الوقت- سلّطت الأضواء على الجزائر، حيث نجحت الأخيرة في تنظيم حفل افتتاح مُبهر، ولافت، لبطولة كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين .
وكان من أبرز مشاهد ذلك الافتتاح، حضور حفيد نيلسون مانديلا، وفي الملعب الذي حمل اسم والده مانديلا، وهتف الحرية لفلسطين من البحر إلى النهر.
وما تزال ارتدادات زلزال الكلمات التي أطلقها زويليفليل مانديلا، حفيد الزعيم الإفريقي الكبير نيلسون مانديلا، في حفل افتتاح البطولة الإفريقية للمحليين (الشان) بالجزائر، تتواصل في أركان المغرب ، بعد أن دعا أمام آلاف الجماهير بملعب نيلسون مانديلا الجديد ببراقي بالعاصمة، في الحفل الافتتاحي الذي تابعه مئات الملايين من الأفارقة وغير الأفارقة، الجمعة، إلى تحرير الصحراء الغربية باعتبارها آخر مستعمرة إفريقية من الاحتلال المغربي.
وتعد جنوب أفريقيا، إلى جانب الجزائر، من أهم مساندي جبهة البوليساريو، المطالبة باستقلال المنطقة المتنازع عليها. بينما يعتبرها المغرب تاريخيا جزءا لا يتجزأ من ترابه، ويسيطر على نحو 80 بالمئة منها، مقترحا منحها حكما ذاتيا.
في حين تطالب جبهة بوليساريو بإجراء استفتاء لتقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة.
وسارع الاتحاد المغربي لكرة القدم، الذي لم يكن قد تخلص بعد من آثار المسرحية التي قام بها حول سفر المنتخب المغربي إلى الجزائر، وفشل خطته في لي ذراع الجزائر لفتح المجال الجوي لكسر الحظر الذي فرضته عليه، إلى إصدار بيان عبر فيه عن تألمه الشديد من تلك العبارات القوية التي أطلقها حفيد مانديلا، إلى درجة أفقدته توازنه، وجعلته يستاء فيها عما سماها “ممارسات دنيئة ومناورات سخيفة” صاحبت افتتاح بطولة إفريقيا للمحليين، مدعيا أن إلقاء كلمة خارج السياق لتمرير مغالطات سياسية لا تمت بأي صلة للشأن الكروي، يمثل حسب زعمه “خرقا سافرا للقوانين المنظمة للتظاهرات الكروية التي تقام تحت لواء الاتحاد الإفريقي لكرة القدم”.
وانتقل الزلزال الذي أحدثه روح المناضل مانديلا من بناية الجامعة الملكية لكرة القدم، التي تمثل الذراع الرياضي للمخزن بقيادة فوزي لقجع، إلى الإعلام المغربي ومنصات التواصل الاجتماعي المغربية، التي تحركها وتوجهها في الغالب أجهزة المخابرات المغربية، والتي شنت بدورها حملة شعواء ضد الجزائر، باعتبار أن الجزائر تستغل فرصة تنظيمها للشان لضرب الوحدة الترابية المزعومة للمملكة، في حين أن العالم كله يعرف ويعترف أن قضية الصحراء الغربية مسجلة في الأمم المتحدة باعتبارها قضية تصفية استعمار.
واسترسل عياشة المخزن في البكاء والنواح عبر الإعلام الموجه وعلى مواقع التواصل الاجتماعي من هول تلك الصفعة، مطلقين جملة من الأكاذيب والمغالطات المعروفة عن هذا النظام، عبر الادعاء أن كلمة حفيد مانديلا جاءت بـ”إيعاز” من النظام الجزائري، وأنه قد تم “إرشاء” حفيد مانديلا بمبالغ ضخمة من طرف الجزائر حتى يهاجم من يسمونها ”المملكة الشريفة”، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وصل الى حد التعرض لشخص زويليفليل مانديلا ونعته بأنه شخص مسبوق قضائيا، وأنه أدين في قضايا مخلة بالحياء وغيرها من الترهات التي يجيد المخازنية حبكها ضد كل من يقول كلمة حق في قضية الصحراء أو ينتقد الملك والمغرب ولو بكلمة.
