الوقت- بينما حذرت فصائل المقاومة في وقت سابق المسؤولين في الحكومة الصهيونية المتطرفة من التبعات الخطيرة للأعمال الإجرامية في الضفة الغربية، إلا أن الصهاينة لم يعيروا اهتماماً بهذه التحذيرات واستمروا في إثارة الحرب.
في أحدث الجرائم، قتل الصهاينة 9 فلسطينيين وجرحوا 20 آخرين في هجوم على مخيم جنين. كما استهدف الصهاينة عدة نقاط في غزة، وردت فصائل المقاومة وأبدت استعدادها للکيان الصهيوني بإطلاق عدة صواريخ على الأراضي المحتلة.
إن خلق التوتر من قبل الکيان الصهيوني يمكن أن يشعل نار الحرب في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويزيد من انعدام الأمن في الأراضي المحتلة.
للنظر في أبعاد الصراع بين المقاومة الفلسطينية والجيش الصهيوني، تحدث "الوقت" مع السيد هادي أفقهي، الخبير في شؤون غرب آسيا.
الوقت: بما أن الوضع في الضفة مشتعل منذ أشهر وأي توتر يمكن أن يشعل نار الحرب، لكن الصهاينة يواصلون مغامرتهم. ما هو السبب الرئيسي وهدف الحكومة الراديكالية للکيان الصهيوني لبدء جولة جديدة من الصراع في جنين وغزة؟
السيد هادي أفقهي: هناك سببان رئيسيان. أولاً، قبل تشكيل حكومة نتنياهو، وهي مزيج من العناصر الأكثر شراً في اليمين المتطرف الديني، كانت الضفة الغربية، وخاصةً مخيم جنين، نشطةً للغاية وأصبحت المركز الرئيسي للمقاومة ضد الصهاينة. حتى أن شيرين أبو عاقلة، مراسلة شبكة الجزيرة استشهدت برصاص الجنود الإسرائيليين في نفس المخيم.
لذلك، ازداد قلق المسؤولين السياسيين وجنرالات الأمن الصهاينة على جنين يومًا بعد يوم، وأدركوا أن عملية تشكيل النوى الأساسية للمقاومة التي كانوا يخشونها تزداد جديةً وانتظامًا واتساعًا. وكل من الجماعات المستقلة والجهاد الإسلامي وحماس لديها الآن وجود أكثر نشاطًا وتنظيمًا في هذه المنطقة، وأحيانًا يؤدي ذلك إلى قتال فردي مع الکيان الصهيوني، ولهذا أصبح الصهاينة أكثر حساسيةً تجاه جنين.
وبحسب بعض المصادر، فإن نصف الجيش الصهيوني موجود في جنين، وعلى الرغم من عدم تأكيد هذا العدد من القوات حتى الآن، فمن الواضح أن عدد العمليات والصراعات المباشرة في ازدياد، ويتطلب وجود العديد من القوات التي تتكون من الموساد الشاباك والشرطة والجيش، وهذا يعني أنهم يشعرون بخطر أكبر من منطقة الجنين.
أما الموضوع الثاني فيتعلق بأزمة الشرعية داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي. نتنياهو لديه قضايا فساد ويتخذ أي إجراء للحفاظ على حصانته السياسية والقضائية، وستتحقق هذه القضية عندما يتولى مناصب رئيسية مثل رئاسة الوزراء والوزارة ورئاسة مجلس النواب.
حتى الآن أيضًا وبعد أن حصل حزب الليكود والمتطرفون على 64 مقعدًا في البرلمان، فإنهم يريدون الحصول على حصانة قضائية من داخل الكنيست. ولهذا السبب، دعا نتنياهو الكنيست للمصادقة على قانون لمواجهة استخدام حق النقض ضد بعض أحكام القضاء. ومعارضو نتنياهو لم يتسامحوا مع هذه الصلاحيات التي هي تدخل السلطة التنفيذية في الجهاز القضائي، وأصبحت ذريعةً لإسقاط الحكومة وحلها. والآن يوجد وزيران على وشك الإقالة، الأمر الذي جعل الحكومة غير مستقرة.
بمعنى آخر، الحساسية تجاه جنين ناتجة عن الخوف من تشكيل المقاومة وصعودها، وهي أيضًا شكل من أشكال هروب حكومة نتنياهو إلی الأمام، للقول إننا الآن في صراع مع المقاومة الفلسطينية ويجب أن ننحي الخلافات الداخلية جانباً ونذهب إلى الحرب مع الفلسطينيين المسلحين. نتنياهو قام بالعديد من هذه الإجراءات، وأحياناً كان ينجح وأحياناً يفشل.
الوقت: بالنظر إلى مغامرات الصهاينة، كيف تقيمون آفاق التطورات في الضفة الغربية وغزة؟ هل من الممكن أن تندلع حرب شاملة بين الفصائل الفلسطينية والجيش الصهيوني؟
السيد هادي أفقهي: من الصعب جدًا القول إن حربًا واسعة النطاق ستندلع في الوضع الحالي. لأن فصائل المقاومة يجب أن تكون جاهزةً لجولة صراعات جديدة، وأن الدعم الجاد يجب أن يقدمه محور المقاومة والدول العربية، كما يجب أن يكون المستوطنون داخل الأراضي المحتلة جاهزين. لكن الکيان الصهيوني غير مستعد لذلك، ولا يريد لهذه الصراعات أن تتوسع وتتحول إلى حرب شاملة.
