الوقت_ في ظل تصاعد التوتر الأمنيّ في الضفة الغربية في الأشهر الماضية نتيجة تمادي قوات الاحتلال الإسرائيليّ بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وارتكابها أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتلهم وإعدامهم، اعتبر مسؤولون في جهاز الأمن التابع للعدو، أنّ أجهزة أمن السلطة الفلسطينية تمتنع عن الدخول إلى بعض مناطق الضفة بموجب أوامر صادرة عن القيادة السياسية لرام الله، وأن ذلك تسبب بتراجع التنسيق الأمني مع تل أبيب، فيما تتزايد دعوات تفعيل كل وسائل المقاومة والمواجهة، بسبب مواصلة قوات العدو جرائم الإعدام بدم بارد بحق الفلسطينيين وخاصة في منطقتي نابلس وجنين، حيث يتمثل التصعيد الإسرائيلي باقتحام قوات الاحتلال للمدن الفلسطينية في شمال الضفة، بادعاء تنفيذ حملات اعتقال، حيث تدور اشتباكات مسلحة بين قوات العدو وناشطين في تنظيمات فلسطينية مقاومة، لا تنتمي وفقاً لتقارير بالضرورة للفصائل الفلسطينية الكبرى، الشيئء الذي أدى إلى استشهاد عشرات الفلسطينيين وإصابة عدد كبير واعتقال آلاف آخرين.
إلصاق الفشل برام الله
يقوم العدو الإسرائيليّ لأهداف دعائيّة وسياسيّة، بإلصاق فشله بالسلطة الفلسطينيّة، متناسيّاً ازدياد وتيرة الجرائم الإسرائيليّة بحق الفلسطينيين، واستمرار حسابات الكيان الخاطئة بشدّة في الضفة الغربية، حيث إن السياسة الصهيونيّة الفاشلة بدأت نتائجها تظهر بشكل كبير حتى باعتراف الإعلام العبريّ والمحللين والقياديين العسكرين الصهاينة، مع إقدام العدو على خطوات تصعيديّة كثيرة بدءاً من عمليات الضم، وليس انتهاءً بارتكاب أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين.
وبالتالي، ينسب العدو الغاصب إخفاقاته المتكررة إلى أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينيّة، معتبراً أنّه يتحتّم على أجهزة الأمن الفلسطينيّة العمل على لجم ما أسماها "العمليات المسلحة" ضد قوّات العدو ومستوطنيه، والذين بلغ تعدادهم حوالي 700 ألف مستوطنٍ، وتحدثت تقارير صحفيّة أنّ ممارسات أجهزة أمن الاحتلال تسببت بامتناع أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية عن العمل في مناطق شمال الضفة الغربية، مثلما فعلت في السنوات الفائتة في إطار التنسيق الأمنيّ، كي لا تظهر الأجهزة الأمنية كشريكة للاحتلال في حملات الاعتقال والدخول في اشتباكات مسلحة مع أهالي الضفة.
وعلى هذا الأساس، يتزايد إحباط السلطة الشديد من سلوك حكومة وقوات الاحتلال في الضفة الغريبة التي تضعف مكانة حكومة رام الله بشكل لا يوصف، في وقت تتعامل فيه "إسرائيل" مع السلطة بإذلال واستعباد، وقد هاجم مؤخراً رئيس أركان جيش العدو، أفيف كوخافي، ورئيس الشاباك، رونين بار، اللذان اعتادا على التنسيق الأمنيّ، أجهزة الأمن الفلسطينية وأداءها، على الرغم من أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتباهى بشكل دائم باستمرار التنسيق الأمنيّ مع العدو وملاحقة المقاومين في الضفة الغربية، حيث فتحت رام الله كل أبواب التعاون مع تل أبيب واستخدمت جميع الأساليب الإجراميّة ضد شعبها، مستجديّة العدو الباغي لأنّها تعتبر مقاومته أمراً خاطئاً، ويعلن عباس دوماً استمراره في استخدام منهج الخنوع الذي لم يجلب له سوى الخيبة والهزيمة والاستحقار أمام الفلسطينيين والإسرائيليين حتى.
