الوقت_ قبل عدة أشهر، احتفل الكيان الصهيوني بالذكرى السنوية الـ 74 لتشكيله المزيف واغتصابه لفلسطين، ومنذ ذلك الوقت لم تتم إزالة تكرار مصطلح "لعنة الثمانينيات" من وسائل الإعلام الخاصة بهذا الكيان، وكيف تم التعامل معها من قبل الصهاينة والفلسطينيين، وورد في تقارير استقصائية أنه يجب القول ببساطة إن العديد من الإسرائيليين يعتقدون أن حياة حكومتهم لن تدوم أكثر من 80 عامًا، ما يعني أنه عندما أُسست "إسرائيل" في 14 مايو 1948 على أنقاض فلسطين، بدأ الآن طريقها نحو الاضمحلال، وسينتهي هذ الأمر قبل عام 2028، وذلك بعد أن فشلت عمليات التطهير العرقيّ والتهجير القسريّ للسكان الأصليين الفلسطينيين من بلادهم ويتحدث الإسرائيليون بكثرة في الفترة الأخيرة عن مصير مجهول تسير نحوه الدولة اليهوديّة -المزعومة-، رغم انتقال العدو انتقل بشكل واقعيّ من العنصريّة المقيتة إلى الفاشيّة الشدّيدة، في حين يعتقِد صهاينة كثيرون أنّ الحلّ الوحيد والنهائيّ للمعضلة يتمثّل في طرد العرب من أرضهم للحفاظ على "يهوديّة كيان الاحتلال".
اقتراب من الانهيار
"تقترب إسرائيل من الانهيار"، ينبع هذا الاعتقاد لدى الصهاينة من الحقائق التاريخية التي أثبتتها الحكومتان اليهوديتان السابقتان في المعتقدات اليهودية (مملكة داود وسليمان ومملكة الحشمونائيم)، ولم يدوم كل منهما أكثر من 80 عامًا، وإن الاعتقاد السائد بأن "إسرائيل" أو "الدولة الثالثة لليهود" التي تشكلت حاليًا على يد اغتصاب فلسطين، لن تدوم طويلاً، ويشير محللون إلى أن مجرد فكرة اقتراب "إسرائيل" من الهاوية تخيف القوى الاستعمارية الغربية وتجعلها تستخدم كل قدراتها، لضمان بقاء هذا السرطان الذي يحقق مصالح الدول الإجرامية في منطقتنا، ويفصل شرق الوطن العربي عن مغربه، في حين بات هذا الموضوع كابوساً حقيقيّاً للإسرائيليين.
من ناحية أُخرى، يرى آخرون أنّ تعزيز فكرة الانهيار القريب للكيان الإسرائيليّ من قبل الدوائر الإسرائيلية هو جزء من الاستراتيجية الخبيثة لهذا العدو، من أجل منع تشكيل أي معارضة قوية من خلال إثارة الرعب بين المهاجرين الصهاينة الذين يعيشون في فلسطين المحتلة، ولكي يلتف المهاجرون الصهاينة قدر المستطاع حول محور السيادة الصهيونية.
واستكمالا لهذا البحث، يذكر أنه سابقا وفي عام 1999 (قبل 23 عاما) أعلن الشيخ أحمد ياسين (مؤسس حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس) في محادثة مع قناة الجزيرة أن إسرائيل تسير على طريق الانحدار والنهاية كان هذا النظام قائماً في أول 25 سنة من القرن الحادي والعشرين ولن تكون إسرائيل موجودة في عام 2027، ومؤخراً خصص الكثير من السياسيين الإسرائيليين أجزاء من خطاباتهم لقضية لعنة العقد الثامن ودعوا إلى ما أسموها "وحدة إسرائيل" وتجنب الانقسام لكسر هذه اللعنة والتعويذة.
