الوقت- سبعة أشهر مضت على الانتخابات النيابية اللبنانية، ولا يزال الجمود السياسي في هذا البلد قائما، وإضافة إلى فشل الأحزاب في انتخاب رئيس، ازدادت أزمة الحكومة الجديدة. ونجيب ميقاتي، رئيس وزراء الحكومة اللبنانية المؤقتة، الذي لا يملك عمليا أي سلطة في إدارة الشؤون السياسية ويحمل فقط اسم رئيس الوزراء، عقد أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد ستة أشهر يوم الإثنين الماضي، وبعد كل هذه الفترة الطويلة، شعر اللبنانيون أنه لا يزال هناك القليل من الاهتمام بين رجال الدولة للتعامل مع أوضاع البلاد وشؤونها!
وحسب ميقاتي، كان هذا الاجتماع اجتماعا استثنائيا وخاصا بشأن حالة المستشفيات اللبنانية والأمور المتعلقة بصحة المواطنين ونظافتهم والأمراض الخاصة مثل السرطان. لكن المهم في هذا الاجتماع هو غياب 7 وزراء لم يرغبوا في حضور هذا الاجتماع لأسباب خاصة. وقال هؤلاء الوزراء إن "أيا من قرارات مجلس إدارة الحكومة لا نقبله والدستور لا يسمح للحكومة المؤقتة بتولي صلاحيات الرئيس لأنها تفتقد صلاحيات الدستور وثقة البرلمان لأنها لم تفز بثقة البرلمان الحالي".
وكان لميشال عون، رئيس لبنان الأسبق، نفس رأي الوزراء المعارضين، وفي خطابه بينما حذر من العواقب المحتملة لهذا الانتهاك للدستور، طالب الوزراء بتبني موقف موحد ضد انتهاك وتشويه الدستور. وأعرب أن أحكام الدستور هي التي تحدد بوضوح واجبات الحكومة المؤقتة وتمنع عقد اجتماع وفد الحكومة اللبنانية بحضور ثلثي الأعضاء، أي 16 شخصًا من إجمالي 24 شخصًا.
وبينما يسعى نجيب ميقاتي لعقد اجتماعات مجلس الوزراء، لا يملك عمليا أي سلطة في المجال القانوني لإدارة الشؤون السياسية في لبنان. وخلال فترة رئاسة ميشال عون لم يتخذ أي إجراء لتشكيل حكومة وتقديم وزراء لحل الأزمة السياسية، والآن يحاول استغلال فراغ الرئاسة لصالحه والتمكن من تولي زمام الأمور بشكل رسمي. وكان ميقاتي تعهد قبل شهر بعدم عقد اجتماع لمجلس الوزراء وسط فراغ رئاسي ما لم يوافق جميع أعضاء مجلس الوزراء على هذا الإجراء، لكن رغم معارضة بعض الوزراء عقد اجتماعا استثنائيا.
حتى الآن، عقدت ثماني جولات من الاجتماعات لانتخاب الرئيس، لكن التيارات السياسية لم تتمكن من الاتفاق على شخص واحد. وتوقيع الرئيس مطلوب لأي حكومة جديدة لتتولى مهامها، لكن بسبب التركيبة العرقية للأحزاب السياسية في دستور لبنان، لا يوجد توافق فيما بينها، وقد يستغرق انتخاب رئيس الجمهورية شهوراً.
مشاكل سياسية
إن الفجوة بين التيارات السياسية داخل مجلس النواب والحكومة مثل السم بالنسبة للبنان، والتي لا تحل المشاكل فحسب، بل تساهم في استمرار المأزق السياسي. إن الوضع الحالي في لبنان حرج سياسياً للغاية ولا توجد سلطة رسمية للتغلب على المشاكل بمساعدة التيارات السياسية والمسافة الكبيرة بين وجهات نظر الفصائل السياسية تجعل إيجاد حل لإنهاء حالة عدم الاستقرار هذه بعيدة المنال. إن حزب الله وحلفاءه، الذين يشغلون غالبية المقاعد في البرلمان، يريدون من الرئيس أن يقاوم مطالب الولايات المتحدة، لكن التيارات السياسية الأخرى تبحث عن شخص له زاوية مع المقاومة، وهذه الخلافات جعلت الوضع صعبا للوصول إلى اتفاقيات سياسية. لذلك أصبح لبنان ضحية للأطماع السياسية لبعض الفصائل التي تسعى لإشباع رغبات الجهات الأجنبية بدلاً من المصالح الوطنية.
