الوقت_ في ظل أخطر وأوسع عدوان على المسجد الأقصى منذ احتلاله، ذكرت وسائل إعلام عبريّة نقلاً عن دبلوماسيٌّ غربيٌّ رفيعٌ يخدم في منطقة الشرق الأوسط وتربطه علاقات وطيدةٍ مع صُنّاع القرار في الكيان ومع الدول الخليجيّة والعربيّة المُطبّعة مع عدو العرب والمسلمين والأحرار الأول في العالم "إسرائيل"، أنّ الدول المُطبّعة (الإمارات، البحرين، السودان، المغرب) تخشى من تصرفات الحكومة الإسرائيليّة –الفاشيّة- الجديدة، حيث إنّ تلك الدول لديها الكثير لتخسره بسبب العلاقات الإستراتيجيّة الوطيدة مع تل أبيب، ولكنّ العواصم المُطبعة "لا حول لها ولا قوّةً" أمام قضية المسجد الأقصى المبارك، في ظل ازدياد هجمات العصابات الصهيونيّة على المسجد الأقصى المبارك، ورد المقاومة بأنّها “لن تقف مكتوفة الأيدي” على الاعتداءات الصهيونية على هذا المكان الإسلاميّ المقدس ودعوات حكومة العدو الصريحة للصهاينة للهجوم على المسجد الأقصى.
وقتٌ عصيبٌ على أنظمة التطبيع
في الوقت الذي تقوم فيه العصابات الصهيونية باعتداءات واسعة النطاق ومستمرة على أقدس مقدسات الفلسطينيين، بيّن المُستشرِق جاكي خوجي، محرر الشؤون العربيّة في إذاعة العدو، أنّ الانطباع السائد في العواصم العربية المطبّعة مع تل أبيب أنّه إذا كانت هذه هي سياسة الحكومة الصهيونيّة الجديدة، فقد بات ضروريّاً معرفة من صاحب القرار فيها، بن غفير –وزير الأمن- أم نتنياهو (رئيس الحكومة)، ومن يُحرّك من داخلها، لأنها الدول المُطبعة بأكملها تدرك جيداً أنّها في وقت عصيب، وهذا ما دفعها لاستنكار الاقتحام بكلمات شديدة، رغم أنّ بعض العواصم اختارت كلماتها بعناية، وبدلاً من أنْ “تدين” الجرائم الإسرائيليّة، فقد “أعربت عن أسفها”، وخاصة أنّ تل أبيب "تلعب بالنار" من خلال منهج تأجيج الأوضاع ورفع مستوى الاعتداءات، ناهيك عن انتهاك اتفاقية حظر غير المسلمين من دخول الأقصى دون إذن مسبق.
وبما أنّ حكومة العدو المعروفة بعنصريّتها الشديدة تتجاوز الخطوط الحمراء وتعتدي على الشعب الفلسطينيّ ومقدساته، نقل المستشرق الإسرائيليّ عن دبلوماسيٍّ أجنبيٍّ متمرّسٍ في المنطقة، قوله إنّه “لن تكون هناك فرصة ثانية للعواصم العربية المطبعة لاحتواء أيّ أزمة قادمة، لأنّه في ظلّ الوضع الراهن، فليسوا وحدهم من يضعون الأجندة الإقليمية، والمسجد الأقصى موضوع مدوّ"، باعتباره يشهد اقتحامات يوميّة من متطرفين يهود، بدعم لا محدود من شرطة الاحتلال الصهيونيّ، ناهيك عن الجولات الاستفزازيّة التي ينظمها الصهاينة المحتلون في أنحاء متفرقة من باحات الأقصى، وقيامهم بأداء “طقوس تلمودية” في ساحات المسجد المبارك، مع تأمين قوات العدو الحماية الكاملة لاقتحامات المستوطنين المتشددين، في محاولة لتقسيمه وفرض الهيمنة الكاملة عليه، في انتهاك لكل القوانين والأعراف الدوليّة واستفزاز لمشاعر الشعب الفلسطينيّ والأمتين العربية والإسلامية والأحرار في العالم.
وبالتزامن مع محاولات "إسرائيل" المستمرة لفرض الأمر الواقع ضمن هذا الصرح الدينيّ المقدس، ومساعي العدو الصهيونيّ بناء ألف وحدة استيطانيّة؛ لعزل القرى الفلسطينيّة شرق مدينة القدس بالكامل، ضمن ما يسمى مشروع “القدس الكبرى"، نوّه الدبلوماسيّ الغربيّ أنّه إذا انتهى الأمر بالدول المطبّعة، وكان عليهم الاختيار بين المسج الأقصى والعلاقات مع الكيان الصهيونيّ، فقد يتخذون قرارات من شأنها الإضرار بالعلاقات مع الصهاينة، ليس بسبب أهمية الأقصى بالنسبة لهم، لكن بسبب الخطر الذي قد يواجهونه وعلى سبيل المثال بدأ الشارع العربيّ بالاحتجاج ضد سياساتهم.
