الوقت_ فجّر رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، دان حالوتس مؤخراً، قنبلة إعلاميّة ربما تزيد من حجم الحقد المجتمعيّ في الكيان على رئيس الحكومة من خلال قوله إن بنيامين نتنياهو هرب من المشاركة إبان اجتياح القوات الصهيونيّة للبنان عام 1982، وتأتي تلك التصريحات لتصب الزيت على نار الوضع الداخلي في "إسرائيل" حيث تتزايد التنبؤات باحتماليّة وقوع حرب أهليّة داخل المجتمع الإسرائيليّ، وخاصة أنّ الكيان الصهيونيّ يقترب عدة خطوات من الحرب الأهليّة، بسبب الفشل السياسي المتزايد لرئيس وزراء العدو، ومعركته ضد خصومه، إضافة إلى الشروخات المتفاقمة ضمن المجتمع المتهالك أساساً، وتزايد أعداد المعارضين لنتنياهو بشكل مستمر وكارثيّ، رغم كل المساعي لضبط إيقاع الوضع داخل الكيان الصهيونيّ، إلا أنّ الخلافات الداخليّة تتصاعد يوماً بعد آخر، ناهيك عن التماسك الذي بدأ يتآكل بشدة كبيرة في السنوات الأخيرة بين اليهود داخل المجتمع الإسرائيليّ وخاصة مع قدوم حكومة الفاشيين، وحل محل "الوحدة الظاهرية" فجوات دموية داخليّة تغذيها الكراهية الشديدة الخارجة عن نطاق السيطرة قد تُوصل الكيان قريباً إلى صدام داخليّ عنيف، ربما يتحول فيما بعد إلى حرب أهليّة لا تبقي ولا تذر شيئاّ من الكيان الطائفيّ العسكريّ.
تصريحات صادمة
نعلم جميعاً أنّ الفترة الماضية شهدت مظاهرات ضخمة للغاية ضد خطط حكومة بنيامين نتنياهو بشأن ما يُطلق عليها "الإصلاحات القضائية"، وكانت الأكبر في تاريخ احتلال فلسطين، ومؤخراً نقلت القناة الـ 12 العبرية عن الجنرال دان حالوتس، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق، خلال مشاركته في مظاهرة في تل أبيب، أن رئيس الوزراء الحالي فر من المشاركة في ما يعرف إسرائيلياً بـ "حرب لبنان الأولى"، أي اجتياح لبنان، ما يعني تزايد الكراهية له بعد أن كان يخوض في السابق معركة شرسة ضد المتظاهرين والمطالبين بحقوقهم، إضافة إلى الأزمة الاقتصاديّة المتفاقمة، والكره الشديد من الليبراليين الإسرائيليين المهمشين والمحاصرين.
وتأتي تلك التصريحات عقب اتهامات سابقة من قبل القائد السابق لفرقة الاحتياط في كوماندوز النخبة الإسرائيلي، الجنرال شلومي ريزمان، حول أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تهرب بالفعل من تنفيذ أوامر عسكرية، فيما يؤكّد بعض المحللين أنّ الكيان الصهيونيّ يسير نحو المجهول، ويفتقر اليوم لشخصيات تضغط على المكابح قبل فوات الأوان ونهاية السرطان الاحتلالي، حيث تطفو المصالح الشخصيّة أو السياسيّة على كل شيء، وهذا ما جاء رئيس الوزراء ورئيس حزب الليكود الصهيونيّ لأجله، حيث من المتوقع أن تكون نهاية هذا الكيان على يده ويد جماعته المتطرفة، فيما يذهب أغلب المحللين إلى أنّ الكيان أمام طريقين لا ثالث لهما، إما الذهاب نحو تخلخل المجتمع الإسرائيليّ وانعدام استقراره نتيجة الصراعات، أو حدوث حربٍ أهليةٍ بين المعسكرين اليمينيّ الدينيّ المتزمت والحاكم، وبين القوى الديمقراطيّة والليبراليّة، المُكونّة بسوادها الأعظم من اليهود الذين تمّ استجلابهم عن طريق الحركة الصهيونيّة من دول أوروبا.
وفي الوقت الذي ذكرت فيه القناة الـ7 العبرية، أن الجنرال شلومي ريزمان وهو ضابط في الاحتياط، قد أوضح أن الرئيس الحالي تهرب من تنفيذ أمر عسكري أثناء تجنيده خلال سنوات اجتياح الأراضي اللبنانية عام 1982، وأشار ريزمان إلى أن أحد الضباط كلف بنيامين نتنياهو أثناء ذلك الغزو بمهمة في إطار خدمته بالاحتياط في الوحدة العسكرية، ولم تكن المهمة وفق أهوائه، فتهرب منها واختفى، ما يعني أننا سنشهد أرقاماً قياسية في عدد المشاركين في المظاهرات عقب تلك الأنباء، مع وصول عدد المحتجين إلى أرقام كبيرة، وبالتالي فإن عبارة "نتنياهو يودي بالكيان إلى الهاويّة"، التي سمعناها كثيراً في مجتمع العدو باتت واقعاً، حيث بات نتنياهو منخرطاً بشكل كامل ولحظي بتدمير الكيان الغاصب من الداخل، ناهيك عن الحرب الشعواء ضد أعدائه السياسيين، فيما تواجه الحكومة المتطرفة معارضة حقيقية تمثل نصف الشارع الإسرائيلي على الأقل، واليوم بتنا نسمع –كما في السابق- مئات آلاف المعارضين الذين يدعونه للتنحي في مظاهراتهم، ولا بد أن شرطة العدو لا تستطيع السيطرة على الاحتجاجات العارمة، في ظل الانقسام الحاد بين المعسكرين المتصارعين، الشيء الذي أفرز كراهية شديدة داخل مجتمعهم، وفقدان ثقتة مستوطني الكيان بشكل كامل بمؤسساته.
