الوقت- عاودت حماس إعادة وصل ما انقطع من علاقتها بدول المحور المقاوم عبر زيارة وفد لها إلى دمشق عاصمة المقاومين والأحرار في العالم، زيارة فلسطينية الى سورية نفضت بها حماس أوزار العتب عنها وأوضحت خيارها الجديد المنضوي تحت إعادة هيكلة جديدة لها تكون المقاومة ضد الاحتلال بوصلتها الوحيدة، والبوابة من دمشق تبدأ ، فما أبعاد هذه الزيارة ومستقبلها في تاريخ العلاقات السورية الفلسطينية وما تمخضت عنه هذه الزيارة، حول هذا أجرت مراسلة موقع الوقت الاخباري التحليلي مقابلة مع الناشط والكاتب السياسي " الدكتور أسامة دنورة " تناولت فيها الجوانب التالية :
الوقت- باعتقادكم من هم الأشخاص والجماعات التي تدخلت لإعادة إحياء العلاقات السورية مع حماس؟
أسامة دنورة: ليس هناك ما تم تداوله بشكل رسمي في هذا الموضوع، ولكن المنطقي أن الاطراف صاحبة المصلحة في محور المقاومة في تنقية الأجواء ضمن المحور، واستعادة اللحمة الى العلاقات ضمن أطراف هذا المحور هي التي تدخلت لإجراء هذه المصالحة، وقد تكون ضمنها بعض الأطراف الفلسطينية التي حضرت ضمن لقاء وفد الفصائل الفلسطينية مع الرئيس الأسد، لذلك من المرجح او لربما التوقع ينصب على دور ايراني ودور لحزب الله، وربما دور أيضا لباقي الفصائل الفلسطينية قد يكون منها الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية القيادة العامة، كل هذا يمكن أن يكون معقولا في اطار هذه المبادرة لتحسين العلاقات واستعادتها ما بين الطرفين.
الوقت- إعادة العلاقات السورية مع حماس، كيف سيسهم بتعزيز موقع الحركة في مواجهة الكيان الصهيوني؟
أسامة دنورة: الطبيعي والمنطقي أن تكون العلاقات ما بين اي حركة مقاومة وسورية علاقات جيدة، حركات المقاومة الفلسطينية تاريخيا سورية هي العمق الاستراتيجي لها، وتحتضنها كمقرات وكتواجد جغرافي، كما ان لها دورا مهما جدا في الامداد اللوجستي، والأهم من كل ذلك الدعم السياسي، والمشروع الوطني السوري القائم على مبدأ المقاومة، وبالتالي هناك غطاء استراتيجي ولنقل سياسي ايضاً يُمنح لهذه الحركات على الساحة العربية من قبل الدولة السورية، وأيضا علي الساحة الدولية، ونحن نعلم أن لدى سورية منظومة حلفاء على المستوى الدولي، روسيا الاتحادية وسواها، وطبعا هذا الامر يفيد هذه الحركات بأن يكون لها تأثير على بعض المواقف الدولية تجاه الصراع العربي الاسرائيلي.
بشكل عام نحن عندما نتحدث عن سورية فهي الدولة العربية الوحيدة (حصراً) التي تدعم المقاومة سياسياً بصورة معلنة، وتشكل لها عمقاً استراتيجياً، ولا يوجد أي دولة عربية أخرى داعمة بشكل صريح للمقاومة، وحتى كأطراف عربية غير حكومية فالطرف الوحيد الداعم للمقاومة الفلسطينية هو حزب الله، وهو مع الدولة السورية يشكلان الطرفين الوحيدين عربيا الداعمين لحركات المقاومة الفلسطينية، ولا ننسى بأن سورية تضع دائما القضية الفلسطينية كقضية محورية بالنسبة لها ، وبالنسبة لمفهومها في أهمية واولويات القضايا العربية، ودائما تصريحات المسؤولين السورين تؤكد على أنها القضية المركزية والمحورية للعرب.
كذلك فإن سورية تشارك حركات المقاومة في هدف التحرير، باعتبار ان لديها أرض محتلة في الجولان العربي السوري المحتل، فإذا هناك تواجد في خندق واحد ، ووحدة في الهم القومي الأساس، وهو قضية فلسطين كقضية مركزية، وهناك احتضان كامل لحركات المقاومة وثقافة مقاومة اعتمدتها سورية على مدى عدة عقود، فمنذ أن بدأ الصراع العربي - الاسرائيلي لم تتراجع سورية، في حين ان جميع الدول العربية تقريبا تراجعت، وأبرمت سلاماً منفرداً بما في ذلك السلطة الفلسطينية، ولكن سورية لم تتراجع عن مبدأ الحل العادل والشامل للصراع العربي- الإسرائيلي.
