الوقت- بعيداً عن تهريج الحكومات وتجارتها بالقضية الفلسطينية لتحقيق أهدافها المعروفة، تقف الشعوب العربية بمشاعر صادقة وخالية من التصنع مدافعة بكل قوتها عن فلسطين، جاعلة الكيان الصهيوني في حيرة من أمره.
عمليات التطبيع العربية التي تصفها بعض وسائل الإعلام على أنها خيانة واضحة جداً للقضية الفلسطينية، يبدو وكأنها لم تكن سوى مجريات سياسية لتحقيق مصالح وتسويات بين الطرفين المطبعين، لأنها لم تؤثر أبداً على الشعوب العربية، بل زاد من دفاع تلك الشعوب عن فلسطين وعزز وجودها بينهم. بل حتى إن الحكومات المطبعة العربية اتخذت اقوى مواقفها ضد الاحتلال الصهيوني بعد عمليات التطبيع، فقد تم عقد جلسة مجلس الأمن أخيراً بناء على طلب من فلسطين والأردن، بدعم من الإمارات وممثلي الدول العربية في مجلس الأمن، إثر اقتحام وزير الأمن الداخلي في الكيان الصهيوني، إتمار بن غفير المسجد الأقصى.
فلسطين لم تغب أبدا عن الوجود الشعبي العربي، اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، وعلى العكس من البعض، لم تحتج الشعوب العربية أبداً الى من يلقنها أو يعلمها أو يجبرها على تبني القضية الفلسطينية، ففلسطين أرضهم، ومقدساتها مقدساتهم، وشعبها شعبهم، ولن يفترقون في ذلك الى يوم الدين. لذلك لا غرابة في بقاء تلك القضية حية حتى الآن بينهم على الرغم من انتهاج بعض الحكومات العربية سياسة الحياد أو القبول للكيان الاسرائيلي كواقع.
ساحة المواجهة الرياضية بين الشعوب العربية والكيان الاسرائيلي
وللمفارقة، كانت الساحة الرياضية العربية ميداناً للمواجهة الشعبية العربية مع الكيان الإسرائيلي سطر فيه الرياضيون العرب أروع مشاهد الرفض للكيان الصهيوني. حيث رفض اللاعبون العرب دائماً مواجهة اللاعبين الإسرائيليين حتى في النزالات النهائية، ودائما ما رفعوا الأعلام الفلسطينية بعد كل فوز وفرحة وتأهل.
وقد تكررت مواقف اللاعبين العرب الرافضين لمواجهة منافسيهم الصهاينة في مناسبات عديدة كان أبرزها رفض لاعبين جزائري وسوداني مواجهة غريمهما الصهيوني في اولمبياد طوكيو 2020. هذا وقد وجه اللاعبان الجزائري السوداني في وقتها ضربة قوية لموجات التطبيع العربي المثير للجدل مع الاحتلال في العام 2020، بانسحابهما من مواجهة لاعب إسرائيلي. وقد اعتبرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أن ظاهرة مقاطعة اللاعبين العرب، ورفضهم مواجهة اللاعبين الإسرائيليين في أولمبياد طوكيو، مؤشر على إفلاس التطبيع مع الدول العربية.
وهذا ولم يكن خافيا أبداً الوجود الفلسطيني في كأس العالم قطر 2022، والذي سطرت فيه الجماهير العربية أقوى وأوضح المواقف تجاه الكيان الإسرائيلي، حيث ظل المراسلون الصهاينة يشحذون المقابلات مع الجمهور العربي والجميع يرفض ما إن يشعرون أنهم صهاينة. ومع الأداء الباهر للمنتخب الوطني المغربي في هذه البطولة ووصوله إلى المربع الذهبي، فإنه لم يفز مرة إلا ورفع لاعبوه وجمهوره والمغربي والعربي العلم الفلسطيني، ما أزعج حتى وسائل الإعلام الأوروبية متهمة المغرب وجمهوره العربي بمعاداة السامية!!
صور شهداء فلسطين تزين ملاعب العراق
هذا ولم يكن العراق غائباً عن تلك الفعاليات الرياضية المبهرة على الرغم من البلاء الذي يقيم بفنائه، وقد لفت قبل شهور خبر رفض لاعب المنتخب العراقي في الملاكمة التايلاندية "علي الكناني" مواجهة لاعب إسرائيلي في نهائيات بطولة العالم المقامة في تايلاند وسائل الاعلام وقوبل بإشادة كبيرة من الجمهور العربي.
وفي توجه لافت، رفعت جماهير فريق نادي الزوراء العراقي صورة ضخمة للشاب خيري علقم، منفذ عملية القدس المحتلة قبل أيام. وأمام نادي القوة الجوية، وعلى ستاد الشعب الدولي، الذي يتسع لـ45 ألف متفرج، رفعت جماهير الزوراء صورة ضخمة لخيري، الذي قتل 8 مستوطنين قبل أن يستشهد. وهتف المشجعون العراقيون لخيري علقم وفلسطين. وتفاعل ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع لقطة رفع صورة علقم إشادة وشكرا. يشار إلى أن عملية خيري علقم جاءت بعد يوم فقط من مجزرة نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة جنين، باغتيال تسعة شبان مقاومين.
في الحقيقة مخطئ من يظن أن القضية الفلسطينية من الممكن أن تموت في قلوب الشعوب العربية، مهما كانت الضغوط أو التهديدات أو حتى الإغراءات. وفي الحقيقة أيضاً أن الصهاينة أنفسهم يدركون أن لا تهديد حقيقيا لوجودهم على المدى الطويل إلا الوعي الشعبي العربي المناهض لهم. فهم يعرفون أنه مهما طال الزمن وتغيرت الحكومات فإن الشعوب العربية لن تستجيب لأي ترغيب من قبل أي كان بقبول الكيان الإسرائيلي، بل إن النفور منه يبدو وكأنه يجري في عروقهم منذ الصغر.
الشعوب العربية التي زحفت من بلدانها قبل 80 سنة لقتال الكيان الإسرائيلي منذ نشأته الأولى عام 1948، وخاضت حروباً وجودية حقيقية مع الجيش الإسرائيلي في الأعوام 1958 و1963 و1973 وضحت بالأرواح وأعطت انهار الدم للدفاع عن فلسطين، لن تعتبر ذلك الكيان صديقاً أبداً، ولن تحتاج حقيقة إلى من يعلمها كيفية الدفاع عن فلسطين ولا إلى من يعرفها أن الكيان الإسرائيلي هو عدو الإسلام الأول وأن فلسطين هي القضية الأولى. ومن المفارقات أن مقبرة شهداء الجيش العراقي في بلدة جنين المنتفضة حالياً هي خير دليل لمن يعقل، على أن الذي دعم فلسطين بروحه ودمه هو المدافع العارف والحقيقي والأبدي عن فلسطين، ولا يستوي أبداً مع الذي يدعمها بالأموال والتصريحات، ويحسب أنه صاحب القضية الأول!