لا تستطيع الحكومة المؤقتة، التي ليس لديها سلطة خاصة بها ولا إرادة لحل الأزمة، أن تحل هذه المشاكل. ويبدو أن ميقاتي يحاول إقناع الوزراء بأن الوضع في لبنان حرج ومن الأفضل أن يكون رئيس الوزراء على رأس الشؤون وبهذه الطريقة يقوي موطئ قدمه للمستقبل حتى إذا تم انتخاب الرئيس، يمكن أن يكون رئيس وزراء الحكومة مرة أخرى.
الأزمات الاقتصادية
تستمر الانقسامات السياسية في لبنان في الوقت الذي يواجه فيه هذا البلد أزمة اقتصادية ضخمة منذ ثلاث سنوات، ووفقًا للإحصاءات، فإن لدى لبنان ثالث أعلى نسبة ديون بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي في العالم، ومع استمرار عدم الاستقرار السياسي، قد يواجه الكثير من الأزمات الاقتصادية والنقدية ويقول خبراء اقتصاديون إن الأزمة ستتعمق طالما أرجأ السياسيون اللبنانيون الموافقة على الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي وتلقي مساعدات بمليارات الدولارات.
ويثير فراغ الحكومة مخاوف من عدم تنفيذ الإصلاحات اللازمة لتأمين المساعدة المالية من صندوق النقد الدولي. وهناك حوالي 3 مليارات دولار من القروض من صندوق النقد الدولي يفترض أن تُمنح للحكومة اللبنانية، لكن غياب حكومة قانونية وفراغ في السلطة في هذا البلد أخر هذه المساعدات المالية، ويبدو أن هدف ميقاتي هو إجراء استثنائي. إن اجتماعات مجلس الوزراء لزيادة سلطته، وأخذ هذا القرض هو لتقديم نفسه على أنه المنقذ للبنان الذي استطاع حل جزء من المشاكل الاقتصادية لهذا البلد في الوضع الراهن.
منذ أن تم تخصيص جزء من مساعدات صندوق النقد الدولي لتوريد الأدوية والمعدات الطبية، دخل ميقاتي في الأعمال الخيرية والعمل الخيري ليبين أن هدفه هو مساعدة المرضى الميؤوس من شفائهم، ولكن هذه الجهود جاءت في الوقت الذي تدعو فيه بعض التيارات ميقاتي إلى عدم الاعتراف باللقب القانوني لرئيس الوزراء وبأنهم لا يهتمون به، ويبذلون قصارى جهدهم لخلق فرصة لانتخاب الرئيس حتى يتمكن شخص آخر من تولي رئاسة الوزارة.
إن انتخاب الرئيس أمر حاسم لأنه يعين رئيس الوزراء ولا يمكن أن تبدأ عملية تشكيل الحكومة حتى دون حضور الرئيس. لذلك، لا يمكن للبنان أن يتسامح مع الفراغ السياسي في ظل أزمة اقتصادية حادة، ولا بد من اتخاذ قرارات مهمة وعاجلة بشأن الإصلاحات الاقتصادية، لأن الاقتصاد مفكك ومشلول. ولقد فقدت العملة الوطنية اللبنانية أكثر من 90٪ من قيمتها في السنوات الثلاث الماضية، ولا يستطيع الناس الوصول إلى الأموال في حساباتهم المصرفية ولا يزالون يعانون من تضخم حاد، وتفشي الفقر، وانعدام الأمن، والبطالة، ونقص الأدوية والكهرباء ، والوقود، والطعام.
إن الوضع الذي يواجهه لبنان غير مسبوق في تاريخ هذا البلد، وتحاول الولايات المتحدة والسعودية، وهما أكبر عقبات أمام تشكيل حكومة وانتخاب رئيس، إيقاف حزب الله بفرض عقوبات اقتصادية على لبنان و المماطلة في طريق حل الأزمات التي تعصف بلبنان، ويثيرون الرأي العام ضد حزب الله، لكن الشعب اللبناني لم يدخل في اللعبة العربية الغربية الخطيرة وأصبح يعتقد أن حزب الله هو نفسه الوحيد الذي زود لبنان بجزء من احتياجات لبنان من الوقود خلال الأزمة الاقتصادية بمساعدة إيران، وبقيت روسيا مع الأعداء الذين يبدو أنهم يدعمون اللبنانيين لكنهم يطعنون في الظهر بالضغوط الاقتصادية.
وعادة ما تتأخر القرارات المهمة والحاسمة، كتشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية، بسبب النزاعات وتسوية الحسابات القديمة على أسس سياسية وطائفية، ولا يوجد منظور واضح لإنهاء الخلافات، و سيستمر عدم الاستقرار السياسي في هذا البلد ويجب على الأشخاص الذين يقعون ضحية لإسراف قادتهم السياسيين أن يدفعوا ثمن ذلك.