الوقت - أكد العديد من المحللين أن الهواجس التي يجري الحديث عنها في المشهد الإسرائيلي هي هواجس جدية بالفعل، وهذا يرجع إلى أن البرامج السياسية لبعض أحزاب الحكومة الإسرائيلية الجديدة تهدف إلى إحداث تغيير جوهري في النظام السياسي داخل "إسرائيل"، وهو ما سيحدث أزمة انشقاقات مستقبلية حادة جداً، وسيشعل الانقسامات السياسية والفكرية والفلسفية بشكل كبير، في حال نفذت الحكومة كل برامجها.
فمن جديد أشعل مقترح قانون ضمن الاتفاقات الائتلافية بين الكتل، التي ستُشكّل حكومة الاحتلال الإسرائيلي المرتقبة، سجالاً في الجيش الإسرائيلي، من شأنه أن يؤجج ما وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بـ “ثورة” داخل المؤسسة العسكرية.
ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، فإنّ “الاتفاقات الائتلافية تسعى لإخضاع منصب الحاخام العسكري الأكبر للجيش لسلطة الحاخامية، وليس للجيش”.
ولفتت وسائل الإعلام إلى أنّه، استناداً إلى الاتفاقات الائتلافية بشأن تشكيل الحكومة المرتقبة، “سيتم سن قانون في الكنيست، يُعزز مكانة الحاخام العسكري الرئيسي، عبر شرعنة منصبه في نصّ القانون، بواسطة تحديد آلية تعيينه واستقلاليته”.
وبموجب القانون، “سيُعيّن الحاخام العسكري الرئيسي من جانب لجنة برئاسة الحاخام السفاردي الأكبر، ومؤلفة من 5 حاخامات وسياسي وضابط. وهم: ممثل عن الحكومة، ومدير مدرسة دينية، وممثلان آخران عن منظمات المعاهد الدينية، وقائد شعبة الأيدي العاملة في الجيش، والحاخام العسكري الرئيسي المنتهية ولايته”.
ووفق القانون أيضاً، “سيخضع الحاخام للحاخامية الكبرى، وليس لقائد هيئة الأركان العامة للجيش”.
وتحدث الإعلام الإسرائيلي عن “تباين في وجهات النظر بين الحاخامية والجيش في مسائل متعددة: كاعتناق الدين اليهودي، ودفن الجنود غير اليهود، والخدمة العسكرية للنساء، والقيام بنشاطات عسكرية يوم السبت المقدّس لدى اليهود، وأمور أخرى”.
وتتساءل وسائل إعلام إسرائيلية عن “وجهة الجيش الإسرائيلي”، الذي يرزح “تحت أثقال الانقسامات السياسية الضاغطة على عنقه”، إذ ذكر تقرير عن الجيش والسياسة في “القناة الـ 13” الإسرائيلية، بعنوان “الجيش الإسرائيلي في حقل ألغام السياسة الداخلية”، أنّ “الجيش الإسرائيلي، رمز الإجماع الإسرائيلي، يقترب من مفترق طرق”.
وأكّد العميد احتياط في “جيش” الاحتلال، أمير أفيفي، وهو رئيس “حركة الأمنيين”، أنّ “هناك مساراً معيّناً إسرائيلياً لمهاجمة الجيش وخلق عدم شرعية له”، مشيراً إلى أنّ “الجيش يتلقّى هجمات، بينما يجب أن يبقى خارج السياسة”.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ هناك “تحذيرات من التشرذم والانقسام الداخليَّين في المجتمع الإسرائيلي”، مشيرةً إلى “محاولة السياسيين إقحام الجيش الإسرائيلي في ذلك، وتحويله إلى كيس ملاكمة”.
وقال الكاتب ومعلق الشؤون العسكرية في موقع “والاه”، أمير بوخبوط: “لا يمكن التجاهل أو التغاضي عن القلق المتزايد من الكراهية، والانقسام والتشرذم في المجتمع الإسرائيلي، ومحاولة السياسيين تحويل الجيش الإسرائيلي إلى كيس ملاكمة”، داعياً السياسيين إلى “إخراج الجيش الإسرائيلي من أي جدل”.
يشار إلى أنه في إسرائيل حاخامان كبيران، يوسف الذي يمثل اليهود الذين تعود أصولهم إلى يهود شبه الجزيرة الأيبيرية وشمال أفريقيا والشرق الأوسط (اليهود السفارديم)، ودافيد لاو الذي يمثل اليهود الأشكناز، الذين تعود أصولهم إلى الأراضي الأوروبية، بخلاف الحاخام العسكري الذي يتم تعيينه حتى اللحظة من قبل الجيش، حسب صحيفة "تايمز أو إسرائيل".
ويقود نتنياهو ائتلافا حكوميا يتوقع أن يؤدي اليمين الدستوري أمام الكنيست خلال الأيام القليلة المقبلة. ويضم الائتلاف أحزابا من أقصى اليمين بما في ذلك "عوتسما يهوديت" بقيادة إيتمار بن غفير، و"الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلإيل سموتريش.
وكشفت الاتفاقات الائتلافية بين نتنياهو وهذه الأحزاب، بما في ذلك السعي لتعزيز وتوسيع الاستيطان الإسرائيلي بالضفة الغربية، وتشديد الخناق على الفلسطينيين هناك، وفرض نمط حياة متشدد على الإسرائيليين أنفسهم.
ما يجري في "إسرائيل" ليس انشقاقاً سياسياً فحسب، فالانشقاق السياسي قائم منذ أمد طويل. ما يجري هو انشقاق اجتماعي وبيروقراطي.
ثمة معادلة جديدة ستصبح عنوان المرحلة المقبلة في "إسرائيل" أمام حالة الاحتراب السياسي والانشقاق المجتمعي البيروقراطي الحاد، عنوانها المزيد من المتطرفين الشركاء في الساحة السياسية، ويقابلها المزيد من الانشقاقات الداخلية. مثل هذه الانشقاقات ستقضي على ما تبقى من تماسك داخلي إسرائيلي، وستكون بداية النهاية لهذه الدولة المزعومة.
مثل هذا الاحتراب والانشقاق حذَّر منه الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في الآونة الأخيرة وقال: "إن إسرائيل تشهد انشقاقاً خطراً يهدد بتقويضها من الداخل"، وهو موقف ينسجم تماماً مع ما ذهبت إليه مجموعة كبيرة من السياسيين الإسرائيليين الذين أجمعوا على أن سيطرة اليمين الديني المتطرف ستؤدي إلى نهاية "إسرائيل" على غرار الممالك اليهودية السابقة.