الوقت - كما كان متوقعاً، فإن نتائج الاستفتاء التونسي لم تسر كما توقع رئيس هذا البلد قيس سعيد، وشارك في هذه الانتخابات 27٪ من الشعب فقط.
وجاء تدني مستوى المشاركة في الاستفتاء الدستوري في تونس، فيما وصفت أحزاب المعارضة التونسية، ومنها "النهضة"، هذا الاستفتاء بأنه غير قانوني وقاطعته. کما احتج المئات خلال الأيام الماضية على إجراء استفتاء على الدستور الجديد في العاصمة التونسية، وفي مناطق مختلفة من البلاد.
في مسودة الدستور الجديد لتونس، سيتم تغيير الهيكل العسكري السياسي لهذا البلد من برلماني إلى رئاسي، وستزداد صلاحيات الرئيس. کذلك، يتم تقليص دور البرلمان ويختار الرئيس رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، وهم مسؤولون أمام الرئيس.
لمراجعة تفاصيل الاستفتاء على الدستور التونسي، تحدث موقع "الوقت" مع السيد جعفر قنادباشي، الخبير في شؤون غرب آسيا وشمال إفريقيا.
الوقت: تم إجراء الاستفتاء على الدستور التونسي، ووفقًا للتقارير، شارك فيه 27٪ من الشعب فقط. ألا توجد مشكلة قانونية في هذا الموضوع، وهل حدَّد قانون هذه الدولة نسبةً بشأن الحد الأدنى للمشاركة؟ ثم هل يمكن إعادة الاستفتاء، أم تستطيع الحكومة تنفيذه بأقل قدر من المشاركة؟
جعفر قنادباشي: لم يشر دستور تونس إلی الاستفتاء، والآن تم طرح الدستور نفسه للتصويت العام. تقليديًا، لم نشهد مطلقًا مشاركةً أعلى من 30٪ في انتخابات دول شمال إفريقيا، وفي الجزائر والمغرب تبلغ نسبة المشاركة الشعبية عادةً 37٪ بسبب ضغوط الحكومة، وحتى في البلدان المجاورة لتونس، حتى في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كانت نسبة المشاركة أقل من ذلك. المهم الآن أنه على الرغم من ضعف الإقبال، إلا أن هناك احتماليةً أن يتم إساءة استخدام نتائج الانتخابات ويعلن قيس سعيد فوزه بالانتخابات، وسيتحرك في نفس الاتجاه أيضًا، وستؤكد ذلك وسائل الإعلام العربية والغربية أيضًا.
الوقت: نظراً لانخفاض مشاركة الشعب في الاستفتاء، فإن شرعية حكومة قيس سعيد أصبحت موضع تساؤل، فهل يستطيع قيس سعيد تحقيق أهدافه رغم ذلك؟
جعفر قنادباشي: يحاول قيس سعيد أن يفرض نفسه وحكومته على الشعب بأي طريقة ممكنة، لكن ما حدث عملياً يظهر أن قيس سعيد ونظامه السياسي غير شرعيين، وإذا نظرنا إلی الموضوع من منظور الأطر الديمقراطية، فلا يجوز لقيس سعيد أن يحكم تونس بهذا المستوى من المشاركة، لأن الدستور يجب أن توافق عليه غالبية الشعب. الدستور الذي يريد تغيير النظام السياسي في البلاد يجب أن يحظى بدعم الشعب، ونسبة المشاركة في الانتخابات الدستورية السابقة كانت أعلى مقارنةً بهذه الفترة، وعلى أي حال كان لها شرعية أكبر. قيس سعيد غير مسموح له بتنفيذ هذا الدستور في تونس، وبما أن الشعب يجب أن يوافق علی استمرار الحكومة التي يرغب فيها، فإن شرعية النظام المستقبلي هي أيضاً موضع تساؤل، وبالتالي ستدخل تونس مرحلة فقدان الحكومة للمصداقية وصراعات لا نهاية لها بين مختلف التيارات، ما يمكن أن يزيد التوترات في هذا البلد.
الوقت: الآن وقد تم حلّ البرلمان، كيف ستكون عملية إقرار الدستور الجديد؟ وهل يمكن للحكومة وحدها تنفيذه أم يجب على البرلمان أن يتخذ القرار النهائي في هذا الصدد؟
جعفر قنادباشي: في العالم، قد لا تتم الموافقة على الدستور من قبل البرلمان، وربما يكون من الممكن أن يكون مسؤولاً عن كتابة نصه فقط. في بعض الحالات، تتم الموافقة على الدستور من قبل البرلمان ويلعب دورًا في هذا الإجراء، لكن أن يوکل تأييد نتائج الاستفتاء علی الدستور إلی البرلمان فقط، فلا يوجد شيء من هذا القبيل. وبما أن قيس سعيد حلّ البرلمان، فقد ألزم مجموعةً من المحامين والسياسيين بكتابة نص الدستور وطرحه للتصويت العام، وهذه العملية ليست خاطئةً.
المشكلة الآن هي أن الأحزاب القوية في تونس والاتحاد العام التونسي للشغل کانت حرةً في التصويت في اللحظة الأخيرة، لكن أحزابًا مثل النهضة والأحزاب الأخرى التي شكلت تحالفات وهي أساس السلطة في تونس، لم تقبل الاستفتاء، ويمكن القول إن هذا الموضوع سيكون مقدمةً لزيادة موجة المعارضة في المستقبل.