وفي ظل شلل "إسرائيل" وعدم قدرتها على فهم الواقع بشكل جيد، تروّج أجهزة الأمن التابعة للعدو أنها تتحسب من خطاب سيلقيه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 23 أيلول/سبتمبر الجاري، حيث يُتوقع أن يكون هذا الخطاب شديد اللهجة ضد الإسرائيليين ويؤدي إلى تصاعد أكبر في التوتر الأمني في الضفة، وفقاً للإعلام العبريّ.
ويكمن الخطأ الإسرائيليّ الجسيم بامتحان الفلسطينيين الذين جربوا كل جبروت العصابات الصهيونيّة ولم يخنعوا، ما يعني إنّ عودة المقاومة المسلحة إلى الضفة الغربية تتصاعد بقوّة بعد أن شعر الأهالي بأنّ العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن لا يمكن أن تتغير، وأنّ سلطتهم لا تملك سوى "الهراء الإعلاميّ" و"التنديد والوعيد" بينما تفتح أحضانها لكل أنواع التعاون مع تل أبيب، وإنّ تصريحات فصائل المقاومة الفلسطينيّة المتكررة حول أنّ الأحداث الجديدة تعني اتساع بقعة الرصاص الموجّه صوب رؤوس جنود العدو ومستوطنيه، وأنه واهمٌ إن ظنّ أنّ الشعب الفلسطيني يمكن أن يرفع أمامه الراية البيضاء، مهما بلغت التضحيات، خير برهان على صحة ذلك.
أجهزة الأمن الفلسطينيّة في مواجهة العدو
يعلم الشعب الفلسطينيّ أنّ السلطة الفلسطينيّة سقطت سقوطاً مدويّاً من قلوب الفلسطينيين وباتت أداة رخيصة تستعمل ضد إرادة الشعب وتطلعاته، ورغم أنّ رام الله لم تجنِ من الشوك العنب، أي لم تحصل على أيّ فائدة من العلاقات مع العدو واستمرارها بالتنسيق الأمنيّ معه، مقابل وقوفها في وجه توحيد الصف الفلسطينيّ لمنع تحدي الاحتلال الغاصب وعرقلة مقاومة التطبيع والتهويد والضم والاستيطان المتصاعد، تحدث إعلام العدو نقلاً عن مصادر أمنية عن ضلوع أفراد في أجهزة الأمن الفلسطينية في الاشتباكات مع قوات الاحتلال لدى اقتحامها جنين ونابلس ومخيمات لاجئين وقرى مجاورة من أجل تنفيذ حملات اعتقال في صفوف الفلسطينيين.
وبالتزامن مع ازدياد احتمالات وقوع "ثورة غضب" عارمة في الضفة الغربيّة بوجه الاحتلال الصهيوني، ومع تبجح المؤسسة الأمنيّة والعسكرية الصهيونيّة في تمجيد دور التنسيق الأمنيّ في الحد من الأعمال الفدائيّة ضد قوات الكيان الإرهابيّ ومستوطنيه، وهو الشيء الذي شجع جنود الاحتلال والمستوطنين على العربدة والتغول في أراضي الفلسطينيين من خلال مخطّطات العدو الاستيطانيّة الرامية لإنهاء الوجود الفلسطينيّ السياسيّ والسكانيّ في الضفة الغربيّة ومدينة القدس، يسود القلق الصهيونيّ من الوضع في نابلس ومنطقتها بالتحديد، بسبب وجود عدد كبير من المستوطنات الاحتلاليّة بقربها، وتلوح أجهزة الأمن التابعة للعدو بأنه في حال حدوث تصعيد آخر، فإنها ستعمل بشكل أوسع في هذه المناطق.
وفي الوقت الذي لا يُنكر فيه المسؤولون الأمنيون التابعون للعدو، أنّ ضعف أجهزة الأمن الفلسطينية ليس نابعا من أداء التنظيمات المسلحة فقط، وإنما من تدهور زاحف في أداء السلطة الفلسطينية بتأثير من تعامل الكيان معها، إذ تعمدت تل أبيب، منذ نهاية الانتفاضة الثانية، تجميد العملية السياسية مع السلطة، فهم لا يركزون على أنّ أبطال المقاومة الفلسطينيّة الذين لا يتوقفون عن تنفيذ عمليات إطلاق نار تستهدف قوات الاحتلال والمستوطنين في مختلفة مناطق الضفة الغربية المحتلة، ناهيك عن الرغبة الشعبيّة الكبيرة بطرد الاحتلال وتلقين العصابات الصهيونيّة درساً في التحرير، وإنّ تكبيرات الأهالي المتكررة فرحًا وابتهاجًا بعمليات إطلاق النار في بلداتهم، تدلل على تجذر المقاومة في نفوس أبناء الشعب الفلسطينيّ، وإيمانهم العميق بها خيارًا استراتيجيًّا للخلاص والانعتاق من الاحتلال.
