من هذا البلد، أعلنت واشنطن مقتل مواطن أمريكي في هذه الاشتباكات.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية: "قررنا إعادة مواطنينا من مناطق الصراع في السودان إلى تركيا عبر دولة ثالثة وسيكون هذا النقل عن طريق البر وعبر دولة ثالثة". كما صرحت السفارة الهولندية اليوم: "بدأت عملية إجلاء مواطني وموظفي سفارتنا إلى المنطقة الآمنة". كما أعلنت وزارة الخارجية الأسترالية: "الوضع الأمني في السودان غير مستقر والصراع محتد ومستمر، ونطلب من رعايانا البقاء في مكان آمن". كما أعلنت الخارجية الفرنسية: "نأمل أن تنتهي عملية إجلاء رعايانا ودبلوماسيينا في أسرع وقت ممكن ، واليوم سنغلق سفارتنا في الخرطوم".
وقال السفير الروسي في السودان أيضا: "حاليا لا يمكن السفر بسبب الصراع الدائر في مطار الخرطوم". كما أصدر مكتب رئيس الوزراء الباكستاني بيانًا وأعلن رئيس الوزراء شهباز شريف قلقه على سلامة الرعايا الباكستانيين في السودان وأمر بالاتصال بالدول الصديقة، بما في ذلك الأمم المتحدة، لإنقاذ المحاصرين. وهناك حوالي 1500 مواطن باكستاني في السودان. وكانت صحيفة التايمز الإنجليزية قد ذكرت في مقال بعنوان "البريطانيون تائهون في السودان": "البريطانيون يتهمون حكومتهم بعدم معرفة مصيرهم". جاء في هذا المقال: "على الرغم من سعي الحكومة البريطانية لإنشاء جسر جوي عسكري لإجلاء العشرات من دبلوماسييها وعائلاتهم من السفارة وعاصمة السودان الخرطوم، إلا أنها لم تتخذ أي إجراء لإجلاء مئات البريطانيين في السودان". وفي وقت سابق، أعلنت المملكة العربية السعودية والعراق أيضًا عن جهودهما لإجلاء مواطنيهما من السودان.
تحذيرات من كارثة إنسانية في السودان
مع دخول المعارك في السودان أسبوعها الثاني، تتوالى التحذيرات من كارثة إنسانية وشيكة، وسط مخاوف من نفاد المواد الأساسية من الغذاء، وتوقع موجات لجوء كبيرة إلى الدول المجاورة، ولا سيما مع تفاقم وضع السكان مع احتدام المعارك. وحذر الصليب الأحمر الدولي من نفاد الماء والغذاء لدى المدنيين السودانيين المحاصرين في بيوتهم، جراء الاشتباكات العنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع. وقالت منظمة "مجموعة الأزمات الدولية" غير الحكومية إن "ملايين المدنيين محاصرون في القتال وتنفد لديهم بسرعة المواد الأساسية". وأضافت إن "النزاع يمكن أن ينزلق بسرعة إلى حرب حقيقية دائمة" تطول الولايات المضطربة في السودان ثم بعض دول الجوار.
بدورها، قالت جمعية الهلال الأحمر السوداني إن مخازنها تعرضت للسطو من قبل أفراد مسلحين (لم تحدد هويتهم)، وأضافت إن المسلحين نهبوا 8 سيارات دفع رباعي وشاحنة تابعة للجمعية. وأدانت الجمعية الاعتداء على مرافقها، وحذرت من استخدام سياراتها لأغراض تجارية أو إجرامية، مشيرة إلى أن المخاطر الناجمة عن سوء استخدام شارة الهلال الأحمر ستؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية. وقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن نحو 16 مليون سوداني بحاجة إلى مساعدات خلال العام الجاري.
كما نقلت وكالة رويترز عن مدير برنامج الأغذية العالمي في تشاد بيير أونورا قوله إن البرنامج يتوقع موجات لاجئين سودانيين جديدة، ليضافوا إلى نحو 400 ألف سوداني كانوا قد فروا خلال صراعات سابقة وينتشرون في 14 مخيما. وأكد أونورا استعداد البرنامج لاستقبال 100 آلاف لاجئ محتمل، مطالبا بتأمين مياه الشرب في المنطقة الصحراوية القاحلة التي يلجأ إليها السودانيون. ولجأ ما بين 10 و20 ألف شخص فارين من المعارك إلى تشاد المجاورة، حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وأضاف أونورا إن أغلب من وصلوا في الأيام القليلة الماضية كانوا من النساء والأطفال من قرى على الحدود.
وأردف "عدد الأطفال مدهش؛ فوجئنا برؤية هذا العدد الكبير من الأطفال يعبرون الحدود؛ فُطرت قلوبنا لرؤية النساء والأطفال تحت الأشجار، وعانى بعضهم من العنف واحترقت منازلهم ودُمرت قراهم ونُهبت أحياؤهم تماما". وفي نهاية فبراير/شباط الماضي، أكدت الأمم المتحدة أن أكثر من ثلث السكان في السودان سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية في 2023 بسبب الجوع وزيادة عدد النازحين. وقال كاميرون هادسن المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن لوكالة الصحافة الفرنسية "أتوقع فعلا نزوحا جماعيا لملايين المدنيين عند أول وقف لإطلاق النار".