الوقت- في خطوة عنصرية تنذر بتشديد عصر الفاشية في حكومة الاحتلال الإسرائيلي الجديدة، صادق البرلمان في حكومة الاحتلال الإسرائيلي على 7 مشاريع قوانين قدمها أعضاء أحزاب الائتلاف الحاكم تقضي بسحب حق المواطنة أو الإقامة من أسرى فلسطينيين. فيما سوف تحوّل هذه المشاريع إلى لجنة الداخلية و حماية البيئة لإعدادها للقراءة الأولى. وأيّد المشروع واحد وسبعون عضوًا وعارضه تسعة أعضاء، وقال عضو الكنيست أحمد الطيبي إنه تشريع عنصري من أساسه.
من جانبه اعتبر نادي الأسير، أن مصادقة الكنيست الإسرائيلية، على مشروع قانون بالقراءة التمهيدية الأولى، لسحب الجنسية الإسرائيلية والإقامة من مناضلي أراضي عام 1948، والقدس المحتلة، ما هو إلا بند جديد من عمليات التهجير الشاملة، ومحاربة الوجود الفلسطيني.
وتابع نادي الأسير، إن ما وصلنا له اليوم في قضية الأسرى لم يكن نتاج هذه اللحظة، بل خلاصة متراكمة نفذتها حكومات الاحتلال المتعاقبة، فعلى مدار السنوات الماضية، واجهت عدوانا متصاعدا، استخدم الاحتلال كل أدواته، يأتي ذلك في ظل تصاعد عمليات الاعتقال، والتي طالت الآلاف من أبناء شعبنا، ولم تتوقف يوما. هذا القانون ينص على حرمان الفلسطيني الذي يشارك في عمل نضالي ضد الاحتلال، ويتلقى أي مخصصات من السلطة الوطنية من حقّه بالبقاء على أرضه، الأمر الذي يدخلنا إلى مرحلة خطيرة غير مسبوقة فعليا، تستدعي وقفة جدية وحاسمة من الحركة الوطنية الفلسطينية، مشددا على ضرورة التصدي الشامل لسياسات وإجراءات وتشريعات الاحتلال.
و يستمر الكيان الصهيوني في ابتكار أساليب و سياسات و قوانين عنصرية لتهجير الشعب الفلسطيني من بلاده و اقتلاعه من جذوره المتجذرة في هذه الأرض عبر التاريخ حتى وصل الأمر به لمنع رفع العلم الفلسطيني حيث أعلن وزير الأمن الداخلي، إيتمار بن غفير، أنه أوعز للمفتش العام لشرطة الاحتلال، يعقوب شبتاي، بمنع رفع العلم الفلسطيني في الأماكن العامة، الأمر المخالف لما سمحت به اتفاقيات أوسلو ما يشير إلى الخوف و الهلع الذي يعيشه هذا الكيان الغاشم من إرادة الشعب الفلسطيني الحقيقية في استرجاع أرضه.
قانون يُشرع العنصرية !
تُظهر الخطوط العريضة لائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة التي حظيت بثقة 63 من أعضاء الكنيست الإسرائيلي وعارضها 54 نائبا، مخططات مكشوفة لاستهداف مباشر للشعب الفلسطيني في كل مجالات الحياة.
فقد أجمع حقوقيون وسياسيون على أن مثل هذه المشاريع تعكس سياسة حكومة الاحتلال بمساومة فلسطينيي 48 على حقوقهم وهويتهم وانتمائهم الوطني والقومي، وترويعهم من أجل سلخهم عن الشعب الفلسطيني، ويمهد لتكريس سياسة منع لم الشمل للفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر. و اعتبر محللون أن مشروع قانون سحب الجنسية قد جاء من منطلقات انتقامية والذي يتم اعتماده ضد العرب فقط، وهو ما يعتبر تطبيقا انتقائيا للقانون الذي يضم البند الذي يسمح بحرمان وتجريد الإنسان أبسط حقوقه وهي المواطنة، وهذا البند غير دستوري، وجاء بصياغة فضفاضة للمس بأمن الدولة وعدم الولاء للدولة.
