الوقت- أصبح الأوروبيون، الذين كانوا على مدى عدة عقود مرتاحين بوجود الغاز الروسي ولم يبحثوا عن طرق بديلة، بعد اندلاع حرب أوكرانيا وما تلاها من انقطاع لصادرات النفط والغاز الروسية يعانون من ظروف صعبة لدرجة أن القادة الأوروبيين يركزون رحلاتهم الخارجية فقط على هذا الموضوع لتعويض النقص من خلال مصدري الطاقة في العالم.
تسعى ألمانيا كأكبر اقتصاد في أوروبا إلى تلبية احتياجاتها من الغاز أكثر من دول أخرى في هذه القارة، ولهذا الغرض وقعت في الأيام الأخيرة عقدًا مدته 15 عامًا لشراء الغاز من قطر، ووفقًا لـ الاتفاقيات، ستبدأ قطر بتصدير الغاز إلى ألمانيا اعتبارًا من عام 2026 وحسب سعد شريدا الكعبي وزير الطاقة، ستصدر قطر بموجب هذه الاتفاقية ما يصل إلى مليوني طن من الغاز المسال سنويًا. على الرغم من أن المسؤولين القطريين وصفوا هذه الاتفاقية بأنها فريدة من نوعها، إلا أن هذه الاتفاقية لن تعوض سوى جزء صغير من النقص في الغاز الروسي في أوروبا.
يتم توفير الغاز المُصدَّر من خلال النشاط المشترك لشركة قطر للغاز مع شركة كونوكو فيليبس الألمانية، ويتم إرساله إلى محطة التحميل في برونزبوتل في ألمانيا، والتي لم يتم الانتهاء من بنائها بعد. وحسب السلطات الألمانية، يتم تحميل هذه الشحنات على متن سفينة متوجهة إلى ألمانيا.
وستكلف المجمعات الخمسة التي أعدتها الحكومة الألمانية لاستيراد الغاز المسال 6.7 مليارات دولار، وحسب تقديرات الحكومة، عندما تصبح المجمعات جاهزة للتشغيل، فإنها لن تغطي سوى ثلث احتياجات الغاز الألماني. باستخدام خطي أنابيب نورد ستريم 1 و2، يمكن لألمانيا بسهولة وفي أقصر وقت ممكن تلبية احتياجاتها من الروس، ولكن بتلك الحالة فإضافة إلى دفع الكثير من المال لشراء الغاز السائل، فإن وصول الغاز سيستغرق أيضًا وقتًا أطول ليتم نقله إلى الأراضي الألمانية لأن عملية تحويل الغاز المسال إلى غاز تستخدمه الصناعات ستستغرق وقتًا طويلاً ويمكن لهذه المشكلة أن تعطل عمل الشركات الاقتصادية التي تعتمد بشكل كبير على الغاز.
تم التوقيع على هذه الاتفاقية بينما عرضت سلطات برلين على القطريين في مارس من هذا العام وبعد أسابيع قليلة من بدء الحرب في أوكرانيا عقد اتفاقيات لشراء الغاز، لكن ألمانيا كانت تحت عبء شروط الدوحة بتوقيع عقود مدتها 20 عاما على الأقل لتأمين الكمية الهائلة من الغاز الطبيعي المسال التي يحتاجونها، ولهذا لم تصل المفاوضات إلى نتيجة، لكن يبدو أن الشتاء البارد أجبر السلطات الألمانية على الانصياع لشروط الدوحة، ومع هذا فإن ألمانيا ستتلقى هذه الموارد بعد بضع سنوات.
أوروبا ليس لديها حاليا بديل للغاز الروسي
بعد بدء حرب أوكرانيا التي أدت إلى قطع الغاز الروسي عن أوروبا، حاول القادة الأوروبيون إنهاء اعتمادهم على الغاز الروسي، ومنذ بدايتها كانوا يبحثون عن طرق بديلة للتغلب على أزمة الطاقة في الداخل، لكن ورغم اتفاقيات شراء الغاز من بعض الدول الاجنبية الا ان الازمة ما زالت مستعرة في القارة الخضراء وسيواجه الاوروبيون شتاء قاسيا هذا العام.