وعلى الرغم من أنّ السلطة الفلسطينيّة شريكة بشكل كبير في الجرائم التي ترتكبها القوات الإسرائيلية، حيث تمنع إطلاق يد المقاومة لتقوم بدورها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، إلا أنّ تل أبيب لا تكل ولا تمل من اتهام السلطة بالضعف، حيث زعمت قبل بضعة أشهر أنّ قوّات الأمن التابعة للسلطة في رام الله لا تجرؤ على اقتحام مخيم اللاجئين في منطقة جنين، وأكّدت أنّه عمليًا بات تحت سيطرة مَنْ أسمتهم بـ "المُسلحين"، وهذا ما تكرر مجدداً حيث اتهمت السلطة الفلسطينية بـ "العجز".
انقسامٌ إسرائيليّ
يؤكّد الإعلام العبريّ وجود سجال دائر داخل جهاز الأمن التابع للعدو حول ما إذا كان يجب الاستمرار بالحملات العسكرية في شمال الضفة أم لا، ويعتقد قسم من المسؤولين الأمنيين أنه لا مفر من عملية عسكرية واسعة في منطقة جنين خصوصا، وعلى ما يبدو قبل انتخابات الكنيست، في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، تُشدّد المقاومة الفلسطينيّة أنّها لن تسمح باستفراد الكيان الصهيونيّ الغاشم بمخيم جنين التابع للضفة الغربية المحتلة، كلام جاء مؤخراً على لسان الأمين العام لحركة الجهاد الإسلاميّ، زياد النخالة، الذي بين أنّه من الضروريّ أن يفهم الصهاينة أن يد المقاومين ليست مكفوفة عن التدخل لدعم أهالي الضفة والقدس مهما كلف ذلك الثمن، مضيفاً إنّ إمكانات المقاومة محدودة، لكنها تصنع تأثيرات كبيرة على الكيان.
“إسرائيل تساهم في تصعيد التوتر بإصرارها على مواصلة حملات الاعتقال"، هذا ما يؤمن به بعض المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، في وقت تعالت فيه خلال مداولات القيادة الأمنية الإسرائيلية توصيات تدعو إلى إفساح حيّز عمل لأجهزة الأمن الفلسطينية وتشجيعها على تنفيذ عمليات في شمال الضفة، لكن هذه التوصيات لم تتجاوز قوالب الممارسات الإسرائيلية والسعي إلى ترسيخ الانقسام الفلسطيني الداخليّ، إضافة إلى منح أجهزة الأمن الفلسطينية حيز عمل بادعاء أن “السلطة الفلسطينية أيضا تنظر إلى حماس والجهاد الإسلامي على أنهما عدوتين أساسيتين لها”، أي إن الكيان يريد أن يكون تعامل السلطة الفلسطينية مع هاتين الحركتين مثل تعامل "إسرائيل" معهما.
وفي هذا الشأن، أوصى قسم من المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين بتعزيز التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الفلسطينية، وإخلاء الاحتلال بشكل تدريجي مناطق كي تستأنف الأجهزة الأمنية العمل فيها، ودعوا إلى تقييد اقتحامات قوات الاحتلال إلى مناطق فلسطينية مكتظة فقط لمواجهة إنذارات بشأن تنفيذ عمليات، والامتناع عن احتكاك عنيف، واعتبروا أن هذه الخطوة الأهم من أجل تعزيز الأجهزة الفلسطينية وعملها، بعد أن بات واضحاً للقاصي واللداني أنّ الجرائم التي يرتكبها العدو في الضفة المحتلة ترفع يوماً بعد آخر من حالة الغليان الفلسطيني واحتماليّة وقوع "ثورة غضب" عارمة في الضفة الغربيّة وكامل فلسطين بوجه الاحتلال الصهيوني.