اعتراف إسرائيليّ كامل
ايهود باراك رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق كان واحدا منهم، حيث قال: "إن الخطر الحقيقي هو في الداخل الإسرائيلي، معربا عن قلقه من تدهور إسرائيل قبل نهاية الثمانينيات من عمرها" وذلك في مقال نشره في 4 مايو 2022 في صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، كما قال رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق نفتالي بينيت، في إشارة إلى هذه اللعنة، في 3 مايو من هذا العام: "إن السبب الرئيسي لتفكك حكومات إسرائيل السابقة هو الكراهية الداخلية التي نشأت بين الإسرائيليين"، ورغم أنه أشار إلى قوة كيانه وقدراته العسكرية، حذر في الوقت نفسه من أن "إسرائيل ستنهار من الداخل" لأن الكراهية بين الأفراد تؤدي إلى تفكك الأمم، حسب تعبيره.
والدليل على ذلك، يشير المشهد الإسرائيليّ العام، وخاصة على الصعيدين السياسيّ والاجتماعي، إلى الحال الذي وصل إليه الكيان الغاصب من الترنح العميق في كل السلطات والمجتمع الصهيوني في آن واحد، بدءاً من الكنيست أو السلطة التشريعية، وصولاً إلى الحكومة أو السلطة التنفيذية، وليس ختاماً عند السلطة القضائية ممثلة بالمحكمة العليا للحكومة الصهيونيّة، فيما يضيع التوازن بين مختلف السلطات في حكومة العدو تماشياً مع أساليب "تكسير العضم" داخل النظام السياسيّ الإسرائيليّ وهذا ما يؤكّده مشهد الصراع بين السلطات الثلاثة، بما يمتد بلا شك على كل النواحي الاجتماعية.
أيضاً، أشار بيني غانتس، وزير الحرب في الكيان الصهيوني، في اجتماع حزب أزرق أبيض الذي يترأسه، خلال الخطاب الذي تم بثه على الهواء عبر إحدى الشبكات الافتراضية، إلى قضية تراجع "إسرائيل" و هيمنة العرب على فلسطين وقال: "إن من كتبوا في هذا الخصوص كانوا على حق، فإن مستقبل الدولة اليهودية يمكن أن ينتهي بين "الجديدة والخضيرة".
وقبل ذلك بخمس سنوات، في أكتوبر 2017، حذر بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك، من المخاطر التي تهدد ""إسرائيل" قائلاً: "إذا أردنا الاحتفال بالذكرى المئوية ، يجب أن نواجه هذا الخطر أولاً، وأكد أن "مملكة الحشمونائيم" استطاعت البقاء لمدة تقل عن 80 عاما، وهو يحاول أن يصل الكيان إلى ذكراه المئوية، وهذا الرأي ليس فقط للسياسيين الصهاينة، لكن الكثير من المؤرخين الإسرائيليين يؤكدون ذلك أيضًا.
وعلى هذا الأساس، نشر موقع الجزيرة الإخباري صورة قاتمة للغاية لنهاية إسرائيل عام 2019، نقلاً عن المؤرخ الإسرائيلي الشهير بني موريس، وهو أحد المؤرخين الجدد في "إسرائيل" الذين اعترفوا بالجرائم الصهيونية ضد الأمة الفلسطينية، رغم أنه أعلن في الوقت نفسه أن التطهير العرقي ضروري لتأسيس "إسرائيل" وبقائها، في دليل على أنّ الكيان الصهيونيّ لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يتوقف عن إجرامه وقضمه لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، بالاستناد إلى نص إعلان الدولة المزعومة، والذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من بلادهم، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في "إسرائيل" وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين.