ومع ذلك، تحاول السلطات الأوروبية جعل الوضع يبدو قابلاً للسيطرة حيث يعد توقيع اتفاقية مع قطر أيضًا أحد السبل لحل هذه المخاوف. قال المستشار الألماني أولاف شولتز، في لقاء مع أمير قطر، إن قطر كإحدى أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، ستلعب دورًا رئيسيًا في استراتيجية ألمانيا لتنويع الواردات الروسية. ووصف شولتز اتفاقية الغاز هذه بأنها "حجر الزاوية" لأمن الطاقة في بلاده.
وأشار شولتز إلى أن المشاكل العالمية لا ينبغي أن تشكل عقبة أمام التجارة بين الدول، وقال إن الاتفاقية مع قطر تظهر أن ألمانيا لديها العديد من الدول لتتزود بالطاقة منها. لكن كلاوس إرنست، رئيس لجنة الطاقة في البرلمان الألماني، حذر من أن البلاد لم تجد بعد طريقة لاستبدال الغاز الطبيعي الروسي بشكل كامل، وأن حتى صفقة الغاز مع قطر لن تعوض عن هذا النقص.
تأمل الحكومة الألمانية في استبدال 50-60٪ من الغاز الروسي بالغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2023. تستهلك الدولة حوالي 100 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، يتم استيراد أكثر من نصفها بقليل من روسيا، بينما يغطي العقد الموقع مع قطر حوالي 2.7 مليار متر مكعب فقط سنويًا.
في الوقت الحالي، تزود ألمانيا ودول أوروبية أخرى غازها المسال بشكل رئيسي من أمريكا وهولندا والنرويج، لكن هذه المصادر لا تلبي احتياجات أوروبا اليومية وعليهم اختيار أسواق مختلفة.
بعد هجوم روسيا على أوكرانيا، وتوقف إمدادات الغاز من غازبروم وتدمير خط أنابيب نورد ستريم 1 لاحقًا، ستفقد ألمانيا حوالي 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، ولا يمكن استبدال هذا الجزء من الطاقة على المدى القصير، لكن بالنظر إلى أن الأوروبيين لم يعودوا مستعدين لشراء الغاز الروسي، فإنهم يحاولون سد فجوة الطاقة هذه في المستقبل القريب عن طريق شراء الغاز من دول أخرى وتحرير أنفسهم من الاعتماد على الطاقة الروسية إلى الأبد. في الأشهر الأخيرة، وقع الأوروبيون عقودًا مع الجزائر والنرويج ومصر وأمريكا وحتى النظام الصهيوني من أجل التعويض بطريقة أو بأخرى عن كمية الغاز المستورد من روسيا.
تواجه ألمانيا العديد من المشاكل لاستبدال واردات الغاز الروسي عبر قطر، على الأقل في المدى القصير، لأن البنية التحتية الألمانية ليست مناسبة جدًا لاستهلاك الغاز القطري المسال، حيث كانت ألمانيا تستلم الغاز الروسي عبر الأنابيب ولم تكن بحاجة إلى تحويل الغاز من طور إلى آخر، لكن الغاز المسال الآتي من قطر يحتاج إلى معالجة منفصلة لاستخدامه في القطاع الاقتصادي.
في إشارة إلى ضرورة بناء البنية التحتية في ألمانيا لاستهلاك الغاز السائل، كتبت صحيفة Frankfurter Allgemeine أن بناء أي قاعدة غاز سائل خاص عادة ما يتطلب 5 سنوات، لكن الحكومة الألمانية تحاول استكمال بناء هذه المحطات قبل الموعد النهائي.. وحسب خبراء ألمان، لا تستطيع هذه الدولة استيراد الغاز المسال بسبب نقص مراكز تحويل الغاز المسال. لأن محطات استقبال الغاز المسال كانت موضع نقاشات اقتصادية وسياسية منذ سنوات عديدة، وأن بناءها وتطويرها يتطلب الحصول على التصاريح اللازمة والتخطيط والبناء، وهذا العمل يتطلب أيضًا الكثير من المال.
على الرغم من أن القادة الأوروبيين، من خلال التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات مع الدول الأخرى، يحاولون التظاهر أمام المحتجين المحليين بأن هناك العديد من الطرق البديلة أمامهم للتخلص من اعتمادهم على الطاقة الروسية، إلا أن مسؤولي موسكو قالوا مرارًا وتكرارًا إن أزمة الطاقة في أوروبا لن تنتهي قريباً وستظل آثارها السلبية لسنوات. في عام 2021، استوردت أوروبا 155 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا، وسيكون من الصعب تعويض هذا النقص في الطاقة في السنوات القليلة المقبلة، وبالتالي يتعين على الأوروبيين تحمل أزمة الطاقة الكاسرة حتى يكونوا قادرين على حل هذا النقص بطرق بديلة في المستقبل.