ولم يخطر على بال هذه الأبواق أن حفل افتتاح الشان بالجزائر الذي حضره إنفانتينو وموتسيبي، ووصفه الكاف بأنه كان حفلا “ساحرا”، قد تخللته كلمة حفيد مانديلا باعتباره شخصا راشدا ومسؤولا عن كلامه، وأنه رجل سياسي يمثل زعيما سياسيا كبيرا وليس لاعبا في كرة القدم أو فنانا أو راقص بالي، وأن ما قاله في حفل الافتتاح يمثل وجهة نظره التي تعكس وجهة نظر والده الذي كان مع كفاح الشعوب المقهورة للتحرر من فلسطين إلى الصحراء الغربية، ولا دخل للجزائر في قناعات الشخص ولا يمكنها أن تحدد محتوى كلمته في مثل هكذا مناسبات. أما الاتهامات البليدة التي تم توجيهها لحفيد مانديلا فهي لا تنم إلا عن أخلاق متدنية لعياشة المخزن، انطلاقا من واقع السياحة الجنسية الذي يعرفه هذا البلد ومدى تأثير ذلك على نوعية تفكير نخبه المتزلفة.
وسبق هذا الزلزال الذي ضرب المغرب وأركانه من جهة لم يكن أحد يتوقعها، محاولات بائسة من طرف المغرب وبيادقه، للتشويش على الشان وإفشالها قبل أن تبدأ، باشتراط رحلة جوية مباشرة من الرباط إلى قسنطينة عبر الخطوط الجوية المغربية، وإلا فإن الفريق المغربي المحلي لن يشارك في هذه البطولة، في سيناريو شبيه بالمسرحيات التي قام بها وزير خارجية المخزن بوريطة خلال انعقاد القمة العربية بالجزائر شهر نوفمبر العام الماضي.
وقد استعمل رئيس الاتحادية المغربية فوزي لقجع أحط الأساليب التي تفتقت عليها السادية المخزنية لإحراج العالم وفرض شروط عليها من أجل المشاركة، لكنه عندما اصطدم وأدرك حتى اللحظات الأخيرة أن اللعب مع الجزائر غير ممكن، وأنه أمام قرار سيادي لدولة لا تلعب في مثل هذه الأمور، حاول المتاجرة بصور اللاعبين الشبان المغاربة وهم ينتظرون بأمتعتهم في مطار الرباط وأمام كاميرات العالم، في الوقت نفسه الذي كان فيه إنفانتينو وموتسيبي ينزلان في المطار، في محاولة لاستجداء عطف هذه الشخصيات والتأثير على قرارات الكاف والفيفا لمعاقبة الجزائر، لكن المسرحية كانت مكشوفة ومفضوحة فوق اللزوم، قبل أن يعود اللاعبون المغاربة أدراجهم، ومعهم خيبة لقجع الذي تولى بعدها لعبة التمسكن أمام كاميرات الإعلام.
ولم يكن زلزال مانديلا الذي ضرب المنصات المغربية وذباباها الإلكتروني في الصميم، إلا مبررا إضافيا لزيادة حجم الهجمات الذبابية هذه ضد “ شان” الجزائر وضد الجزائر عموما، التي أبهرت العالم بتنظيمها وبنيتها التحتية، إلا العياشة وبعض الخونة في الداخل الذين لم يكن بمقدورهم رؤية ما يراه العالم كله، من أن الجزائر قد نجحت في تمرير ما أرادت لأكثر من 800 مليون إنسان شاهد افتتاح “ الشان” عبر قارات العالم كلها.
