الوقت - في الوقت الذي تستعرض فيه القوات المسلحة الإيرانية قدراتها في مجال الصواريخ والطائرات دون طيار والدفاع لأعدائها، من خلال إجراء مناورات الدفاع الجوي لـ "المدافعون عن سماء الولاية"، تقوم البحرية الإيرانية بدوريات على بعد آلاف الكيلومترات من الحدود البرية، في أقصی المحيط الأطلسي، ما يدل على توسع اقتدار إيران من نقطة الصفر على الحدود إلى أمريكا اللاتينية.
وفي هذا الصدد، أعلنت هيئة ميناء ريو دي جانيرو البرازيلية في بيان، أن سفينتي "مكران ودنا" التابعتين للجيش الإيراني دخلتا سواحل هذه المدينة يوم الأحد. وتم إرساء السفن الإيرانية في الموانئ البرازيلية بالتزامن مع انتهاء زيارة لولا دا سيلفا لأمريكا.
وأعلن كارلوس إدواردو هويرتا أرتينيز، نائب رئيس أركان البحرية البرازيلية، موافقته على إرساء هذه السفن في ريو بين 26 فبراير و 4 مارس. وفي وقت سابق، أعلنت مصادر حكومية برازيلية أنه في 13 يناير، سمحت البلاد لسفينتين تابعتين للبحرية الإيرانية بالرسو في ريو دي جانيرو لمدة أسبوع من 23 إلى 30 يناير، ولكن بسبب العراقيل الأمريکية، لم يتم الرسو في هذا الوقت.
وكانت وزارة الخارجية البرازيلية قد أعلنت إلغاء هذا الترخيص، وتأجيل رسو السفن الإيرانية إلى الفترة من 26 فبراير إلى 3 مارس. يشار إلی أن البحرية البرازيلية تسمح للسفن الأجنبية بالرسو في البرازيل فقط عندما يكون لديها إذن من وزارة الخارجية، والنظر في طلب السفارة ولوجستياتها.
يقال إن قرار حكومة دا سيلفا جاء بسبب معارضته طويلة الأمد للعقوبات الأمريكية ضد إيران، والتزامها بسياسة محايدة تجاه طهران.
كان دا سيلفا، الذي كان في السلطة حتى عام 2012، يتمتع بعلاقات جيدة مع إيران، وفي خضم مفاوضات إيران النووية مع الغرب، أولى أهميةً خاصةً للدبلوماسية مع إيران، ولتعزيز مكانة البرازيل الدولية، حاول تقوية علاقاته مع إيران، وسافر إلى طهران للتوسط بين إيران والولايات المتحدة في عام 2010.
دا سيلفا هو أحد القادة اليساريين في أمريكا اللاتينية، الذين يريدون إنهاء النفوذ الأمريكي في هذه القارة، وعلى الرغم من إعلان دا سيلفا بعد فوزه مجددًا في البرازيل أنه سيعزز علاقاته مع واشنطن، إلا أنه رفض خلق فجوة في علاقاته مع طهران في مواجهة ضغوط البيت الأبيض.
عرقلة طريق الأسطول الإيراني
الأسطول 86 للبحرية الإيرانية، الملقب بالأسطول 360، هو أول أسطول عسكري إيراني يتم إرساله إلى القارة الأمريكية في تاريخ البحرية الإيرانية، وهذا يعتبر انتصارًا عظيمًا لهذا البلد، سواء من حيث إظهار القوة البحرية أو من حيث تحول إيران إلی قوة عالمية، تحدد مصالحها على بعد آلاف الكيلومترات من مياهها الإقليمية وترسل قواتها.
بدأ هذا الأسطول مهمته في أكتوبر من هذا العام بهدف الإبحار حول العالم، وخطط لرسو السفن في ريو دي جانيرو بالبرازيل عن طريق عبور المحيطين الهندي والأطلسي والمحيط الهادئ والمرور بقناة بنما.
کان يمكن أن يصل هذا الأسطول إلى وجهته في وقت أبكر من الوقت الحالي، لكن في الأول من شباط(فبراير)، عندما نشرت بعض المصادر الإخبارية البرازيلية نبأ الرسو الوشيك لهذا الأسطول في ريو دي جانيرو وتم الكشف عن وجهته، حاول الأمريكيون منع هذا الإجراء، لكنهم تمكنوا فقط من تأخير رسو هذه السفن لفترة وجيزة، ولم يتمكنوا من منع سفن الجيش الإيراني من الوصول إلى وجهتها.
وفي وقت سابق، ذكرت وسائل إعلام غربية أن البرازيل استسلمت لضغوط الولايات المتحدة، ورفضت طلبات إيران لرسو هذه السفن في ريو دي جانيرو. وطلبت إليزابيث باغلي، سفيرة الولايات المتحدة في البرازيل، من البرازيل عدم السماح لهذه السفن بالرسو قبالة سواحل هذا البلد.
وبسبب ذلك، تم تنفيذ مهمة هذا الأسطول للوصول إلى مياه البرازيل دون أي مشاكل، وكانت هناك عقبات في هذا الصدد من قبل بعض حلفاء الولايات المتحدة.
وقال العميد الإيراني قائد البحرية الإيرانية علي رضا تنكسيري، في 21 من كانون الأول الحالي، إن الفرنسيين والأستراليين حاولوا منع مرور الأسطول البحري بانتهاك القواعد التي وضعوها لمرور سفن الدول الأخرى من سواحلهم، لكن السفن الإيرانية ردّت على تهديداتها بالاقتدار وحسب القانون، وواصلت طريقها.