لأنه في حال اندلاع حرب جديدة، يجب تكوين استعداد وتنسيق أكبر داخل الأراضي المحتلة وبين الفلسطينيين، والتنسيق الضروري بين قوى المقاومة مثل حزب الله وسوريا وإيران. في رأيي، في الوضع الحالي لن تحدث حرب شاملة، لكن عمليات إطلاق الصواريخ المتفرقة والعمليات الاستشهادية والاشتباکات البرية قد تزداد في الضفة الغربية وأراضي 1948.
الوقت: في حال تحقق مثل هذا السيناريو، ما مدی الدعم المقدم من محور المقاومة للفصائل الفلسطينية؟
السيد هادي أفقهي: هناك مسألتان في هذا الصدد، إحداهما أن غرفة العمليات المشتركة لمحور المقاومة تتشاور باستمرار وتتبادل المعلومات والتصميم، لكن عندما نتحدث عن حرب واسعة النطاق، يجب على الجماعات الفلسطينية وأعضاء المقاومة في المنطقة أن يأخذوا في الاعتبار كل شيء، وإذا وصلوا إلى نقطة مشتركة في المجال التفصيلي والحسابات الاستراتيجية والنفسية في المنطقة، فستحدث هذه الحرب بالتأكيد.
إذا كانت هناك حرب فقد ينجو نتنياهو من المعركة والمعارضة الداخلية التي تريد قلب حكومته من خلال الاحتجاجات، وفي هذه الحالة سيقول نتنياهو وأعضاء حكومته إن التهديد الخارجي الآن هو ضد "إسرائيل"، وإنه يجب أن نوقف الصراع الداخلي في الوقت الحاضر ونذهب إلى الحرب مع الفلسطينيين.
الوقت: بيني غانتس ويائير لابيد وقادة صهاينة آخرين يستغلون كل فرصة لمهاجمة حكومة نتنياهو. ألا يدفعهم بدء النزاعات مع فلسطين إلى استغلال هذه الفرصة لتحقيق أهدافهم؟
السيد هادي أفقهي: كان أحد أهداف الصراع الأخير هروب نتنياهو إلى الأمام، وتقديم الفلسطينيين على أنهم التهديد الرئيسي وتحويل الانتباه الداخلي في هذا الاتجاه. صحيح أن المعارضة تسعى للإطاحة بنتنياهو، أما إذا انتشرت الاشتباکات، فستنسحب المعارضة للحفاظ على جوهر الكيان الصهيوني، وتقليص عدد الإصابات، وقمع مجموعات المقاومة، ومن ثم تقوم بتصفية الحسابات فيما بينها.
في رأيي، الصراع بين حكومة نتنياهو المتطرفة وقادة المعارضة هو فجوة عميقة لا يمكن حلها، وبالتناسب مع الحرب الميدانية والأمنية، فإن النزاعات والاحتجاجات ومسألة حل مجلس الوزراء قد تزيد أو تنقص، لكن إذا خفت حدة الصراع مع فصائل المقاومة الفلسطينية، فإن المعارضة ستقف ضد الحكومة وتواصل الاحتجاجات.
الصهاينة قلقون من السياسات المتطرفة للحكومة، ويقولون إن الأعضاء المتطرفين ينوون فرض وجهات نظرهم المتطرفة على الآخرين. معظم المجتمع الصهيوني علماني ولا يقبل الأحزاب الدينية، وتزداد قوته وتنخفض في المعادلات الانتخابية، لكنه لا يقبل نهج المتطرفين.
الوقت: كيف تقيمون رد فعل فصائل المقاومة على الهجوم الصهيوني على جنين؟
السيد هادي أفقهي: جاء الرد الحالي والأولي من قبل فصائل المقاومة من غزة باتجاه عسقلان ومحيط قطاع غزة، حيث تم إطلاق عدة صواريخ باتجاه هذه المناطق، أصاب صاروخان منها أهدافهما. لكن الکيان الصهيوني لا يسمح بالإعلان عن مكان إصابة الصواريخ وعدد الإصابات، وفي الاشتباكات في جنين التي استمرت ثلاث ساعات تكبد الصهاينة خسائر كبيرة بالتأكيد، لكنهم فرضوا رقابةً على إصاباتهم مرةً أخرى.
حتى الصحفيين العسكريين الإسرائيليين لم يُسمح لهم بدخول المنطقة والإعلان عن عدد الضحايا. وأعلنت المقاومة "أننا لن نوقف الهجمات وسنواصل القتال حتى يتم إرساء الردع الجاد"، وهم سيحددون نوع الصواريخ وشكلها واستهدافها بأنفسهم.
الوقت: بالنظر إلى أن الكيان الصهيوني قد اتخذ إجراءات ضد منظمة السلطة الفلسطينية، ما مدى فعالية هذه الإجراءات في مواقف هذه المنظمة ومحمود عباس للابتعاد عن تل أبيب والتوجه نحو المقاومة؟
السيد هادي أفقهي: محمود عباس في موقع ضعيف، ومنذ أن دخلت الضفة الغربية المرحلة المسلحة ضعف دور وسلطة عباس في هذه المنطقة. محمود عباس الآن مريض ولا يطيق التوتر ونائبه أكثر نشاطاً في الساحة السياسية، ولا يحب الانخراط مع مجموعات المقاومة وليس لديه القدرة على مواجهتها، لأن التوازن الآن لصالح المقاومة. رغم أن عباس وبعد الاشتباكات الأخيرة التي استشهد فيها تسعة أشخاص، قال إنه سيعلق التنسيق الأمني مع الکيان الإسرائيلي في الوقت الحالي.
الآن وجدت مجموعات المقاومة طريقها ولا تحتاج إلى دعم منظمة السلطة الفلسطينية، وهذه المنظمة ليس لها مكان في المعادلة الميدانية.