وانطلق إعلام المغرب وذبابه الإلكتروني في حملة لقلب الحقائق كما عودنا دائما، ووصلت به الوقاحة أن نسب نضال الزعيم مانديلا كله إلى المغرب وحده وليس للجزائر فيه أي فضل، على الرغم أن كل الدلائل التاريخية بالصور والوثائق تشير إلى أن مانديلا قد تلقى في صفوف جيش التحرير الوطني في الجزائر تدريبه العسكري الأول بداية الستينات.
وتذهب الحملة المغربية لسرقة الدور الجزائري في نضال مانديلا، إلى حدود بعيدة بالتأكيد أن المغاربة هم أول من احتضنوه وأنهم من أمدوه بالسلاح والمال، وقد تدخل في مثل هذه المهاترات حتى عبد الإله بن كيران، عندما راح بعد واقعة براقي، يؤكد أن مانديلا جعل من أولياته لما خرج من السجن أن يزور المغرب ويزور عبد الكريم الخطيب، الذي تولى منصب وزير الشؤون الإفريقية المغربي عام 1961، وقد نسي بن كيران أن أول بلد زاره هو الجزائر بعد إطلاق سراحه، وأن زيارة مانديلا للمغرب بعدها لم تكن زيارة للمغرب كبلد، ولا للحكومة المغربية باعتراف بن كيران نفسه، وإنما هي زيارة مجاملة لعبد الكريم الخطيب كشخص، الذي هو بالمناسبة من أصل جزائري، وتعلّم في الجزائر التي يعلم العالم كله أنها كانت السند الأول للمؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة مانديلا وهي التي وفرت المال والسلاح وجوازات السفر من أجل الانتصار على نظام الأبارتيد العنصري، وهذا باعتراف مانديلا نفسه في مذكراته وليس عبر حملات مشوهة يقودها ذباب إلكتروني ، حيث يقول مانديلا الذي زار وحدات من جيش التحرير الجزائري في وجدة عام 1962 قبل أن يزورهم في جبال الجزائر عام 1962، في مذكراته بعنوان “الدرب الطويل نحو الحرية” إن “الثورة الجزائرية هي النموذج الأقرب لثورتناّ”، واصفا جيش التحرير الوطني بأنهم “كانوا جيشا مغوارا يضم محاربين كسبوا رتبهم في خضم الحروب وكانوا مولوعين بالحرب والاستراتيجية القتالية أكثر منها بالزي العسكري والاستعراضات العسكرية”، مضيفا “كنت أعلم أن قواتنا تشبه أكثر جنود الجزائر، وكنت آمل أن يحاربوا بمثل هذه البسالة”، وأن “الثورة الجزائرية صنعت مني رجلا”، وقد بقيت أفضال الجزائر على نضال الجنوب إفريقين عالقة في رقبة المناضل مانديلا حتى إطلاق سراحه من السجن حيث كانت الجزائر أول بلد يزورها مانديلا بعد إطلاق سراحه في فبراير 1990.
واللافت في هذه الحملة المغربية التي تهدف للاستحواذ على نضال مانديلا على طريقة الاستحواذ على الزليج والكراكو والكسكي، أن دعاية الذباب المخزنية تتركز على فكرة أن المغرب هو من ساعد الجزائر وجنوب إفريقيا لنيل الحرية والاستقلال، بينما غاب عن هذا الذباب والمروجين له، أن يسألوا أنفسهم ماذا قدم المغرب لتحرير فلسطين اليوم وليس قبل عقود؟ ألم يتحالف مع أعداء الأمة وأعداء فلسطين وشكل معهم حلفا عسكريا ضد أمته؟ بل ماذا قدم المغرب لتحرير أرضه قبل الحديث عن تحرير أرض الغير، ومدن مثل سبتة ومليلية ما تزال ترزح تحت الاحتلال الإسباني منذ قرون طويلة، ولا يجرؤ هذا النظام المدعي على تحرير مدنه المحتلة وجزره التي باعها وقبض ثمنها.