منذ عام 2008، بدأت سفن الجيش الإيراني لأول مرة مهامها خارج الحدود الإقليمية في خليج عدن، للتعامل مع القراصنة الذين كانوا يزعجون السفن التجارية. وتدريجيًا، تم تنفيذ مهمة هذه السفن على نطاق أوسع من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي والبحر الأسود، وحالياً تبحر السفن الإيرانية على بعد آلاف الكيلومترات من الحدود الإقليمية لإظهار اقتدارها في هذا المجال للعالم.
حتى الآن قطعت السفن الإيرانية أطول مسافة، للرسو في ميناء سانت بطرسبرغ في روسيا، لكن هذه المسافة تم تحطيمها من خلال الرسو في موانئ البرازيل، ما يشير إلى أن الاقتدار البحري الإيراني يتقدم يوماً بعد يوم.
هزيمة أخرى لأمريكا
وجود السفن الحربية الإيرانية على الساحل البرازيلي هو فشل آخر لواشنطن، التي لم تنجح في عزل إيران هذه المرة أيضًا، رغم الجهود الكثيرة.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على هاتين السفينتين الإيرانيتين حتى لا تتمكنا من الرسو في البرازيل أو دول أخرى، ولکن يبدو أن قادة الدول لم يعودوا يستمعون إلى الولايات المتحدة، وليسوا على استعداد للتضحية بعلاقاتهم الثنائية من أجل سياسات البيت الأبيض الجشعة.
تزعم الولايات المتحدة أن وجود السفن الإيرانية في أمريكا اللاتينية هو مقدمة لتجاوز العقوبات، لأن الناقلات الإيرانية كانت قد أرسلت سابقًا عدة شحنات وقود إلى فنزويلا.
حاولت أمريكا منذ سنوات احتواء إيران في الخليج الفارسي بمساعدة حلفائها، لكن عليها الآن أن تتحمل وجود عدوها الأول حول حدودها والتعامل مع هذا الواقع، لأن استخدام أداة الضغوط السياسية والاقتصادية لم يعد مجديًا، وأظهر عدم كفاءته.
بالطبع، هذه ليست نهاية القصة، وسوف ينتهي حظر الأسلحة علی إيران في أكتوبر من هذا العام، وبعد ذلك سيتطور التعاون العسكري الإيراني مع الجهات الفاعلة خارج المنطقة، وستكون جهود واشنطن لمنع قوة إيران غير فعالة.
يظهر وجود السفن الحربية الإيرانية في المياه الخارجية وفي الفناء الخلفي لأمريكا، حقيقة أن إيران أصبحت الآن واحدةً من أكبر القوى البحرية في العالم، على عكس مزاعم الأمريكيين، وهي لا تسعى إلى تحقيق أهدافها العسكرية والدفاعية في المنطقة فقط، بل حددتها في أبعاد عالمية.
أعلنت بعض المصادر مؤخرًا أن إيران هي واحدة من أكبر 5 قوى بحرية في العالم، نظرًا لتقدمها المتزايد باستمرار في المجال البحري. تم رسو السفن الإيرانية بالقرب من الولايات المتحدة بينما حاولت سلطات البيت الأبيض بکل الطرق عزل إيران بمساعدة دول أخرى، لكن هذه التحركات لم تؤد إلى أي نتيجة، ويمكن لسفن الجمهورية الإسلامية الآن التحرك في المياه الدولية باقتدار وقوة ودون خوف من أمريكا.
سيسمح وجود السفن الإيرانية في ريو دي جانيرو للبلدين بمشاركة قدراتهما العسكرية لضمان أمن الشحن في المياه الدولية، ومن ناحية أخرى، فإن هذا العمل هو نوع من الرفض لسياسات الإدارة الأمريكية وإظهارها في موقف الضعف لدول أخرى حتی لا تراهن عليها لضمان أمنها.
الاستراتيجية الدفاعية خارج المياه الإقليمية
كانت إيران قد بدأت من قبل وجودها العسكري في الفناء الخلفي لأمريكا، وفي أغسطس من هذا العام، وبمشاركة عدة دول أخرى، بينها روسيا والصين، أجرت مناورات في فنزويلا، كانت تحذيرًا خطيرًا لأمريكا بأن أعداءها قد تخندقوا في حدودها الجنوبية ويراقبون كل تحركاتها.
وسبق أن طورت إيران تعاونها مع الحكومات اليسارية في فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا، وهذه المرة ركزت على البرازيل وبنما لزيادة حلفائها في أمريكا اللاتينية.
إن رسو السفن الإيرانية بالقرب من أمريكا انتصار كبير لإيران، وستكون هذه الإنجازات العسكرية بالتأكيد تحديًا للأمريكيين الذين يحاولون عدم السماح لمنافسيهم بالتواجد في حديقتهم الخلفية، كما أنه في الأسابيع الأخيرة أثارت قضية وجود بالونات صينية، ضجةً كبيرةً في الأجواء السياسية والإعلامية في أمريكا.
يظهر وجود السفن الحربية الإيرانية في المحيط الأطلسي، والذي حدث لأول مرة، أن زمن الهيمنة الأمريكية والعالم أحادي القطب قد انتهى، وأن العالم يتجه نحو نظام جديد بهيكل متعدد الأقطاب.
کما تظهر هذه المهمة عبر الإقليمية أن إيران لم تعد تتابع أمنها في الخليج الفارسي والمحيط الهندي كما في الماضي، ولكن جميع مناطق العالم مدرجة في استراتيجية إيران الدفاعية، وهي تحاول أن تصبح قوةً عسكريةً عظيمةً في العالم، وهذه رسالة لأعداء إيران مفادها بأن إيران تبحث عنهم في كل مكان، وإذا ارتكبوا خطأ غير مدروس، فسوف يتلقون ردًا مؤلماً.