وفي ظل حالة الانفجار المرتقبة، كشف الإعلام التابع للكيان أن "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية والولايات المتحدة بحثوا مؤخرا في خطوات ترمي إلى تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية الفلسطينية، خطة تدريب عسكريّ للأجهزة الفلسطينية في الأردن بإرشاد أميركيّ، مضيفاً: "إن إسرائيل لا ترفض المصادقة على نقل أسلحة وذخيرة أخرى إلى الأجهزة الفلسطينية، بهدف تعزيز قوتها ضد المجموعات المسلحة الفلسطينية"، وقد تعالت فكرة تشكيل قوة فلسطينية خاصة، مدربة ومسلحة أكثر، ليتم إرسالها إلى مواجهة مقاومي حماس والجهاد الإسلاميّ.
لقاءٌ سريّ
بالاستناد إلى كل تلك المعطيات، بيّن الإعلام الصهيونيّ عقد “لقاء سري” بين مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين كبار لبحث التصعيد في الضفة الغربيّة، وذكر وسائل إعلام عربيّة بأن اثنين من كبار المسؤولين في المنظومة الأمنية التابعة للعدو التقوا الخميس المنصرم، مع حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، بهدف إعادة الأجهزة الأمنية إلى النشاط لمنع تصعيد محتمل خلال الأعياد اليهودية القادمة.
أكثر من ذلك، ذكر موقع “واي نت” العبري، مؤخراً، أن رئيس الوزراء في حكومة العدو يائير لابيد، تلقى خلال جلسة تقييم أمني عقدها قبل يومين قبيل الأعياد اليهودية والاستعدادات لاقتحام المستوطنين للأقصى بأعداد كبيرة خلالها، معلومات استخباراتية حول تحذيرات ملموسة بإمكانيّة تنفيذ هجمات داخل المدن التي يحتلها الإسرائيليون، موضحاً وجود 70 تحذيرًا تم إطلاع لابيد عليهم من قبل الجهات الأمنية، وهو عدد قياسيّ من التحذيرات بمحاولات تنفيذ هجمات في الأشهر الأخيرة والتي تتزايد فقط في عطلة الأعياد الصهيونيّة.
ومع وجود معلومات مؤكّدة تتحدث أنّ التنظيمات الصهيونية تقوم باستعدادات لاعتداءات واسعة النطاق على أقدس مقدسات الفلسطينيين، ما يشي باحتماليّة كبيرة لأن تفتح أبواب جهنم على تل أبيب التي اختارت تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام، يتوقع أن تنفجر الأوضاع في 26 و 27 أيلول بسبب التمادي الإسرائيليّ الذي بات ملموساً على كل المستويات الفلسطينيّة والعربيّة والدوليّة، وهذا ما دفع ضابط إسرائيلي للتريح بأنّ "هذه فترة رمزية تتطلع فيها المنظمات الإرهابية بطبيعة الحال إلى تنفيذ هجمات استعراضية”، وفق الإعلام العبريّ.
في ظل تصاعد تجاوزات قوات الاحتلال الغاصب بحق المقدسات الإسلاميّة في فلسطين التاريخيّة، ومن ضمن تلك الانتهاكات، العدوان على المسجد الأقصى المبارك بشكل خاص إضافة إلى قبة الصخرة المباركة والمدينة المقدسة، يتعرض هذا المجد المبارك لاقتحامات يومية ما عدا يومي الجمعة والسبت، في محاولة لفرض تقسيم زمانيّ ومكانيّ فيه، وتزداد حدة هذه الاقتحامات وشراستها في موسم الأعياد اليهوديّة.
ختاماً، تحارب "إسرائيل" النار بالزيت، وهذا بلا شك سيحرقها عاجلاً أم آجلاً، والدليل خطط شرطة الاحتلال لنشر 20 ألف شرطي في جميع المدن الفلسطينيّة المسلوبة، إلى جانب التركيز على العاصمة الفلسطينيّة القدس، ورفع مستوى الاعتداءات خلال الأعياد اليهودية، فيما زعم مسؤول أمني مطلع لهيئة البث الرسمية “كان” وجود تحذيرات ملموسة حول نوايا ما أسماها "المنظمات المسلحة" لاشعال منطقة الحرم القدسيّ التي تنتهك بشكل كبير من قبل مستوطني الاحتلال وبدعم من شرطة العدو.