فتيلٌ دينيّ خطير
في ظل مساعي حركة المقاومة الإسلاميّة "حماس" لوقف السلوك الاستفزازي من قبل قوات ومسؤولي الاحتلال بالمسجد الأقصى، تحدث الدبلوماسيّ الغربيّ أنّ تطور الوضع على مستوى الشارع العربيّ في الدول الُمطبّعة لا يحتاج تسخيناً من "حماس"، بل سيتصرف الناس من تلقاء نفسهم، وفي هذه الحالة ستُوجّه الجماهير غضبها المباشر للأنظمة العربية التي خنعت لتل أبيب، ما يعني أنّ "إسرائيل" تمتلك فتيلاً قد يشعل العواصم العربية بعيدًا عنهاً، حيث إنّ أيّ حدثٍ كاقتحام بن غفير للمسجد الأقصى، سوف تعتبره تلك الأنظمة بمثابة اعتداء إسرائيليٍّ على أمنها القوميّ، وبالتالي ضربة قاتلة للعلاقة مع الاحتلال، على الرغم من أنّ تل أبيب احتفلت قبل شهرين بمرور 28 عامًا على "كذبة السلام" مع الأردن، وبعد شهرين سيمرّ 44 عاماُ على الكذبة نفسها مع مصر، وخلال تشرين الثاني/ ديسمبر المنصرم أقيمت مأدبتان في يافا (تل أبيب)، بحضور سفير البحرين خالد الجلاهمة، وسفير الإمارات محمد آل خاجة، احتفالاً باليوم الوطني لبلديهما، بحضورٍ بن غفير الذي يخوض حرباً ضد الأقصى.
وناهيك عن أنّ التصعيد المقصود من الحكومة الإسرائيليّة يمكن ببساطة أن يجر الساحة الفلسطينيّة إلى "حرب شعواء" غير محسوبة النتائج، اعتبر المستشرق أنّ “هذه الدول العربية المطبّعة لا تخفي العلاقة مع إسرائيل فحسب، بل تريد المزيد، لكنّها في الوقت عينه تعرف أنّ هذه العلاقات قد تتضرر إذا اشتعلت النيران في المسجد الأقصى، ولذلك كيف تتوقع الحكومة الإسرائيليّة إحلال التطبيع مع السعوديّة وهي تشعل الأقصى!"، وخاصة أنّ فصائل المقاومة الفلسطينيّة تؤكّد بشكل مستمر على عدم وجود وقف لإطلاق النار مع الكيان الصهيوني المحتل وتشدّد على أن المقاومة مستعدة لخوض الحرب للدفاع عن الفلسطينيين ومقدساتهم إذا اشتدت جرائم العصابات الصهيونيّة، وإنّ الاقتحامات الإسرائيليّة الأخيرة تبرهن بشدّة على أنّ التصعيد وإشعال المنطقة هو رغبة إسرائيليّة واضحة.
إضافة إلى ذلك، سيتم إغلاق خيار التطبيع السعوديّ، وعلى الرغم من أنّ وزراء إسرائيليين عدّة اقتحموا الأقصى المبارك سابقًا، لكنّ بن غفير في الذهن العربي ليس مجرد وزير، بل شخص متشدّد يقود تياراً يزعم أنّ الأقصى "منطقةً مقدسةً لليهود"، وفي حال ساهمت القرارات الإسرائيليّة بزيادة تصعيد الأوضاع في الأقصى، فهذا يعني وفقاً للمستشرق “تزامن شبح الحرب الدينيّة حول المسجد مع تفاقم الظروف الاقتصاديّة للدول العربية"، ما يجعل الوضع فيها محفوفًا بالمخاطر، ويطرح علامات استفهام كثيرة حول مدى استقرار هذه الأنظمة، وبالتالي فإنّ احتمال إشعال الفتيل الدينيّ يزيد من ثقل هموم الحكام العرب في دول التطبيع.
وحسب المعلومات، إنّ هذا الموضوع بالتحديد دفع مسؤولاً مصريًا لإبلاغ نظيره الإسرائيليّ أنّ حكومته "تلعب بالنار" إذا كانت تنوي السماح لابن غفير باقتحام الأقصى بشكلٍ دائمٍ من الآن فصاعدًا، وإذا كان التوتر في قطاع غزة له حلّ، ويمكن التعامل مع حماس، فإنّه في الحالة مع المسجد الأقصى، لا أحد يعرف ما هو الحل الذي ينتظر الجميع، كما أوضح الجنرال المتقاعد عاموس غلعاد، رئيس الشعبة الأمنيّة والسياسيّة في وزارة الحرب التابعة للعدو مؤخراً، أنّ الردود الحادّة من الدول العربيّة على زيارة بن غفير إلى الحرم القدسيّ، حتى لو بالسرّ وسريعًا، كانت متوقعةً بالنسبة للصهاينة.
ختاماً، وكما قال غلعاد، إنّ الحرم القدسيّ هو كـ "قنبلةٍ نوويّةٍ" دون مبالغة، من حيث قدرته على إلحاق الأذى بالصهاينة ومن معهم لم يتّم التعامل معه بالصورة الصحيحة، حيث إنّ الحرم القدسيّ والمساجد هي نقطة حساسة جدًا في العالم العربيّ والإسلاميّ، وتغيير الوضع القائم في الحرم يمكن أنْ يؤدي إلى سلسلة ردودٍ حادّةٍ للغاية، تصل إلى حدّ لا يمكن أن يتخيله العدو الذي تعتقد حكومته أنّها تستطيع اقتلاع شعب من أرضه في ليلة وضحاها، أو أنّها تستطيع فرض قوانين استعمارها العسكريّ بكل سلاسة، حيث إنّ نتائج الحرب التي أعلنها الصهاينة على هذا الشعب ومقدساته ستجر "إسرائيل" إلى الهاوية، ويمكن أن يكون التصعيد في المسجد الأقصى بالفعل الفتيل في إشعال التوتر بشكل كبير في العالم العربيّ وعلى الساحة الفلسطينيّة ويقود إلى جولة أخرى من الحرب، قد تدهور الأوضاع بأكملها وحينها لن ينفع ندم الإسرائيليين.