ما هي سعة غاز قطر؟
بينما يأمل الأوروبيون في الموارد الغازية لدول مثل قطر حتى يتمكنوا من التغلب على أزمات الطاقة لديهم، إلا أن كمية الغاز التي ستصدرها قطر إلى ألمانيا لا تكفي لتلبية احتياجات الدول الغربية، حيث يعوض عقد الغاز مع قطر 6٪ فقط من حجم الغاز المستورد من روسيا لألمانيا. سيتم تنفيذ هذا العقد في السنوات الثلاث المقبلة، بينما ستواجه ألمانيا شروطًا صعبة لاستبدال الغاز الروسي خلال هذه الفترة، وسيستغرق إيجاد بدائل وقتًا.
ووفقًا لرودي بارودي، الرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة والبيئة القابضة، فإن الدوحة بالتطوير المستمر لحقل الغاز الطبيعي العملاق في حقل الشمال مستعدة لتلبية الطلب على الغاز الطبيعي المسال من ألمانيا إضافة إلى المشترين الحاليين. وقال المسؤول القطري إنه في عام 2024، يمكن لبلده بالتأكيد توفير 20-25٪ من إجمالي استهلاك الغاز في ألمانيا. بهذه التفسيرات، يبدو أن القطريين يحاولون تحديث بنيتهم التحتية في أسرع وقت ممكن ليتمكنوا من استخراج كميات كبيرة من الغاز وتسليمه للعملاء الأجانب.
تمتلك قطر حاليًا ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم بعد روسيا وإيران. حيث تقدر كمية الغاز في مكامن الغاز في قطر بـ 890 تريليون قدم مكعب، ما يعني أن هذه الدولة تمتلك 15٪ من احتياطي الغاز في العالم، وأكبر كمية من الغاز بحوزة قطر في حقل شمال جونباد للغاز (جنوب بارس)، الذي يحتوي وحده على 450 تريليون قدم مكعب من الغاز. كما أن قطر هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال (LNG) في العالم، والسبب في عدم قدرة قطر على نقل الغاز بشكل طبيعي وعبر خطوط الأنابيب مثل إيران هو أن هذه الدولة محاطة بالبحر مثل شبه الجزيرة، وإنشاء خط أنابيب عبر أعماق البحر صعب للغاية بالنسبة له وبالتالي عليه تحويل غازه إلى غاز طبيعي مسال ثم تصديره.
في عام 2022، وقعت شركة قطر للطاقة المملوكة للدولة خمسة عقود لتطوير استغلال القسم الشرقي من شمال الحقل، ما سيزيد حجم إنتاج البلاد من الغاز من حوالي 77 مليون طن إلى 126 مليون طن سنويًا بحلول عام 2027. وقعت قطر مؤخرًا عقدًا مدته 27 عامًا لتوريد الغاز الطبيعي المسال إلى الصين، وقد وصف هذا العقد بأنه أطول عقد لتوريد الغاز في العالم.
بالنظر إلى زيادة إنتاج قطر بنسبة تصل إلى 70٪ من السعة الحالية بحلول عام 2026، يمكن لهذا البلد توفير قدر ضئيل من احتياجات عملائها الجدد، وهم ألمانيا والصين، لأن ألمانيا تحتاج إلى الكثير من الموارد لتعويض النقص الناتج عن قطع الغاز الروسي، وعلى المدى القصير، لا يمكنها توفير هذا النقص من قطر أو دول أخرى.
في الوقت الحالي، لا يوجد طريق قصير للأوروبيين لتزويد الغاز الذي يحتاجونه عبر خط أنابيب وبتكلفة أقل، وهم مجبرون على الاستمرار في استيراد الغاز السائل بتكاليف باهظة. لأن الدول الغنية بالطاقة ليس لديها حدود مشتركة مع أوروبا يمكنها نقل الغاز بسرعة إلى الأسواق الأوروبية عن طريق البر وخطوط أنابيب مثل روسيا. لذلك، يجب القول إن قطر لا يمكنها توفير سوى جزء صغير من احتياجات ألمانيا في المستقبل، وإن القارة الخضراء ستقضي على الأقل بضع سنوات حرجة.