الوقت- كيف يمكن لحماس إعادة تبييض صفحتها السياسية؟
أسامة دنورة: طبعا إعادة حماس الى موقعها الصحيح في الصراع العربي الاسرائيلي لا يتوقف فقط على استعادة العلاقات مع سورية، هو يتوقف على تغليب البعد المقاوم وأولوية التحرير على المشروع الحزبي، وهذا أمر مهم جداً، ويعني أن لا يكون هناك ضمن أُطر الحركة وضمن كوادر الحركة من يريد أن يصرف النظر عن أولوية التحرير و الصراع ضد العدو الإسرائيلي، و بالمقابل يريد أن يعطي الأولوية للتدخل بشؤون الدول العربية الداخلية، إن كان في سورية أو مصر أو أي دولة أخرى، هذا بكل تأكيد بديهي بالنسبة لحركة تسعى للتحرير، وتواجه عدواً مدعوما على مستوى عالٍ جدا دوليا، بل هو الطفل المدلل للغرب بأسره، ولكثير من دول العالم، عدو يمتلك امكانيات مادية وتسليحية لا حصر لها، عدو أيضا نجح في إطباق طوق العزلة الدولية الى حد بعيد على اعدائه، ولا سيما حركات المقاومة، هذه الحركات المقاومة يجب أن تجعل أولويتها الوحيدة هي الصراع مع إسرائيل، وصولاً الى التحرير، والاستفادة من الدول العربية في هذا الصراع، وليس استعداء هذه الدول أو الدخول معها في خلافات ومشاكل جانبية، فإذا تحول المشهد داخل حماس نحو ابعاد المجموعات التي راهنت على التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية، و التي انخرطت فيما أطلق عليه الربيع العربي، وعادت لأولويات الصراع مع العدو الاسرائيلي والتحرير، فهي تكون قد حققت شوطاً كبيراً جداً في اطار استعادة موقعها الصحيح، يبقى استعادة منسوب الثقة مع كل الأطراف التي تضررت من سلوك قيادة حماس السابقة، هذا أمر بحاجة إلى وقت، ولكن بكل تأكيد هو قابل للاستعادة طالما تبعت القيادات الحالية لحماس النهج الذي ذكرناه سابقاً، من أولوية الصراع مع العدو الاسرائيلي والابتعاد عن الشؤون الداخلية للدول العربية، دون أي أولويات أخرى فيما يتعلق بعلاقاتها الاقليمية او الدولية والعربية طبعا.
الوقت- كيف ستؤثر اعادة العلاقات مع حماس على الأجواء السياسية والاجتماعية في سورية وفلسطين؟
أسامة دنورة: بتقديري أن استعادة العلاقات مع سورية بالنسبة للداخل الفلسطيني ستكون مريحة حتى بالنسبة لمن انخرط بالنظرة العدائية تجاه الدولة السورية، لأنهم يدركون جيداً أن تلك المرحلة أولاً قد انقضت زمنياً وقد فقدت زخمها السياسي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهذا المشروع (الربيع العربي) بات الجميع يدرك أنه بإرادة وإدارة أمريكيتين، وبالتالي يخدم العدو الاسرائيلي.
عندما تعود علاقة الطرف العربي الوحيد الداعم للمقاومة الفلسطينية مع حركة حماس، فهذا بالتأكيد من شأنه أن يعزز ثقة قواعد حماس بقوة موقفها في مواجهة الاحتلال، يعني أن تشعر قواعد حماس أنها وحيدة على المستوى العربي، فهذا بكل تأكيد كان عاملاً محبطاً معنوياً ونفسياً، وفي المقابل أن يكون هناك دولة عربية في الجوار القريب، ومن ضمن دول الطوق، تتخذ موقفاً ثابتاً تجاه العدو الاسرائيلي وتدعم حركات المقاومة، هو بكل تأكيد يجب أن يكون مريحاً للرأي العام الفلسطيني المقاوم، الراغب بالمقاومة والساعي للتحرير.
أما إذا كانت هناك قطاعات من الرأي العام قد انخرطت في مشروع أوسلو أو رؤية أوسلو، أو أصبحت مستفيدة هامشياً من المؤسسات التي بنتها اتفاقيات أوسلو وما يتعلق بالتفاهمات مع العدو، وقد لا يكون هذا الأمر مريحاً بالنسبة لها، ولكن الأولوية طبعاً تبقى لما يجمع عليه الفلسطينيون في إطار القضية الفلسطينية.
أما بالنسبة لما يتعلق بالوضع الداخلي السوري، فالحقيقة أن الرأي العام السوري أو لنقل بقطاع واسع منه، حذر تجاه عودة العلاقات مع الأطراف التي ساهمت في الاعتداء على الدولة والشعب السوريين، من ناحية أخرى عندما تكون هناك مثل هذه العودة، ومع نخب وقيادات مختلفة عن تلك التي انخرطت في المشروع المعادي لسورية ، فهذا بكل تأكيد يساهم في عزل المعارضة الإرهابية المسلحة التي كانت تعتمد (من مضمن ما تعتمد عليه)على موقف حماس كدعم معنوي لها في محاولة تأثيرها على قطاعات واسعة من الشعب السوري على أسس مذهبية، وايضاً على أساس أن حركة حماس هي حركة مقاومة، يعني بإمكانها ان تسهم في تحديد الأطراف الحليفة لها في الصراع العربي الإسرائيلي، فبالتالي هذه المجموعات من ما يطلق عليه "معارضة"، بما فيها تلك المتأسلمة التي تعتبر نفسها جهادية أو المتحالفة مع تركيا وقطر، طبعاً سوف لن تستقبل هذه الأخبار بسرور، وسوف تكون منزعجة من هذا التقارب وعودة العلاقات، وهذا قد يكون بمثابة رصاصة الرحمة لموقف هذه المجموعات الإرهابية على المستوى الشعبي، لأنها تظهر أكثر فأكثر عزلتها السياسية على المستوى العربي، وتمنع عنها ما بقي من غطاء معنوي قد تمثله علاقتها الجيدة مع حركة حماس، اليوم هذه المجموعات أصبحت منعزلة تماماً، وتدرك جيداً أن الرأي العام العربي والرأي العام السوري بغالبيته الكبرى بات يعتبرها تنفذ مشروعاً غربياً له علاقة بخدمة "إسرائيل" والتطبيع مع "إسرائيل" ، وطبعاً عودة العلاقات ما بين سورية وحماس يسهم في انكشاف هذه الجهات الإرهابية معنوياً، وانكشاف طبقتها السياسية أيضاً، وهو ما يسهم في إفلاسها سياسياً، وإنهاء دورها وكشف أجندتها السياسية على المستوى العربي.