الوقت- نشرت صحيفة “هآرتس” تحليلا يفيد بأن الجيش الإسرائيلي مهدد بالتفكك، وأن أعدادا متنامية من جنود الاحتياط والضباط يرفضون الخدمة العسكرية. وورد في المقال أن مبعث القلق الأكبر والأكثر إلحاحا بالنسبة لرئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي هرتسي هاليفي هذه الأيام لا يتعلق بإيران ولا بالانتفاضة الفلسطينية المحتملة التي يتوقع الجميع اندلاعها قريبا، بل الخوف من تفكك الجيش الإسرائيلي.
وقال الكاتب الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان بمقاله التحليلي في هآرتس إنه ما من يوم يمر دون أن يتلقى رئيس أركان الجيش وضباط الأركان العامة والقادة الميدانيون في الجيش حالات لجنود احتياط يعلنون أنهم لن يستجيبوا إذا ما استدعوا للخدمة العسكرية، أو أنهم يفكرون في اتخاذ هذا الخيار.
ويقول آخرون إنهم إذا امتثلوا لأوامر الاستدعاء تجنبا لخرق القانون فسيطلبون أن تسند إليهم مهام ثانوية في الصفوف الخلفية، وسيحاولون التهرب من القتال والمهام الأمنية الروتينية. وذكر ميلمان -الذي عمل سابقا مراسلا لصحيفة “هآرتس” لشؤون الاستخبارات والشؤون الاستراتيجية- أن الأمر الذي قد يقلق رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي أكثر هو أن الضباط الشباب في جيشه من ملازمين ونقباء ممن عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا سيجددون عقودهم لمواصلة الخدمة في الجيش يرفضون بشكل متزايد مطالب قادتهم للقيام بذلك. وقال إن وحدة العلوم السلوكية في الجيش الإسرائيلي المسؤولة عن الجانبين النفسي والاجتماعي لأفراد الجيش تجد صعوبة في تحفيز الضباط الشباب على الالتزام بالخدمة العسكرية رغم استدعائها مفاهيم مثل الصهيونية وخدمة الدولة، وأرجع السبب في ذلك إلى سياسات الحكومة اليمينية الجديدة التي قال إنها تعمل على تقسيم المجتمع وتمزيق نسيجه الهش.
ووفق الكاتب، فإن عدد جنود الاحتياط المترددين الآن بشأن أداء واجب الخدمة العسكرية غير معروف، لكن تقديرات مبنية على محادثات مع قادة الجيش الإسرائيلي من مختلف المستويات تشير إلى أن الآلاف من الجنود والضباط إما مترددون أو يرفضون تماما الحضور عند استدعائهم للخدمة، وأن العدد أكبر بكثير مما ورد في وسائل الإعلام. وقال إن التقارير بهذا الشأن تشير إلى أن العديد من الطيارين والملاحين الاحتياطيين الذين قد يتم استدعاؤهم للتدريب أو المشاركة في عمليات عسكرية ميدانية -من ضمنها شن غارات جوية على قطاع غزة وسوريا- يشيرون إلى أنهم سيرفضون الحضور.
كما كتب حوالي 200 من جنود الاحتياط في وحدة العمليات الخاصة التابعة للمخابرات العسكرية الإسرائيلية رسالة يعلنون فيها نيتهم رفض القيام بواجبهم العسكري إذا تم تمرير قوانين الإصلاح القانوني. وأشار المقال إلى أن العدد المتزايد من الإسرائيليين الذين يرفضون الخدمة العسكرية، وخطابات الاحتجاج، وعدم رغبة العديد من الضباط في العمل بالجيش أمور تثير القلق بشأن مستقبل الجيش الإسرائيلي على المدى القريب.
وأرجع الكاتب أسباب العصيان والعزوف عن الخدمة العسكرية في الجيش إلى الاستقطاب السياسي الذي تشهده إسرائيل في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة، مشيرا إلى سببين رئيسيين، أحدهما الإصلاح القانوني الذي تقوم به الحكومة الجديدة، والآخر يتعلق ببند في اتفاق ائتلاف الحكومة الحالية يعفي اليهود المتدينين المتشددين المعروفين بـ”الحريديم” من الخدمة العسكرية، ليس فقط بحكم الأمر الواقع كما هو الحال اليوم، ولكن بحكم القانون.
وقال إن الاحتجاجات المتزايدة ضد الإصلاح القانوني الذي تقوم به حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بسرعة فائقة -والذي ترى فيه حركة الاحتجاج المناهضة للحكومة وقادة المعارضة انقلابا قانونيا يضاهي الانقلاب على النظام- باتت تقوض العمل اليومي للجيش الإسرائيلي. وأشار المقال إلى أن هذه التحديات برزت في خطاب ألقاه هاليفي يوم الخميس الماضي في حفل تخريج الضباط المقاتلين في القوات البرية، حيث شدد على أن الخلافات السياسية يجب أن تترك خارج الجيش. وقال إن “جنود الجيش الإسرائيلي يخضعون للقانون وأوامر الجيش ويتصرفون وفقا لروح وقيم الجيش”.
وعلق كاتب المقال بأن هذا الخطاب يشي بأن قادة الجيش منفصلون إلى حد كبير عن الواقع “والنزاع استشرى في صفوف الجيش”. وخلص الكاتب إلى أنه إذا استمرت الحكومة في تطبيق سياساتها الرامية لإضعاف القضاء والسيطرة عليه وزادت حدة الاحتجاجات ضدها وتحولت إلى عصيان مدني فإن ظاهرة رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي ستتوسع لأبعاد قد تؤدي إلى انهياره.