ووفقاً لوسائل إعلام العدو، فإنّ تصريحات الجنرال شلومي ريزمان جاءت على خلفية تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الاثنين الفائت، حول أنّ تهديد عناصر الاحتياط في الجيش بتجميد قوات تطوعهم احتجاجا على خطة "إضعاف جهاز القضاء" في الكيان هو رفض للخدمة العسكرية، في وقت تفقد فيه حكومة نتنياهو شرعيتها بالنسبة للمستوطنين وتأخذ الكيان إلى طريق لا عودة منه، وذلك بالنظر إلى أنّ كيان الاحتلال أصبح مستعبداً بشكل كامل لاحتياجات الجماعات الإسرائيليّة المتطرفة، وبالتالي سيدفع الإسرائيليون أثماناً باهظة، مع تحول مؤسسات الكيان لخدمة الصهاينة المتطرفين.
من ناحية أُخرى، زعم مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أن ما صرح به اللواء شلومي ريزمان هو "كذب مطلق"، فيما يؤكّد الواقع الإسرائيليّ أن التنافس في الكيان لم يعد يدور حول النسق الكليّ للأفكار والمعتقدات والاتجاهات العامة بين اليسار واليمين، ولا الاتفاقات والتنازلات للدول المعادية للكيان وقضايا الحرب والسلام، بل أصبح الصراع داخل المجتمع الإسرائيليّ المنقسم على ذاته بين مؤيد لنتنياهو ومعارض له، فجزء من الإسرائيليين يعتبره المُخلص الذي يحول دون انقراض الكيان الصهيونيّ، وآخرون يعتبرونه خطراً قائماً على مستقبله.
طريق اللاعودة
"نتنياهو مجرم"، هذا ما كتبه الكثير من المحتجين على لافتاتهم مؤخراً، وفقاً لصحيفة "هآرتس" العبرية، ما يشير إلى مدى الانقسام الذي يعيشه الإسرائيليون بالاستناد إلى نقاط كثيرة أهمها الانتخابات البرلمانيّة وتزايد الشروخات التي تُهدد الكيان بشكل جديّ للغاية، حيث يردد غالبية الإسرائيليين عبارة “إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة”، وهذا الموضوع يقُضّ مضاجع صنّاع القرار بالكيان اللقيط الذي قام منذ ولادته على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة، وإنّ موضوع "نهاية إسرائيل" يطغى بشكل كبير على لسان الكثير من المحللين الإسرائيليين، استناداً إلى أدلة كثيرة أهمها التماسك الداخليّ الذي سيباد عن بكرة أبيه في عهد نتنياهو الحاليّ.
وعلى هذا الأساس، فإن حكومة نتنياهو تفقد شرعيتها الأخلاقية بالنسبة للمستوطنين وتدفع الكيان إلى الهاوية، ويرى الإسرائيليون أنّ الكيان يواجه انقلاباً، وأنه يشهد نشوء تحالف إجراميّ يطمح إلى تشكيل حكومة إجرامية من شأنها تغيير النظام الاحتلاليّ، في ظل الانقسام الشديد بين الصهاينة بدءاً من الشارع ووصولاً إلى الكنيست (السلطة التشريعية) والحكومة (السلطة التنفيذية)، وليس انتهاء عند السلطة القضائية، تماشياً مع أسلوب "أنا ولا أحد غيري" داخل النظام السياسيّ الإسرائيليّ وهذا ما يؤكّده المشهد السياسي، بما يؤثر بالتأكيد على مستقبل الكيان الصهيونيّ اتفاقاً مع "لعنة الثمانين"، أي المصير المجهول الذي تسير نحوه "الدولة اليهوديّة" -المزعومة-، مع انتقال العدو بشكل كامل من مرحلة العنصريّة المقيتة إلى الفاشيّة الشدّيدة.
في النهاية، إنّ ما تعيشه الأراضي الفلسطينيّة الرازحة تحت نير الإرهاب الإسرائيلي، يؤكّد أنّ الصراع السياسي في "إسرائيل" يزيد من المأساة لدى المجتمع الإسرائيليّ المنقسم على ذاته، ناهيك عن أزمة الثقة الكبيرة مع حكوماته باعتباره غارق بالمشكلات الاقتصادية والفوضى الأمنيّة والسياسية، حيث نجح نتنياهو بالفعل في تقسيم المُقسم داخل المجتمع الإسرائيليّ، كما زاد بأضعاف الأزمة بين المسؤولين والأحزاب وقلل بشدة من الثقة بين الحكومة ونصف المهاجرين المحتلين –على أقل تقدير-، وبالتالي ستزداد المشكلات الاقتصادية والفوضى الأمنيّة والسياسية إلى حدود خطيرة للغاية، في الوقت الذي يُجمع فيه الكثير من الإسرائيليبن على "نهاية الكيان الإسرائيليّ" في عهد نتنياهو.