من الجدير بالذكر أنه لا يوجد في أي بلد بالعالم إجراء سحب المواطنة لدوافع أمنية أو لتسويغيات قانونية، وعلى الرغم من ذلك يُشرعن هذا الإجراء في دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد أصحاب الأرض، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الذي يمنع الدولة من تجريد المواطن من جنسيته إلا في حالات خاصة تكون للإنسان مواطنة بديلة، علما أن فلسطينيي 48 يحملون فقط المواطنة الإسرائيلية. و تضع هذه المشاريع القانون الإسرائيلي في مكانة يتفرد فيها بالمساس بالحقوق المدنية والأساسية للفلسطينيين وتقويض حقوقهم وبمكانة العرب في البلاد، لكونه يمهد لمنع لم شمل عشرات آلاف العائلات الفلسطينية على جانبي الخط الأخضر.
لكن ما الهدف الخفي لحكومة نتنياهو من تشديد العنصرية تجاه فلسطينيي الداخل؟
الفاشية في إسرائيل رفعت رأسها عاليًا في ظل وجود هذه الحكومة التي تضمن وزراء هم الأكثر عنصرية في تاريخ هذا الكيان أمثال سموترتش وبن غفير وغيرهم، والذي جاء بهم نتنياهو من أجل التهرب من محاكمته التي كانت ستدخله السجن، وهو يعمل الآن المستحيل مع هذه الحكومة من أجل تقويض حكم القانون وتقليص صلاحيات محكمة العدل العليا، وإعطاء الصلاحيات الأكبر للسياسيين الإسرائيليين.
تهجير ممنهج لخلق واقع ديموغرافي جديد
يتفنن الكيان الصهيوني في ابتكار الأدوات و تشريع القوانين بهدف تهجير و تشريد أبناء الشعب الفلسطيني عن أرضه و أهله مشروع قانون المواطنة والتشريعات العنصرية التي تصادق عليها حكومة الاحتلال تضعنا أمام حقيقة أن كل فلسطيني مهدد بالتهجير والتشريد بغطاء وشرعية جهاز القضاء الإسرائيلي، ما يؤكد أن الداخل الفلسطيني يوجد أمام واقع جديد.
و يعتبر تهجير الفلسطينيين من مدينة القدس أحد أبرز سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الساعية لخلق واقع ديموغراغي جديد، يشكل اليهود فيه النسبة الغالبة. وقد استخدمت إسرائيل لأجل ذلك الكثير من الوسائل، وقامت بالعديد من الإجراءات العنصرية ضد المدينة وسكانها الفلسطينيين، ضاربة بعرض الحائط كل القوانين والقرارات الدولية التي تعتبر مدينة القدس أرضًا محتلة تنطبق عليها العديد من الشرائع الدولية، ومنها اتفاقية جنيف الرابعة، المتعلقة بحماية المدنيين وعدم جواز نقلهم أو تهجيرهم من أماكن سكناهم.
سلطات الاحتلال الإسرائيلي هجرت غالبية الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في الجزء الغربي من مدينة القدس عام 1948، واستأنفت هذه السياسة الهادفة لتهجير الفلسطينيين من القدس الشرقية منذ احتلالها وضمها وفرض القوانين الإسرائيلية على سكانها في حزيران 1967.
الإحصاء السكاني الذي أجرته سلطات الاحتلال الإسرائيلي لسكان القدس المحتلة في 26 حزيران عام 1967م بيّن أن هناك 66 ألف مواطن فلسطيني مقدسي ظلوا داخل حدود المدينة؛ وبموجب القانون الإسرائيلي منحوا حق الإقامة دون المواطنة؛ وبالتالي ليس لهم أي حقوق في مجال المواطنة؛ وإنما عليهم التزامات الإقامة؛ في حين اعتبر باقي الفلسطينيين المقدسيين الذين لم يشملهم الاحصاء غرباء ولم يسمح لهم بالعودة إلى المدينة رغم أن القدس هي مسقط رأسهم.
ولتحكم حكومة الاحتلال قبضتها على مدينة القدس؛ سارعت إلى اتخاذ العديد من الإجراءات التهويدية ومن ضمنها سحب هويات المقدسيين، مستندة في ذلك على سلسلة من الأنظمة والقوانين والاحكام العنصرية،
وفرت القوانين العنصرية الغطاء لسلطات الاحتلال لحرمان الفلسطينيين المقدسيين من حقوقهم المشروعة بما في ذلك حقهم في البقاء في مدينتهم؛ فسحبت، بالاستناد إليها، هوياتهم؛ وطردتهم من المدينة. ويمكن تلخيص أبرز الأسباب التي استخدمتها السلطات لسحب هويات المقدسين:
1- إلغاء حق الإقامة للأشخاص الذين يقطنون في ضواحي القدس الواقعة خارج حدود البلدية، وفي المحافظات المجاورة، وكذلك الذين يقيمون خارج فلسطين.