من ناحية ثانية، نشر أفراهام بورغ، الذي كان رئيسًا للكنيست الصهيوني لمدة أربع سنوات، كتابًا في عام 2007 وكتب فيه أن ظروف "إسرائيل" شبيهة جدًا بظروف ألمانيا النازية، كما قال الجنرال المتقاعد شاؤول عرايلي في صحيفة "هاآرتس" العبرية: "لقد فشلت الحركة الصهيونية في إقامة دولة إسرائيلية بأغلبية يهودية، والوقت ليس في مصلحة إسرائيل"، ويرى العدو الصهيونيّ بالفعل أنّ التهديد السكاني هو التهديد الأول لـ"إسرائيل"، وقد كشف الإعلام التابع للكيان المجرم أنّ "إسرائيل فقدت الأكثرية اليهوديّة، وهذه المعضلة لا تتصدّر الأجندة، وفقدان الأكثريّة لم يبدأ اليوم، بلْ في العام 1967، كما أنّه وفقًا لتقديرات مكتب الإحصاء المركزيّ الحكوميّ الإسرائيليّ فإنّ عدد سكُان أرض إسرائيل (فلسطين التاريخيّة) سيكون في العام 2065 سيكون 31 مليونا"، وذلك في ظل تزايد عدد السكان الفلسطينيين داخل أراضي عام 1948، ما يمثل تهديدًا ديموغرافيًا فعليًا يمكن أن يهدد بقاء الكيان الصهيونيّ وبنيته الطائفيّة (اليهودية)، حيث تشير تقديرات إسرائيلية إلى أن عدد الفلسطينيين عام 2050 سيصل إلى ما لا يقل عن 10 ملايين بالضفة وغزة، وتتحدث أنّ عدد المهاجرين اليهود سيصل إلى ما يقارب 10.6 ملايين يهودي في الأراضي الفلسطينيّة المسلوبة و3.2 مليون عربي بالعام ذاته، وهذا ما يدفع الإسرائيليين ومحلليهم للقلق بشأن التفوق الديمغرافي الفلسطينيّ في المنطقة ما بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن (أرض فلسطين التاريخية) في ظل غياب أيّ رغبة إسرائيليّة للحل السياسيّ.
ووفقاً للمحلل الإسرائيلي آري شافيت فإن "إسرائيل" تجاوزت نقطة اللاعودة وهي تتنفس أنفاسها الأخيرة، والآن حان وقت العودة، حيث يدرك الإسرائيليون بشدّة أنّه لا مستقبل لهم في فلسطين، فهي ليست أرضاً بلا شعب، كما كذبوا، بعد أن وافق الصهاينة على إنشاء وطنهم اليهودي على أرض فلسطين العربيّة تاريخيّاً، وزعموا أنّ فلسطين هي “أرض الميعاد” وأنّ اليهود هم “شعب الله المختار”، وأنّ القدس هي “مركز تلك الأرض”، وأنّها “مدينة وعاصمة الآباء والأجداد”، و”مدينة يهوديّة بالكامل”، بهدف الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أراضي الفلسطينيين بأقل عدد ممكن منهم، وقد شجعت الحركة الصهيونيّة بشكل كبير جداً، هجرة يهود أوروبا الجماعيّة إلى أرض فلسطين خلال النصف الأول من القرن العشرين، لإبادة هذا الشعب وسلب أرضه.
خلاصة القول، لا يخفي الإعلام العبريّ ولا المسؤولون الصهاينة ولا المحللون والمتابعون بأنّهم يواجهون أصعب شعب عرفه التاريخ، وبأنفسهم يؤكدون أنه لا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال، ما يعني أنّ الإسرائيليين فهموا بشكل كامل الخداع الذي تحاول الآلة الإعلانية للكيان زرعه في عقولهم، والدليل وجود عدد وإن كان قليلاً من الإسرائيليين يرفضون الروايات الإسرائيليّة، ويطلقون حملات نشطة من أجل تحرير فلسطين من نظام الفصل العنصريّ والمقاطعة العالمية، والتاريخ علم اليهود أنّه لا يمكن لدولةً يهودية أن تستمر لأكثر من ثمانين عاماً، وهذا أشدّ ما يُقلهم مع كل ما ذكر.