يقول المعارضون.. أولاً هذا الدستور ليست له قيمة ولا صحة، وثانياً استمرار حكم قيس سعيد غير قانوني، وهناك معركة بين الأحزاب القوية والقديمة مع قيس سعيد الذي يريد البقاء في السلطة بدعم من الدولارات النفطية للدول العربية. لذلك، فإن عدد الأحزاب التي وافقت على الدستور محدود للغاية، ولا يمكن أن يخلق الشرعية اللازمة لحكومة قيس سعيد.
الوقت: بالنظر إلى أن القانون الجديد يضع كل السلطة في يد الرئيس، فإنه بطريقة ما يحيي الحقبة الديكتاتورية لزين العابدين بن علي. فهل تونس الحالية تتجه نحو الديكتاتورية؟
جعفر قنادباشي: إن تغيير النظام التونسي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، يمكن أن يساعد تونس إلى حد ما في بعض القضايا. كانت هناك مشاكل في النظام السابق حيث كان رئيس الوزراء على رأس السلطة، ولكن مع الخطة الجديدة، يمكن القول إن السلطة ستكون في يد الرئيس أکثر من اللازم، وقد يكون هذا ضارًا جدًا بتونس على المدى الطويل، وقد يسيطر الرئيس حتى على القضاء أو يقوم بإخضاع المؤسسات الحكومية الأخرى أيضًا، لأن الدستور الجديد يعطي سلطةً للرئيس تتجاوز صلاحيات الرئاسة. لقد حقَّق النظام الرئاسي السائد في بعض الدول بعض النجاحات، ويمكن أن يكون مفيدًا لتونس مقارنةً بالنظام البرلماني السابق، ولكن القوة المتزايدة للرئيس مقلقة، ولهذا السبب أعلنت الأحزاب معارضتها لهذه القضية.
الوقت: على الرغم من أن تونس كانت البادئة ب"الربيع العربي"، إلا أنها لم تنجذب إلى حرب أهلية مثل ليبيا وسوريا، ولم تمل إلى الحكم العسكري وعودة العسکر مثل مصر. فما هي العوامل التي جعلت تونس تتعارض مع ثورتها؟ وما مدى توافق هذا الدستور الجديد مع مطالب ثورة 2011؟
جعفر قنادباشي: هناك عاملان خارجي وداخلي في هذا المجال. للأسف، من تولى شؤون هذا البلد لم يتمكن من تنفيذ ما هو ضروري لتونس، بسبب قلة الخبرة السياسية وتفشي الفساد، وفي النهاية أضعفوا هذا البلد وقدموا ذريعةً للأعداء لإخراج تونس من نادي الدول الديمقراطية. من وجهة النظر الاستراتيجية أيضًا، غيّر راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة، توجهه العقائدي فجأةً قبل بضع سنوات، وأعلن انفصال السياسة عن الدين، ما دفع بعض أنصار النهضة والقوى الدينية إلى الانفصال عنه، وفقد بطريقة ما دعم الشعب. كانت الحكومة التونسية قائمةً على الثورة والصحوة الإسلامية التي كان ينبغي أن تستمر، لكنها فشلت في منتصف الطريق.
والأهم من ذلك أن الدول الغربية لا تحب إقامة دولة ديمقراطية، تشكل تهديدًا لمصالح أوروبا وحتى الولايات المتحدة في جنوب البحر الأبيض المتوسط. لأن وجود دولة ديمقراطية في شمال إفريقيا يضر بالغرب، لأنه يمكن أن يكون نموذجًا لدول أخرى في المنطقة، والغرب لم يسمح بمثل هذا الشيء في تونس، كما رافقت الرجعية العربية أمريكا في هذا الأمر أيضًا.
ومثلما نفذت السعودية انقلابًا على رئيس مصر محمد مرسي، من خلال دعم عبد الفتاح السيسي، فقد تم تنفيذ نفس الخطة في تونس، حيث ضخوا الدولارات النفطية ودفعوا قيس سعيد للانضمام إليهم. لذلك، يمكن القول إن عوامل خارجية شاركت في مسار تطورات تونس، وأبعدت تونس عن التحول إلى نظام ديمقراطي في المنطقة.
الوقت: بما أن الأحزاب العمالية وحزب النهضة قاطعوا الاستفتاء الدستوري، فهل يزداد الضغط على المعارضة بانتصار قيس سعيد؟
جعفر قنادباشي: قلنا إنه بفوزه في الاستفتاء، سيزيد قيس سعيد من شراسة الأجواء الأمنية للغاية ولن يسمح في الواقع للمعارضة بالاستمرار، وعلى الرغم من أن هذه السياسة لا تزال على جدول الأعمال، إلا أنه لن يتخذ مثل هذا الإجراء في الوقت الحالي. في رأيي، لأن المشاركة الشعبية كانت منخفضةً، وعملية شرعنة الحكومة موضع تساؤل، سينتظر فترةً، لكن في المستقبل ستستمر سياسة القضاء علی المعارضة واعتقال قادتها، والأجواء الأمنية تزداد صرامةً للغاية. كما أن هذا الأمر يتوقف على عدم استفادة المعارضة من عدم مشاركة 73٪ في الانتخابات. والآن فرصة جيدة جداً للمعارضة للتخلص من قيس سعيد بتأييد شعبي، لأن الأجواء في حكومته المقبلة ستكون أسوأ من ذي قبل.