إن تدهور وضع الصهاينة منذ عدة سنوات، حاصر النظام الإسرائيلي جغرافيا، ما جعله غير قادر على احتلال أراض جديدة في إطار هدفه المتمثل في إقامة "إسرائيل الكبرى". كما لم يستطع هذا النظام التخلص من أكثر من 4 ملايين فلسطيني عربي وهؤلاء السكان تزداد قوتهم ومقاومتهم كل يوم وعلى الرغم من توقيع العديد من اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية والنظام الصهيوني بدعم من الولايات المتحدة، إلا أن هذا النظام لم يسر على طريق تحقيق حلمه بالسيطرة على المنطقة.
الأمر نفسه ينطبق على "الحفاظ على التفوق الكمي والنوعي لنظام الاحتلال في المنطقة"، وهو أحد أبرز الأهداف العسكرية للصهاينة، وقد صمم نظريته الأمنية على أساس التفوق العسكري على المستوى الكمي والنوعي، وتفعيل سياسة الردع بأبعاد نفسية وعملية، ومنع ظهور إشارات تتعلق ببدء عمليات أعداء إسرائيل ضد هذا النظام، والاستعداد الدائم لتحييد الهجمات من قبل. ولقد امتدت الحرب إلى المجال الداخلي لفلسطين، وكان الاحتلال من الأهداف الاستراتيجية للنظام المحتل، ومسار الحروب الصهيونية مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية خلال العقود الماضية يثبت بوضوح فشل قوات الاحتلال في تحقيق ذلك الهدف.
ورغم أن النظام الصهيوني كان يتمتع بقوة عسكرية كبيرة بفضل دعم الولايات المتحدة لأعدائه العرب والمسلمين، إلا أنه فشل في تحقيق هدفه الاستراتيجي المتمثل في إقامة "دولة عظمى" ولم يستطع خلق معادلات الردع الوقائي التي أرادها، من جهة أخرى، كانت القوة العسكرية للمقاومة اللبنانية والفلسطينية في تصاعد، وكانت أبرز هزائم الكيان الصهيوني ضدهما في تموز / يوليو 2006 وأيار / مايو 2021. وأظهرت نتائج هذه الحروب مدى خطأ قادة النظام المحتل في أساليبهم للتغلب على مخاطر العقود الماضية.
إن الاعتراف بانهيار الكيان الصهيوني وإبداء العديد من التعليقات في هذا الصدد هو موضوع يناقش على نطاق واسع من قبل الخبراء والمؤرخين ووسائل الإعلام الإسرائيلية. حيث قال راني دانيال، المحلل العسكري الصهيوني المتطرف المقرب من قادة الجيش الإسرائيلي: "لست متأكداً من أن أطفالي لديهم مستقبل في إسرائيل، ولا أعتقد أنهم سيبقون هنا".
كما يعترف بني موريس، المؤرخ الصهيوني البارز، أنه بعد سنوات، سينتصر العرب والمسلمون في نهاية المطاف، وسيظل اليهود أقلية، أو يتعرضون للاضطهاد أو القتل، وفي هذه الأثناء، يمكن لليهود المحظوظين فقط الفرار إلى أوروبا و أمريكا. ويقول جدعون لوفي المحلل الصهيوني، في اليوم الثالث من معركة سيف القدس في مايو من العام الماضي عندما طوقت صواريخ المقاومة الفلسطينية الأراضي المحتلة من جميع الجهات، قال: "على الإسرائيليين أن يذهبوا إلى أوروبا وعلى الأوروبيين أن يقبلوهم لاجئين، أعتقد أن هذا أفضل بكثير من أكلنا أحياء".
وقال يارون لندن الصحفي الصهيوني المعروف: "أستعد للتحدث مع حفيدي لأخبره أن عدد اليهود المقيمين في إسرائيل لن يزيد على 50٪، لكن 50٪ متفائلون والحقيقة أكثر مرارة من ذلك بكثير". ومن جانبه، يعتقد الصحفي الصهيوني آري شافيت أيضا أن إسرائيل تحتضر ولا يمكن لأحد أن يوقف زوالها. وكتب شاؤول أرييل، وهو جنرال في وحدة الاحتياط في الجيش الإسرائيلي وخبير في الشؤون العربية: "النظام الصهيوني بنى استراتيجياته على تحقيق المثل الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وهذا الامر أدى إلى انهيار النظام الصهيوني".
ويقر مارتن فان كارفيلد، أستاذ العلوم العسكرية في جامعة القدس المحتلة، وهو من أشد المؤيدين لطرد العرب من فلسطين المحتلة، بما يلي: "بدأ تدمير الجيش الإسرائيلي من كل مكان. أي، من مستوى القادة إلى الجنود، لدرجة أن العديد منهم مدمنون على المخدرات والتجسس مقابل المال، كما أن الاتجاه المتزايد للهجرة العكسية الإسرائيلية إلى أوروبا والولايات المتحدة يشير إلى أن إسرائيل تنهار أخيرًا".
ونشر مؤرخ إسرائيلي آخر، يُدعى أوفر الووني، مقالاً في صحيفة هآرتس الصهيونية الأسبوع الماضي ذكر فيه أن إسرائيل في القرن الحادي والعشرين فوضوية ومربكة ومجنونة. وقال، "الدولة اليهودية تنتهج سيناريو وهمياً وليس لها مصداقية وقد تم إنشاؤها عن طريق الخطأ". هذه مجرد أمثلة قليلة على اعترافات خبراء ومحللين ومؤرخين صهاينة، لكن اللافت للنظر أن مثل هذه الاعترافات وصلت مؤخرًا إلى مستوى المسؤولين الإسرائيليين.