2- سحب هوية المقدسي إذا نقل مركز حياته إلى خارج الحدود البلدية للمدينة، بما يشمل الضفة والقطاع لمدة سبع سنوات على الأقل.
3- سحب هوية المقدسي إذا حصل على الإقامة الدائمة في تلك الدولة.
4- سحب الهوية اذا حصل على جنسية دولة أخرى.
5- سحب هوية المقدسي لأسباب أمنية.
وحسب "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" في كتاب القدس السنوي في حزيران 2022، ما زالت البيانات عن مصادرة وإلغاء بطاقات الهوية المقدسية تستند بشكل أساسي إلى ما يتم الإعلان عنه رسميًا من خلال وزارة الداخلية الإسرائيلية، والتي تشير إلى مصادرة 14,701 بطاقة في الفترة ما بين 1967- 2020، وجزء من هذا الرقم يمثل هويات أرباب الأسر، وهذا يعني سحب هوية الأفراد المسجلين ضمن هوية رب الأسرة بشكل تلقائي، وعليه فان عدد الأفراد الذين تم سحب هوياتهم أعلى من هذا الرقم بكثير.
رزمة عدائية
وفي مؤشر لإعلان العداء لفلسطينيي 48 الذين تبقوا في أراضيهم بعد احتلالها عام 1948 وفُرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية منذ النكبة ويبلغ تعدادهم 1.7 مليون، أجمعت مركّبات الائتلاف الحكومي على ضرورة تشريع رزمة قوانين وإجراءات أبرزها:
1- تجريم رفع العلم الفلسطيني في المؤسسات الممولة من قبل الحكومة الإسرائيلية.
2- إتاحة سحب الجنسية الإسرائيلية أو الإقامة من كل فلسطيني أدين بـ"الإرهاب" وبالعمل ضد أمن إسرائيل.
3- تغيير أنظمة وقوانين تفريق المظاهرات، وإلغاء ما عُرف بـ"استخلاص العبر" أو توصيات "لجنة أور" بعد أحداث هبة القدس والأقصى في عام 2000، والتي حثت الشرطة الإسرائيلية على تخفيف سياسة "الضغط على الزناد"، وطالبت بدمج المواطنين العرب وسد الفجوات وتقليص الفوارق مع اليهود.
4- السماح لجهاز الأمن العام "الشاباك"، وتحت ذريعة مكافحة العنف والجريمة بالبلدات العربية داخل الخط الأخضر، بالتدخل في قضايا جنائية ومراقبة المواطنين العرب وشبكات التواصل الاجتماعي.
5- الاقتطاع من ميزانيات الخطة الخماسية المُخصصة للعرب وتحويل جزء كبير منها للشؤون الأمنية.
6- وضعت حكومة نتنياهو مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية لفلسطينيي 48 في دائرة الاستهداف؛ عبر فرض ضرائب على تمويل الجمعيات من خارج البلاد، وذلك بهدف تشديد الرقابة عليها وتجفيف مصادر تمويلها وتقويض حضورها وتأثيرها.
7- سيتم تشريع قانون ينص على إقصاء وفصل المعلمين الأكاديميين في الجامعات والكليات، على خلفية آرائهم أو مواقفهم المناهضة لإسرائيل ودعمهم لما تسميه حكومة نتنياهو "الإرهاب".
ختام القول، لابد من الإشارة أخيرا إلى أن رفض سحب الجنسية من الفلسطينيين ليس تمسكا بهذه الجنسية وإنما حرصًا على بقائهم في أرضهم وبيوتهم التي يحاول الاحتلال تهجيرهم منها، لتهويدها. رغم ذلك، تشير الثوابت و الوقائع إلى أن الإجراءات و القوانين العنصرية الإسرائيلية لن تنجح بترويع الداخل الفلسطيني، ولن تردعه عن مواصلة العيش في وطنه والنضال من أجل الحرية، فالشعب الفلسطيني ماضِ ولن يتراجع إلى الوراء بسبب مثل هذه الإجراءات والتشريعات، وسيبقى متمسكا بالثوابت الوطنية والقومية وحقه بالحرية والاستقلال.